المحتوى الرئيسى

سوق الحميدية فى سوتشى!

02/04 22:15

نشرت جريدة الشرق الأوسط مقالا للكاتب «راجح الخورى» وجاء فيه: ماذا كان فى وسع فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان أن يقولا صباح الأربعاء الماضى، غداة انهيار الآمال التى علقتها موسكو على مؤتمر سوتشى؟... هل يقولان إن الأمر كان بمثابة خيبة كبيرة؟... لا طبعا؛ لهذا كان كافيا القول إنهما مرتاحان لنتائج المؤتمر.

مرتاحان، لكن عن أى نتائج نتحدث، وهل كان هناك من نتائج تدعو إلى الارتياح، إذا كان كل ما توصل إليه المؤتمر هو تشكيل ما سُمى «لجنة دستورية»، لن يكون من مهمتها وضع دستور جديد للبلاد، يمكن أن يحيى مسألة الانتقال السياسى التى عطلها سيرجى لافروف منذ البداية فى مؤتمر «جنيف ــ 1» فى 30 يونيو من عام 2012، بل محاولة «إصلاح» أو «تعديل» الدستور، وحتى هذا قيل إن أوساط وفد النظام فى سوتشى رفضته قائلة إن الأمر لن يتعدى «مناقشة» الدستور، بما يعنى عقد حلقات للنقاش المجوف طبعا؟!

ليس من المبالغة القول إن كل الآمال التى أطلقتها موسكو فى مؤتمرات آستانة الثمانية، مؤكدة أن مؤتمر سوتشى يمكن أن يتحول محطة حاسمة تضع أساس الحل للأزمة السورية المتمادية، وخصوصا أن بوتين قبل أشهر أعلن أنه سيكون «مؤتمر الشعوب السورية»... كل هذه الآمال قد انهارت الآن، عندما وقف مبعوث الرئيس الروسى ألكسندر لافرينتيف ليعلن عن النتائج الهزيلة للمؤتمر: تمت الموافقة على ثلاث وثائق، وهى البيان الختامى للمؤتمر، وأسماء المرشحين للجنة مناقشة الدستور (سيكون عددهم 150، بما سيعنى استحالة تحقيق أى تفاهم بينهم قبل سبع سنوات أخرى من العراك) ومطالب المشاركين، التى ستذهب إلى الاستيداع لدى ستيفان دى ميستورا، فى محاولة مكشوفة لإعطاء غطاء الشرعية الدولية إلى أعمال المؤتمر!

كانت موسكو تريد إعطاء مؤتمر سوتشى حجما بانوراميا عندما وجهت الدعوات إلى 1600 شخص، حضر منهم 1511، وكانت النسبة الغالبة من الذين حضروا من مؤيدى النظام وحزب البعث ومنصتى موسكو والقاهرة، فى حين رفضت عشرات الفصائل المعارضة وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية الحضور، فى وقت أعلنت فيه الإدارة الذاتية الكردية مقاطعة سوتشى، متهمة روسيا وتركيا بالاتفاق على الهجوم الذى تتعرض له عفرين!

حاولت أنقرة المساعدة فى إنقاذ الوضع عندما دفعت وفدا من المعارضة التى تدعمها للذهاب إلى سوتشى، فى حين كان قد تم استئخار افتتاح المؤتمر فى انتظار وصول هذا الوفد المؤلف من مائة شخص، لكن رئيس الوفد أحمد طعمة ورفاقه رفضوا فور هبوطهم فى مطار سوتشى الذهاب إلى المؤتمر وعادوا إلى أنقرة، اعتراضا منهم على الأعلام والشعارات واللافتات المرفوعة التى ترمز إلى النظام والتى كان الروس وعدوا بإزالتها.

لكن الأتراك تلقوا صدمة بدورهم عندما اكتشفوا مثلا أن بين الحضور المدعو باسم كيالى رجل النظام الذى يرأس «جبهة تحرير لواء الإسكندرون» والمتهم بتنفيذ عمليات إرهابية منها مجزرة بانياس عام 2013، والإعدامات التى نفذها فى منطقة البيضا.

لكن خيبة من نوع مختلف كانت قد أصابت بوتين عشية عقد المؤتمر، بعدما تأكد أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وحتى الأمم المتحدة لن تشارك فى سوتشى، الذى أراد أن يحوله منصة دولية تعطى موسكو دورا محوريا فى سوريا، يرسخ نفوذها المتصاعد فى المنطقة؛ ولهذا قرر ألا يحضر شخصيا المؤتمر وكلف سيرجى لافروف تمثيله، وعلى هذا كان من اللافت أن دى ميستورا كان يجلس فى قاعة جانبية عند بدء الجلسات!

طبعا، ليس من الواضح كيف تصورت موسكو أنه وسط هذه التعقيدات يمكن إنجاح مؤتمر فضفاض يحضره 1511 شخصا، منهم 107 من المعارضة الخارجية، والباقون من مؤيدى النظام، يقوم بمعالجة مشكلة متداخلة دموية معقدة وطويلة، تنسحب عليها وفوقها حسابات وتقاطعات إقليمية ودولية، وتتداخل فيها رهانات متناقضة وحتى متصارعة ضمنا، على ما يحصل مثلا بين موسكو وطهران، وبين طهران وأنقرة، وبين هذه العواصم الثلاث التى قيل إنها «ضامنة» وقف النار التى لم تتوقف!

وهكذا، عندما صعد لافروف إلى المنصة ليلقى خطابا نيابة عن بوتين دبت الفوضى وغرقت القاعة فى هرج ومرج، عندما وقف بين الحضور عدد يصرخون متهمين موسكو بقصف السوريين وقتلهم، ووقف آخرون يشيدون بالتدخل الروسى، ووسط ضحكات لافروف الصفراوية قالت الوكالات إن أحدهم وقف صارخا: «هذه سوق الحميدية وليست مؤتمرا يحل الأزمة السورية!».

كل ما أنتجته سوتشى هو الحديث عن تشكيل لجنة دستورية ليس من الواضح أين تبدأ وأين تنتهى مهماتها كما قلنا، بدليل أن مؤيدى النظام يعتبرون أن الأمر يقف عند حدود المناقشة دون التطرق إلى التعديل أو الإصلاح؛ ولهذا يبدو دى ميستورا أمام مهمة مقفلة سلفا بعدما دعاه البيان الختامى إلى المساعدة فى إنجاز أعمال هذه اللجنة فى جنيف!

لكن العودة إلى جنيف لن تكون وفق دفتر شروط سوتشى، وخصوصا بعدما تعمدت واشنطن وبريطانيا وفرنسا عدم الحضور، وبعدما أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان يوم الثلاثاء، فى وقت متزامن مع بداية مؤتمر سوتشى أن «حل الأزمة السورية هو من خلال حلٍ ترعاه الأمم المتحدة فى جنيف، وأن فرنسا تنظر إلى هذا بصفته هدفا ضروريا ومباشرا، والحل لا يأتى من سوتشى، بل يجب أن يأتى من الأمم المتحدة!».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل