المحتوى الرئيسى

للتذكير فقط.. عفرين سوريّة

01/21 09:32

المراقب لما يجري في سوريا "اللاعبون على الأرض منهم وكذلك الأطراف الخارجية" باتت لديهم القناعة الكاملة بأنّ كلّ القوى المتصارعة يمكن مناقشتها حول مساعي السلام أو المصالحة باستثناء التنظيمات المتطرفة "داعش والنصرة"، لذلك لا يمكن أنْ يَصف أحدٌ الأكراد "قوات سوريا الديموقراطية "على مقاس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّهم الوجه الآخر لداعش، هذا الكلام فيه من الإجحاف الكثير. 

نعم ثمّة أخطاء وتجاوزات لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرتها لا تُطاق ولا تُحتمل، والقوات هذه مطالبة اليوم وغدا بتوضيح تصرفاتها التي لا تتناسب وطبيعة الأرض الموجودة فيها، والتي في معظمها مناطق عربية المسكن والمنشأ، وما مدينة تل رفعت شمال حلب والرقة وما يجري فيهما إلّا مثال على السلوك الخاطئ لهذه القوات.

نقاط خلاف واختلاف ليست بالقليلة مع المنهج الذي تسير وفقه عناصر هذه القوات ولكن لم يصل الأمر فيها إلى ذهنية التنظيمات المتطرفة التي تحكم بلبوس الدين وقطع الرأس، أوّل الأحكام التي تبدأ بها هذه التنظيمات المتطرفة تجاه من تصفهم بالمذنبين .

لا شئ مستغرب عندما تقول تركيا بأنّ ثمّة ما يهدّد أمنها في الشّمال السّوري، وتشير بذلك إلى الفصائل الكردية الموجودة على طول الخط متمثلة بقوات سورية الديقراطية التي توافقنا معها أو اختلفنا بالنتيجة في معظم مكوّناتها سوريّة.

إن أنقرة لطالما رأت في الأكراد باستثناء القليل منهم تهديدا لأمنها واستقرارها خاصة حزب العمال الكرستاني الذي ينشط في الشمال التركي، وتقول تركيا إنّ قوات صالح مسلم في عفرين هي الفرع السّوري له.

ليس جديدا اتهام تركيا للأكراد ولم يكن مفاجئا تحركها العسكري، المدهش حجم التأييد الكبير من بعض الفصائل المعارضة للهجوم التركي المزمع البدء به على هذه القطعة من الأرض وكأن البلاد بات ينقصها المزيد من الاحتراب .

لماذا يعتقد هؤلاء المعارضون بأنّ تركيا أقرب لهم من أبناء بلدهم الكرد منهم والعرب، ما الذي يدفعهم لتأييد تدخل عسكري مصلحي قد يذهب بأرواح آلاف الموجودين في هذه المدينة السّورية، إلى هذا الحد وصل العداء بين المكوّنات السورية؟

ألم يسأل المؤيّدون للحشد التركي تجاه عفرين لماذا يتحاور المسؤولون الأتراك مع عناصر "أبو محمّد الجولاني في إدلب" الذين يهددون أمن العالم لا تركيا فحسب، وفي ذات الوقت تتحرك آلتهم العسكرية إلى الداخل السّوري؟!

ما سألنا عنه لا يعني الدفاع عن قوات سوريا الديمقراطية على الإطلاق، بل الغاية منه تجنيب سوريا مزيدا من الدماء، بات الناس يبحثون عن طوق نجاة وأمل العيش بخيمة لا في مسكن ذي جدران، هذا ما وصلت إليه حالنا كسوريين، ولم ولن تكترث لتركيا ولا غيرها، لذلك تجدها مصرّة على خطوتها التي تصيب آثارها السلبية السوريين بشكل مباشر دون حساب منعكساتها الملخصة بالنقاط الأربع التالية:

النقطة الأولى تكمن في تجاهل أنقرة ردة فعل الأكراد في الداخل، وهنا نستذكر المشهد في عين العرب "كوباني" عندما كان تنظيم داعش المتطرف يستميت للسيطرة على المدينة، إذ تظاهر الأكراد الأتراك في ديار بكر وأنقرة منددين بموقف حكومتهم تجاه ما وصفوه حينذاك تغافلها عن تحركات العناصر المتطرفة التي كانت تحشد على مرأى القوات التركية القريبة من دون أن تحرك الأخيرة أي ساكن .

أما النقطة الثانية فهي موقف دمشق تجاه أنقرة، لعّلها المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول سياسي بلهجة عسكرية، ونشير هنا إلى ما قاله نائب وزير الخارجية السّوري فيصل المقداد بأن الدفاعات السّورية ستتصدى لأي هجوم تركي على مدينة عفرين، ما كانت دمشق لتصرح بهذه القوة لولا وجود دعم لموقفها من قبل الحليف الروسي الذي على ما يبدو ثمة خلاف بينه وبين الأتراك فيما يخصّ التحركات العسكرية الأخيرة للجيش التركي، الذي كان من المفترض تركيزه على منطقة إدلب وتحديدا عناصر هيئة تحرير الشام النصرة سابقا، لكنّه تجاوز ذلك بكثير ووصل تحت غطاء هذه العناصر المتطرفة إلى منطقة دارة عزة غرب حلب ليصبح على مسافة قريبة جدا من مدينة عفرين.

لا شكّ في أنّ تصعيد دمشق هذا سيدفع أنقرة للقبول بدخول قوات الجيش السوري المدينة بديلا لقوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما يعتبر نصرا يضاف إلى سلسلة الإنجازات العسكرية للحكومة على الأرض.

و تتعلق النقطة الثالثة بالخشية الدّولية من اندلاع حرب كردية عربية، خصوصا عقب تصريح الرئيس التركي الذي كشف عن مساندة قوى المعارضة السورية له في عمليته المرتقبة، وهذا أخطر ما في الموضوع، لأنّ ذلك يعني بالضرورة حربا جديدة تندلع شرارتها على أرض منهكة من صوت الرصاص، ما يعيق أكثر جهود السلام التي تعتزم المنظمة الدولية والراعيان الرئيسيان الولايات المتحدة وروسيا القيام به أو المبادرة بطرحه.

النقطة الرابعة والأخيرة، تتجلى في عدم مقدرة الجانب التركي على كسب الحشد الدّولي لخطوته العسكرية هذه، لذلك فهو يتحسب لردّات الفعل الدّولية التي تنظر ليس فقط للتركي فحسب بل لجميع القوات التي عبرت الحدود السّورية بما فيها الأمريكية على أنّها قوات تنتهك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، لأنّ الأخيرة حتى هذه اللحظة لم تغير وجهة نظرها تجاه دمشق رغم التحفظات الكبيرة والكثيرة على ما يحدث في سوريا .

ما استعرضناه لا يعني بالضروة أخذه بعين الاعتبار من القيادة التركية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية، فحكومة أردوغان تُوصف في كثير من الأحيان بالمزاجية وانعدام الاحترافية فيما يخصّ الملفات التي تراها  أمنية وتهدد كيان الدولة التركية، وهذا ما يقودنا للتحذير مما لا تحمد عقباه نتيجة ما تنوي تركيا القيام به ولتذكير الجميع في الوقت ذاته بأنّ عفرين سورية لا تركية ولا كردية ولا عربية، وعلى المعارضة المعتدلة يقع العاتق الأكبر في التحرك السريع لوقف أو عدم المشاركة على الأقل في حرب تركية على أرض سورية سيدفع ثمنها المدنيون لا غيرهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل