المحتوى الرئيسى

العراق.. هذه إنجازاتهم المبهرة

02/06 14:09

حين حدد النظام الديمقراطي الحديث أربع سنوات كفاصل زمني لتحديد الاختيار بين التجديد للحاكم، حزبا أو شخصا، من عدمه، فإن هذه الفترة تبدو كافية لتقدير النجاح أو الفشل في الإنجاز للمواطنين، وعادة ما يتم ذلك وفق وقائع بيانية أمام الرأي العام وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المباشر لمساءلة ذلك الحزب أو المسؤول ووضعه في إحدى خانتي الفشل والمحاسبة أو النجاح كمشروع للتجديد. ولهذا لا يستطيع من حكموا العراق منذ أبريل 2003 الانفلات من هذه المنظومة طالما تمسكوا بها كطريق للسلطة. فالانتقائية في المسار الديمقراطي غير مقبولة، ولكن الواقع العراقي يحكي غير ذلك إلى درجة تغييب مبدأ المساءلة والمحاسبة الشعبية، باستغلال متدن لحالة تعب الشعب وإرهاقه بالأزمات والكوارث لتمرير صفقات لعبة الأحزاب الكبيرة التي توفرت لها عناصر الهيمنة والسيطرة، وعدم السماح لغيرها بالوثوب إلى مقدمة ساحة التنافس الحقيقي.

وإذا كان لشعب العراق دور في إنهاء النظام السابق وهو أمر لم يحصل لأن عملية التغيير تمت بالاحتلال العسكري الأميركي إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون له دوره المباشر في تحديد من يريده لحكمه. قد تقول الأحزاب الحاكمة إن صناديق الاقتراع هي صاحبة الكلمة الأخيرة، بمعنى إن الخيار هو للشعب، إلا أن ما حصل خلال ثلاث دورات انتخابية كشف إلى أي مدى وصلت حالات التزوير في الأصوات وقدمت صورة بشعة لبازار الصفقات بين تلك الأحزاب، وإلى أساليب الخداع والتمويه التي تتم منذ بدء الشوط الانتخابي حتى نهايته. والدليل على ذلك أن مسلسل الفشل متواصل، وأحزاب العملية السياسية مصرة على فرض نفسها بمختلف الوسائل والأساليب، حيث استندت في المرحلة الأولى على دعم المرجعيات الشيعية لهذه القائمة أو تلك، ثم تفننت تلك الأحزاب في صناعة أعداء محليين بأبعاد طائفية افترضت وسوقت أغطية كثيرة قبل ولادة داعش وبعد سحق التنظيم البعثي بواسطة قانون الاجتثاث، وأخيرا وجدت تلك الأحزاب ضرورة ركوب موجة عبور الطائفية التي فتكت بحياة شعب العراق واستثمار الانتصار على تنظيم داعش، وهو المنجز الوحيد الذي يسجل لكل العراقيين وليس لهذا المسؤول أو ذلك الحزب.

المواطن العراقي في هذا المشهد الأخير من عملية تدوير السلطة من حقه أن يتساءل بحس ديمقراطي نزيه، ليست فيه ضغائن أو عداوات لهذا الحزب أو المسؤول أو ذاك، ما هو المنجز الذي تحقق انطلاقا من نقطة الصفر 2003، أو بالأصح ماذا تحقق في رفع المعاناة والآلام عن العراقيين منذ ذلك التاريخ، وعما أصابهم من ويلات الاحتراب الطائفي وإشاعة نعرات الكراهية والثأر، وإيقاف نزيف الموت والتشريد والنزوح عن الديار، والخراب الذي حلّ بالبلد بسبب تهديم دولته وبنيتها التحتية، وانهيار منظومة الأمن الرسمية بعد تسلط الميليشيات المسلحة على الشارع وشيوع ظاهرة انتشار السلاح خارج الدولة، وتفشي حالات جرائم الاختطاف والقتل والاعتقالات العشوائية.

لا مجال هنا لعرض مقارنات ليتم الحديث عن إنجاز ما للعراقيين، فالمقارنة كيف تحصل بين العهد الحالي وعهود ما قبل 2003، ألم يتم تخليص العراقيين من “نظام صدام الدكتاتوري المستبد” وهو إنجاز يعود لكل من أميركا وإيران وليس لأحزاب الإسلام السياسي. الإنجاز الكبير الذي حققه الاحتلال هو حل الجيش العراقي الذي كان ملكا للوطن عبر تاريخه المجيد وليس لصدام حسين، حتى وإن نصب عليه قيادات موالية له كان بالإمكان إزاحتها وإبقاء هذا السور الذي بانهياره تدفقت كل عناصر الشر والتهديم. كما كان الإنجاز السياسي هو بناء نظام المحاصصة الطائفية من قبل الحاكم السيء الصيت بول بريمر الذي خلف كل المصائب. وكذلك قتل المئات من علماء العراق والتهجير القسري أو الاختياري للآلاف من الأطباء والمهندسين الذين صرف عليهم البلد الملايين من الدولارات ليشكلوا مادة التنمية والتطوير، ليحل محلهم الأميون وأصحاب الشهادات المزوّرة التي حصلت حتى عند مسؤولي المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وفضائح ذلك تكشفها عمليات “منح أعضاء من الأحزاب شهادات للدراسة الإعدادية من إيران” لكي يسمح لهم الدخول إلى البرلمان مرة جديدة. يعصرنا الألم حين نلتقي بالعشرات من الأطباء العراقيين المتميزين في مستشفيات بريطانيا، ويتحدثون لنا بحسرة أنهم حرموا من خدمة وطنهم العراق، إلى درجة أن وزارة الصحة البريطانية أعلنت قبل سنوات قليلة بأنه إذا ما قرر هؤلاء اختيار عودتهم لوطنهم فإن الوزارة ستتعطل، ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي (البريطاني الجنسية) يعلم هذه الحقيقة.

انهيار منظومات التعليم وتحوّل قاعات الدرس في الجامعات إلى “حسينيات” ومنابر للطائفية، وانعدام أبنية المدارس وحتى مشاريع بنائها تصبح ضحية للفساد والفاسدين أليست هذه إنجازات باهرة؟ حسب تقرير اليونسكو فإن العراق في فترة ما قبل 1991 كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، وتم خلال أواخر السبعينات القضاء على الأمية تماما. وآخر الإحصائيات الدولية تقول إن نسبة القادرين على القراءة والكتابة بالبلد قد وصلت إلى أقل مستوياتها في تاريخ العراق الحديث، فبلغت ما يقارب 60 بالمئة، حيث يعاني أكثر من 6 ملايين عراقي من الأمية التامة. والمرأة عانت وتعاني الاضطهاد والترمّل بسبب حروب ما قبل 2003 وحروب اليوم الداخلية، والإنجاز العظيم لها هو وضعها تحت أحكام قوانين تهين كرامتها “كالقانون الجعفري”، والذي تولد عنه القانون الأخير الذي روّج في مجلس النواب الذي يبيح للفتاة القاصر بسن التاسعة الزواج، أليس هذا إنجازا حضاريا؟ ثم شيوع الظاهرة القاتلة للشباب/ تعاطي المخدرات وتجارتها، لدرجة استخدام أغطية المناصب الحكومية لتسويقها، مثلما حصل أخيرا لابن محافظ النجف. أليس بقاء المواطنين العراقيين بلا كهرباء إنجازا رغم صرف مئات الملايين من الدولارات في عقود وهمية؟

لفتت انتباهي قبل أيام مقابلة تلفزيونية لرئيس الوزراء حيدر العبادي خلال وجوده في مؤتمر دافوس تحدث خلالها عن منجزاته، وهذا من حقه كمتنافس على رئاسة الوزراء في الدورة المقبلة، لكنه أخفق للأسف في تصدير إنجازات وهمية ما عدا إنجاز الانتصار على داعش، حيث تحدث عن حالة “الأمن والاستقرار في العراق التي يعجب بها العالم، وإن حالة العراق المبهرة اليوم لم تتحقق منذ خمسين عاما وأنه يسعى إلى تطبيق مشروع عبور الطائفية”، رغم أنه تحالف مع فصائل ميليشياوية سمى أصحابها بالسياسيين المتطوعين في محاربة داعش واختلف معهم حول الرقم الأول في الحكم المقبل.

أشار العبادي إلى أن معظم مظاهر الفساد هي في عقود التنمية والبناء التي لا يتم إنجازها، متجاهلا أنه في إعلانه عن معركته ضد الفساد فهو يعرف مواطنه وزعاماته ومافياته لكنه يحاول تلمس طريقة عدم المواجهة مع رفاق دربه. حاول العبادي إقناع الجمهور بقطع الفاصلة الزمنية منذ عام 2014 ولحد اليوم عما سبقها، مما يبيح له الحديث عن إنجازاته رغم أنه ابن حصيلة سياسات حزب الدعوة الذي حكم العراق اثنتي عشرة سنة، ولا يمكن الفصل بين حكمه وحكم سابقيه، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي، لأنهما أبناء الحزب. وما حصل أخيرا من لعبة سحب اسم “الحزب” من المنافسة بين المالكي والعبادي لا يغير من حقيقة أن ذلك الحزب هو صاحب القيادة والمسؤولية عما حصل من مشكلات لشعب العراق.

اللعبة التي تمت منصوح بها للخروج من أزمة الصدام الشخصي بين أمين عام الحزب وأحد قيادييه، كما أن رفع حزب الدعوة لاسمه هو محاولة للهروب من واقع المساءلة الوطنية عما حصل خلال 12 سنة من حكمه لتقع على رؤوس قادته الذين لم يخرجوا من خيمته وأيديولوجيته. هذا على الرغم من أن نوري المالكي أكثر وضوحا في تعبيره عن انتمائه الحزبي والطائفي.

يتمنى العراقيون لو تحقق لهم إنجاز يداوي جروحهم، الحالة الوحيدة التي يفتخرون بها هي طردهم لتنظيم داعش من بلدهم. أما غيرها، فوعود الدعاية الانتخابية أصبحت لعبة مكشوفة أمامهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل