المحتوى الرئيسى

الرزق يحب «القرض»..تجارب وحكايات مواطنين عرفوا طعم الحياة من خلال مشروعات خاصة بتمويل بنكي

02/06 10:35

حياة شاقة فى كل تفاصيلها، التزامات مالية متلاحقة، وأقساط متراكمة لتسديد ثمن بعض الأثاث المنزلى الأساسى، وجمعيات لا تتوقف على مدار السنة، لدفع دروس الطلاب، أو لشراء كتب طالب جامعى، وصولاً إلى المأكل والمشرب، فى حياة لا تعرف معنى الرفاهية، ويصير البحث عن حل يدعم الأسرة مالياً فريضة على القائم بها، حتى يأتى الحل فى شكل قرض صغير، يقوم صاحبه بالتفكير فى مشروع متناهى الصغر، يعود عليه بالنفع، ويوماً بعد يوم ينمو ويتحول «الدكان الصغير» إلى «بقالة كبيرة»، والورشة الصغيرة إلى كبيرة تحوى عدداً من العمال، وبدلاً من محل واحد إلى محلين.

تجارب وحكايات مواطنين عرفوا طعم الحياة من خلال مشروعات خاصة بتمويل بنكى

يأتى ذلك فى عملية إقراض تقوم بها الدولة لدعم المشروعات متناهية الصغر، من خلال الجمعيات أو الشركات، تشجع على الإنتاج وتدعم الصناعات الصغيرة، والمنتج المحلى، وتتحول الأفكار التى كانت حبيسة الرأس إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع، ويعم نفعها سواء على المقترض وأسرته أو حتى من العاملين معه فى مشروعه حال نجاحه، وبعد إصدار قانون 141 لعام 2014 بتنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر، الذى يعتبر التمويل وسيلة من الوسائل الرئيسية لتشجيع مساهمة الفئات محدودة الدخل فى النشاط الاقتصادى، تحولت حياة البعض من البطالة والركود إلى الإنتاج، وتحسين الدخل.

لسنوات طويلة، ظلت «شيماء رمضان»، تحمل فوق رأسها «طشت» صغيراً، تضع به بعض «الجبن والمش»، وتمضى به إلى الأسواق، لتبيع ما حمل بداخله، وتعود لمنزلها آخر اليوم ببضعة جنيهات، تحفظها فى مكان معلوم، لتشترى بها فى غدها بضاعة أخرى تخرج تبيعها، وتضع بعض الربح على مال زوجها الذى يعمل «تباعاً» على أحد الميكروباصات، لتدبر شئون الأسرة، المكونة من 4 أفراد، لكن ارتفاع الأسعار والظروف الاقتصادية الراهنة، التهمت الأرباح ودخل زوجها من عمله اليومى، ولم تعد الجنيهات التى تكسبها وزوجها كافية: «الدنيا بقت أصعب من زمان، كان الجنيه بنجيب بيه حاجة دلوقتى محتاج على الجنيه كمان جنيه عشان تجيب حاجة واحدة» تحكى السيدة ذات الـ24 عاماً، وهى تتذكر ذلك الماضى الذى انطوت بعض ملامحه، وأصبح لواقعها ملامح أخرى تحمل جانباً مضيئاً، عقب اقتراضها 2500 جنيه، على قلتها إلا أنها مثلت لها إضافة قوية لعملها اليومى: «بقيت أشترى حاجات أكتر، فى الأول كان بيبقى معايا 3 كيلو جبنة و2 كيلو مش، دلوقتى 7 كيلو و8 كيلو، وكل ما كان معايا بضاعة أكتر كل ما مكسبى كان بيزيد».

«سعد» فقد بصره وبعد اقتراضه: «كبرت محلى بتاع الخشب ومابقتش أستلف من حد».. و«منى وسمير» زوجان حصلا على أكثر من قرض واستطاعا تنمية محلين للبقالة والأدوات الكهربائية

«الطشت» لا يزال كما هو، لكن محتواه زاد الضعف مرتين، والمكسب كذلك، وبدلاً من وجوده على مساحة صغيرة من الأرض، صار على فرشة كاملة بها عدة أصناف، وأصبحت شيماء تعود إلى ولديها الاثنين بأرباح تكفيهما احتياجاتهما، وتدبر أمر منزلها مع زوجها من خلال الجنيهات التى يتحصل عليها آخر يومه من العمل على العربات: «هو بياخدله 50 وساعات 60، مع القرشين اللى أنا بجيبهم الحياة بتمشى، ولما خدت القرض الحالة اتحسنت الحمد لله».

عمله فى تركيب السقالات المعدنية لم يكن دائماً، ففى أحد الأيام يعمل وأسبوع آخر لا يجد مكاناً فى حاجة لبناء أو تشطيب، فافتتح محلاً صغيراً تضمن 4 أرفف فقط، وضع عليها بعض علب الشاى وأكياس السكر وعدداً من الأقلام، لتفكر زوجة محمود عبدالحكيم فى اقتراض مبلغ مالى قيمته 2500 جنيه لزيادة البضاعة فى المحل الصغير، وحين بدأ الأمر يؤتى أكله، اقترضت السيدة 10 آلاف جنيه، وتحول المحل إلى بقالة صغيرة يعرفها سكان الشارع والمنطقة المحيطة بها، ومع الأرباح ظل الرجل يجمعها دون أن ينفق منها شيئاً، وفى ذهنه أفكار لتطوير المكان: «شغلى فى السقالات ماكانش مضمون، يوم نشتغل و10 لأ، ورغم إن قبضها حلو 160 فى اليوم، بس مش موجودة، عشان مش كل يوم فيه واحد عايز يشد سقالات لعمارة» يحكى الرجل الذى لم يتلق تعليماً طيلة حياته، ولا يعرف مهنة سوى تركيب السقالات المعدنية: «لما مراتى خدت القرض والحالة مشيت شوية فى شوية، قلت أطور المحل كمان وكمان».

على الأرفف التى بدأت بعلب شاى وأكياس سكر، تحتل مساحيق التجميل مكاناً كبيراً فى المحل، وعدد كبير من الأدوات الدراسية، وكراتين الشيبسى والبسكويت وألعاب الأطفال، إلا أن ضيفاً جديداً فى المحل الصغير الذى استأجره الرجل بـ300 جنيه، كان سبباً فى زيادة الدخل، واضطر بسببه للاقتراض، مرة أخرى: «جبت قرض بـ10 آلاف جنيه، عشان خاطر أجيب ماكينة التصوير دى» يحكى الرجل وهو يضع يده على الماكينة، التى اشتراها بـ8 آلاف جنيه، ولقربه من بعض الأماكن الحكومية التى تحتاج إلى تصوير بعض الأوراق اللازمة للمواطنين، فقد أصبح وجهة كل راغبى التصوير فى محيطه: «بصور البطاقة وش وضهر بـ50 قرش، والورقة الواحدة بربع جنيه، لكن لو طلبة بعملها لهم رخيصة عشان بيطبعوا بكميات كبيرة»، يحكى الرجل وهو يتابع ابنته الصغيرة وهى تجلس أمام شاشة الكمبيوتر الذى اشتراه ليوصله بماكينة الطباعة: «بعمل ده كله عشانهم، وماكنتش هتطور ولا شغلانتى هتكبر غير لما مراتى خدت قرض ورا قرض، وأنا كمان خدت بعدها».

من إحدى الجمعيات حصل عصام صادق على قرض بقيمة 7500 جنيه، وجهها كلها فى تسمين الخراف، واستطاع بالمبلغ شراء 3 خراف صغيرة، وعقب عدة أشهر باع الـ3 واشترى غيرها، ومنذ ذلك التوقيت والرجل ذو الـ40 عاماً يشترى الخراف ويبيع غيرها ويقوم بالتسمين أحياناً ويبيع لمحلات الجزارة فى الأسواق المنتشرة حوله: «أنا بدأت بـ3 خرفان، بعد كده ربنا مَن عليّا وبقى عندى مجموعة أكبر، وفى يوم بنزل السوق عجبتنى حاجة بشترى»، يحكى الرجل الذى صار يعرف مواقيت أسواق الماشية فى محافظة الجيزة، ويتجه إليها أسبوعياً للبيع والشراء: «ممكن فى يوم مشتريش خالص، وممكن فى يوم أشترى وأبيع فى نفس اللحظة»، يتذكر عصام الذى يعمل بأحد مساجد الأوقاف، الحالة المادية التى كان يمر بها قبل عمله فى التسمين: «كان الحال صعب، بس بعد القرض الدنيا اختلفت».

تمويل المشروعات متناهية الصغر: «باب الباحثين عن تحسين أوضاعهم المالية»

يربى الرجل الخراف فى مكان صغير ملحق بمنزله، إضافة إلى عمله بإحدى الأراضى الزراعية، ليستطيع الإنفاق على ولده وابنتيه الذين يدرسون فى المراحل التعليمية المختلفة: «اللى كان جاى على قد اللى رايح، دلوقتى فيه براح شوية بعرف أجيبلهم حاجات كويسة، سواء مأكل وملبس».

«كفر عمار، والبدرشين، والإخصاص»، بعض الأسواق التى يزورها الرجل وفى يده بعض الخراف التى يبيعها، فى مقابل ربح قد يبلغ 900 جنيه فى عملية البيع الواحدة، ورغم حصوله على قرض وتسديده، توجه الرجل للاقتراض مرة أخرى لتكبير مشروع التسمين الذى يتمنى أن يعود على أسرته بالنفع: «مابنعملش ده غير عشان عيالنا، وعشان تبقى عيشتهم أحسن من الأول».

7500 جنيه بدأ بها عصام مشروعه فى تسمين الخراف: «حالى كان صعب ودنيتى اتغيرت بعد القرض»

يتوكأ على أحد أبنائه، ويخرج من منزله متجهاً إلى محل بيع الخشب، الذى كان فى السابق ورشة صغيرة، لكن سعد حسن، الذى فقد البصر منذ 23 عاماً، بعدما كان «صنايعى شاطر» بحد وصفه، وعاملاً فى شركة الحديد والصلب بحلوان، وبعد ذلك الحدث أحيل الرجل للمعاش، وترك العمل تماماً، حتى أخبره أحد أصدقائه بضرورة العمل كى لا يصاب بأمراض أخرى: «لقيتنى مش فاهم حاجة فى الدنيا غير الخشب، عشان اشتغلت فيه طول حياتى»، يحكى سعد ذو الـ59 عاماً، وهو يجلس داخل المحل، برفقة ابنه إسلام، الذى يرافقه طيلة عمله، بالتناوب مع إخوته الـ3 الآخرين: «لما قلت هبيع خشب كنت ببيع المستعمل بس كانت بتواجهنى مشكلة، إنى ماعنديش رأس مال كبير أقدر منه أجيب كميات كبيرة» فكان توجهه إلى اقتراض مبلغ من إحدى الجمعيات فى قرية مزغونة، ومن خلاله استطاع زيادة كمية الأخشاب التى يبيعها فى محله: «طن الخشب المستعمل دلوقتى بـ6 آلاف وفيه بـ5 حسب حالة الخشب».

زبائن الرجل بعض الأشخاص الذين يرغبون فى قطع خشبية لاستخدامها فى منازلهم، أو بعض الورش التى تبحث عن قطع رخيصة وصغيرة، ولشهرته بين الورش قديماً صار وجهة بعضهم، لا سيما بعد زيادة كميات المحل من الخشب عقب الاقتراض أكثر من مرة: «خدت قرض بـ2500 وبعد كده بـ7500 ودلوقتى خدت قرض بـ10 آلاف، وربنا بيكرم». يحصل الرجل على معاش قدره 850 جنيهاً، وله بنت زوجها و4 أولاد، تزوج أحدهم ثم انفصل عن زوجته وعاد إلى منزل أبيه ومعه طفلان: «يعتبر القرض اللى ساندنى، وكويس إنى لقيت حد يدعمنى بمبلغ قليل عشان أقدر أشتغل وأصرف» يحكى الرجل وهو بين أكوام الخشب ومن أمامه ميزان صغير، يبيع عليه الخشب بالكيلو بـ7 جنيهات، يتحسس الميزان والكيلوات فيعرف أحجامها من الملمس ثم يبدأ بوضع الأخشاب فى الكفة ويبيع: «قبل القرض كنت بجيب بالسلف شوية، حد يجيبلى شوية خشب وأقوله لما أبيع هحسابك، لكن كده أكرملى ميت مرة».

الرجل الحاصل على دبلوم صنايع، وبدأ حياته مع الخشب، لم يكن بوسعه سوى العمل فيه، فهو الشىء الوحيد الذى يفهمه بعد تركه العمل فى الحديد والصلب لفقدان بصره، ومع حصوله على أكثر من قرض، أصبح يتجه لأماكن عدة لشراء الخشب المستعمل منها: «بروح طنان وبروح شبرا، وفيه ورش كبيرة فى دمياط بتنزل شغل هنا فى القاهرة بشتريه»، ويفتح محله منذ الـ9 صباحاً وحتى الثانية ظهراً، ثم يتجه لمنزله لتناول الغداء، ويعود مرة أخرى بعد ذلك إلى محله حتى الـ6 مساء: «أنا عندى المحل وعندى كل ورقى سليم، ووديت للجمعية البطاقة والسجل الضريبى وكل حاجة ليها علاقة بيّا، وإدونى القرض»، كان الأمر الأكثر أهمية لدى سعد التوقف عن الاقتراض من المحيطين به، فهو يرى الأمر محرجاً، خصوصاً أن بعضهم يقدم له مبالغ هزيلة لا تكفى لشراء كميات كبيرة من الخشب، لكنه كان يضطر لقبولها لعدم وجود غيرها: «لكن دلوقتى خلاص، باخد قرض من الجمعية، وبسدد من الربح، وكل ما بحتاج قرض بروح آخد، والمحل يوم عن يوم بيكبر الحمد لله».

من البحث عن فرص عمل للحصول على قروض: «شيماء» اقترضت 2500 جنيه وتبيع «الجبن والمش» على «فرشة» بعد البيع فى «طشت».. و«محمود» حصل على مبلغ مالى واستطاع شراء ماكينة تصوير

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل