المحتوى الرئيسى

القوة العاشمة.. القضاء علي الإرهاب يبدأ من سيناء

02/10 23:50

من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد

عندما استخدم الرئيس عبدالفتاح السيسى مصطلح "القوة الغاشمة".. انتقده البعض باعتبار أن ذلك المصطلح غير قانونى وذات سمعة سيئة فيما يتعلق بالعدوان أو الحرب على الآخرين، لكنه لم يأت به فى هذا السياق أصلًا بل جاء به فى إطار أكثر الحروب قداسة وهى الحرب ضد الإرهاب.

لم يعد يجدى مع تلك التنظيمات ومن يمولها، سوى ضربها بقوة صارمة وغاشمة، بعد أن سفك التكفيريون دماء الأبرياء، وباتوا خنجرًا مسموما فى ظهر مصر، تحاول إعاقتها عن النهوض والارتقاء والتنمية.

فى صبيحة يوم الجمعة الماضية، فاجأ المتحدث العسكرى مصر  والعالم ببدأ الحرب الشاملة على الإرهاب، إذ قال إن قوات إنفاذ القانون تنفذ خطة للمجابهة الشاملة للعناصر والتنظيمات الإرهابية والإجرامية بشمال ووسط سيناء.

لكن الأخطر فى بيان المتحدث العسكرى هى لفته إلى أن تلك الحملة ستشمل «مناطق أخرى بدلتا مصر»، وهى الإشارة الأخطر فى البيان الأول، يظهر مدى أهمية الفلسفة والاستراتيجية التى قامت عليها الحملة الشاملة، فيبدو أن المقصود أن هناك عددا من المناطق التى تقع غرب قناة السويس منها عدد من المدن والقرى التابعة لمحافظة الإسماعيلة والشرقية، المتاخمة للبر الآخر من القناة، تمتد فيها المساحات الواسعة من السهول الرملية والمزارع المستصلحة والتى ليست مأهولة بالسكان بالقدر الكافى، إلا أنها شكلت بؤر لخلايا إرهابية يرتبط معظمها بالتنظيم الإرهابى فى سيناء، باعتبارات الامتداد الجغرافى والقبلى، ولم يجعل منها التنظيم مناطق لاستهداف القوات الأمنية، تاركها لخلايا الإمداد والدعم والحركة والهروب، وفى الآونة الأخيرة كانت الأجهزة الأمنية قد نجحت فى كشف عدد من الخلايا فى منطقة الصالحية الجديدة ، كانت تقوم بدور الدعم اللوجيستى للتنظيم.

الظهير الصحراوى من هنا يأتى الخطر

ثم تطرق البيان لمنطقة «الظهير الصحراوى غرب وادى النيل»، وهى المنطقة التى استخدمها المبايعون لداعش فى الوادى، لتشكيل خلايا مهمتها استهداف الأقباط كان يترأسها الإرهابى، عمرو سعد عباس، الذى نجا من مطاردته فى مغارات تلك الجبال، إذ أن «عباس» كان يتخذ من الظهير الصحراوى لمحافظات الصعيد منطلقًا له لضرب الكنائس أو استهداف حافلات الأقباط المتجهة للأديرة، ثم يعود مجددًا لملاذه الآمن... لقد عبر البيان بشكل واضح عن دلالة ومفهوم الضربة الشمالة بعد إشارته لهذا البعد فى العملية.

ثم تأت النقطة الأهم والأكثر صعوبة وتضحية، وهى إشارة البيان إلى أن العملية ستشمل «تنفيذ مهام ومناورات تدريبية وعملياتية أخرى على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، بهدف إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية للدولة المصرية، وضمان تحقيق الأهداف المخططة لتطهير المناطق التى يتواجد بها بؤر إرهابية، وتحصين المجتمع المصرى من شرور الإرهارب، والتطرف، بالتوازى مع مجابهة الجرائم الأخرى ذات التأثير على الأمن والاستقرار الداخلى».

تمتلك مصر مساحات حدودية شاسعة خاصة على الحدود الليبية المصرية، تقضى حمايتها تكلفة باهظة ومجهود خرافى، إلا أن الدولة المصرية مضطرة إلى صون هذه الحدود مع القيام بالعملية الشاملة الكبرى ضد الإرهاب، فتوجيه الضربات لمعاقل الإرهاب فى الداخل، لن يكون مجديًا إذا استطاعت فلوله الشاردة من الهروب فى اتجاه الخارج ومحاولة العودة مجددا، أو حتى تمكن أنصارهم فى الخارج من محاولة التسلل للقيام بعمليات لتخفيف الضغط على إرهابيى الداخل، أو محاولة مدهم بالذخيرة والسلاح والعناصر.. إذن يتضح أكثر معنى العملية الشاملة.

لماذا الآن؟ قد يتبادر للذهن هذا السؤال.. فإذا كانت الدولة المصرية كان بإمكانها القيام بذلك فلماذا لم تقم به فى مراحل سابقة؟

الحقيقة أن مثل تلك العملية كان لا بد أن يتوافر لها عدد من الشروط إضافة إلى أجواء سياسية وإقليمية عامة، حتى تؤتى ثمارها كما ينبغى أن يكون، فقد قامت قوات إنفاذ القانون على مدى الأعوام الفائتة، بحملات ومواجهات أمنية أدت إلى كسر توغل الإرهاب تدريجيا، وتجفيف منابعه، حتى أنهكت قواه وتمزعت أوصاله، وأدارت الدبلوماسية المصرية معركتها فى محاولة منها لتجفيف منابع الإرهاب، وقطع خطوط إمداده القادمة من الشرق والغرب والجنوب، حتى تيقنت أن التنظيم يتعرض لحصار مطبق، فلم يبق سوى الحرب الأخيرة، للقضاء عليه بشكل مبرم.

الملاحظ فى بيان الجيش عن العملية العسكرية الشاملة، هو أنها جاءت عقب اجتماع ثنائى بين وزير الخارجية المصرية، ومدير المخابرات العامة المصرية مع وزير الخارجية السودانى ومدير مخابرات السودان، كما الملاحظ هو أنها جاءت قبل التنفيذ على غير العادة القديمة من القيام بالحملات ومن ثم الإعلان عنها، وهذا يشير إلى أن قوات الجيش تمسك بكل الخيوط الآن بحزم وقوة، فيما يتقهقر الإرهاب داخل سيناء.

اللافت للانتباه فى تلك الحملة، هو أن الجيش ركز لأول مرة على الصحراء الغربية، والدلتا، ووسط وشمال سيناء فى وقت واحد، باعتبار انتشار بعض البؤر الإرهابية فى كل هذه المناطق، واستغلالها انشغال قوات إنفاذ القانون فى منطقة للقيام بعمليات إرهابية فى منطقة أخرى.

لقد عمدت الأجهزة المعنية فى الدولة خلال الفترة الماضية، عقب أوامر الرئيس بالقضاء على الإرهاب خلال 3 أشهر، بالتركيز على المعقل الأبرز للتنظيمات المتطرفة بشمال سيناء، وإعداد خطة جديدة تشمل إلغاء الكمائن الثابتة، وعمل كمائن متحركة فى المكان الذى تم تنظيفه من الإرهابيين، عن طريق سلاح المهندسين، الذى كان له الفضل هذه المرة فى عمل طرق، وكمائن، لإغلاق المنافذ الرئيسية، ما جعل قيادات جماعة بيت المقدس الإرهابية يعتبرون أن هذه المعركة هى حياة أو موت بالنسبة لهم.

كانت هناك استراتيجية أمنية خاطئة عقب 25 يناير، ساهمت فى تعرض كمائن سيناء لعشرات الهجمات، أبرزها «الريسة»، الذى تعرض على مدار الثلاث سنوات الماضية لقرابة 44 هجومًا، أكثرها من حيث عدد الضحايا، تفجير سيارة مفخخة قادها انتحارى العام الماضى، ليوقع 5 قتلى من قوات الجيش والشرطة.

كما تعرض كمين «الخروبة» الواقع على مسافة 15 كيلومترا شرق العريش، والحاجز الأقرب لكمين «كرم القواديس» عشرات المرات للرشق بالرصاص من العناصر الإرهابية، بواسطة المركبات المتحركة والتصويب عن بُعد، ما دفع قوات الأمن لعدم السماح للمدنيين بالاقتراب، وتخصيص مدرعتين على الجهة الثانية من الطريق الدولى المقابل للكمين، وتفتيش السيارات عن بُعد، لتفادى وصول سيارات مفخخة لعمق الكمين.

أما كمين كرم القواديس فقد تعرض لعشرات الهجمات بسبب عدم خضوعه لإجراءات تأمين ومراقبة جيدة، لوقوعه فى مكان منخفض، لا يسمح بمراقبة جيدة من المسافات البعيدة.

وساهمت طبيعة سيناء الجغرافية فى صعوبة تأمين الكمائن، وخلق حالة من السخط لدى الأهالى، الذين أصبحوا مضطرين لسلك الدروب الجنوبية بعيدا عنها، ما تطلب أبراجا إسمنتية للمراقبة ودوريات متحركة تعتمد على معلومات استخباراتية دقيقة.

تلافت الآن القوات الأخطاء، ووضعت خطة أمنية جديدة للحواجز عبر تغيير التخطيط الهندسى للحاجز، بتوسيع السواتر المعدنية، وإبعاد مركز التفتيش عن عمق الكمين، والسيطرة على عمق المدن والقرى بكمائن متحركة، ما وفر جانبًا أمنيًا يصعب اختراقه، فضلاً عن تخصيص عناصر مراقبة أمنية أعلى أسطح العمارات السكنية المحاذية للكمين.

على الجانب الآخر، انهارت التنظيمات الإرهابية، فلم نسمع منذ أشهر عن عمليات للواء الثورة أو حسم، كما حدثت موجة انشقاقات كبيرة داخل تنظيم بيت المقدس، عقب مجزرة مسجد الروضة، وكانت خطة التنظيم الإعلامية، هى تخطى هذه المجزرة بأى أعمال تحظى بقبول عام، وأنصار على حساب دماء المسلمين، فتم تكليف محمد أحمد وهو مسؤول الإعلام فى التنظيم، وبدوره كلف، أمير سالم حسان، وهو شخص سيناوى، يقوم بالإلقاء الصوتى لكل إصدارات التنظيم، وظهر صوته فى نفس التسجيلات الصوتية الذى تبناها (صقر 3 المعمم)، بفبركة تسجيلات قديمة، لتخطى ما جرى، وبالفعل تم نشر صور قديمة، لذبح أحد أفراد عائلة أبو درب «عمر موسى محمد على أبو درب»، من سكان شمال رفح، الساحل البحرى، وكتبوا أسفل جثته، وتم ذبحة من أحد صحوات الترابين، فى تدليس واضح.

حاول التنظيم فى شمال سيناء بكل ما تبقى من لدية من قوة، إثبات تسلله ليلا لمناطق الترابين، وتصوير بعض المشاهد المرئية، أو القيام بعمليات تنكيل للأهالى، وهى سياسة الحرب النفسية التى يقوم عليها، لكنه فشل فشلاً ذريعًا، ومنذ أسابيع قليلة أصدر التنظيم قراراً بسرقة سيارات الدفع الرباعى للترابين، بعد العجز الواضح لديه فى السيارات والعتاد.

أما عن الجهاز الأمنى للتنظيم، الذى يشرف عليه صالح زارع، فإنه قتل شخصا يدعى أبو مريم الروسى، بسبب طلبه ترك التنظيم، وتوجيه الإهانة لقياداته، كما عذب مهاجراً (جزاروى) أى من السعودية، يدعى أبو عواد الجزراوى، لأنه فكر فى الهرب.

فى مقابل تلك الأزمات التى تواجه التنظيم، فإنه اعتمد خطة تقوم على التدليس على العناصر والكذب، بحجة أن الكذب فى وقت الحرب جائز، وهى إحدى أدواته لإقحام عناصره فى معارك مع قبائل سيناء، عقب الهزائم التى لحقت بتنظيم داعش الأم فى العراق والشام، وزوال مناطق سيطرته تمامًا، وبعد توقف التجنيد تمامًا، مما سبب ضعفاً ملحوظاً فى إمكانيات بيت المقدس.

الملاحظ، أن هذه العملية الشاملة جاءت فى وقت تشن قوات الجيش الليبى بقيادة اللواء خليفة حفتر حرباً شاملة على مقار القاعدة وداعش بمدينة درنة، وجنوب سرت بالصحراء تحديدا حيث هى المركز الرئيسى للدواعش المصريين.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل