المحتوى الرئيسى

من يرث النظام الإقليمي

01/17 23:26

ذات يوم من أيام شهر نوفمبر من العام الماضى بعث زميل من اسطنبول بصورة مأخوذة للتو فى أعقاب لقاء جمع ثلاثة رؤساء. أدرك أن هذا اللقاء ربما كانت له أهمية عندى وكان إدراكه فى محله. الصورة التى وصلتنى كانت فى حد ذاتها إشارة صريحة وواضحة إلى أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه قبل نشوب ثورات الربيع العربى. ظهر فى الصورة رجب طيب أردوغان رئيس تركيا والسيد حسن روحانى رئيس إيران وفلاديمير بوتين رئيس الاتحاد الروسى. ثلاثة ما كان يمكن أن يجتمعوا قبل عشر سنوات ليتشاوروا ويقرروا فى شأن مستقبل الإقليم.

لم يكن خافيا أن بعض المحللين فى المنطقة كانوا فى انتظار لقاء على هذا المستوى بين قادة هذه الأقطار الثلاثة إذا استمرت مهمة السنيور دى ميستورا مبعوث الأمم المتحدة لا تبارح مكانها، وإذا استمر الرأى العام العالمى منكرا مسئوليته عن الكارثة السورية، وإذا اكتمل انسحاب العرب من الساحة بعد أن فعلوا فعلتهم النكراء ضد سوريا شعبا ودولة وحكومة، وإذا نفذت الإدارة الانتقالية فى واشنطن وعدا ثم التزام الرئيس باراك أوباما الخروج من معظم سوريا فى أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة، وإذا استمرت الصين تتقدم بخطى حثيثة نحو تنفيذ مشروعى طريق الحرير والحزام والاقتراب من الشرق الأوسط لذاته وباعتباره الموقع المركزى فى رحلة أى قوة آسيوية تسعى للوصول إلى أسواق وموانئ وشبكة النقل الأوروبية.

عبرت صورة القمة الثلاثية تعبيرا جيدا عن أمور كثيرة، أكثرها تنبأ باحتمال وقوعه معلقون ومتابعون عديدون لتطورات قضايا الشرق الأوسط. عبرت الصورة وبصدق عن حكاية، أو قل مأساة فشل عنيد ومتكرر يندر أن يشهد مثلها إقليم فى العالم. فشلت حكومة دمشق فى فهم ثورة الربيع السورى وتعاملت معها بأقل درجة ممكنة من المرونة والحنكة بل والحكمة. فشلت فوقعت هى والدولة والشعب فيما وقع فيه غيرها ممن فشلوا فى مواقع عربية عديدة. فشل كذلك نظام إقليمى أخطأ فأسلم قياده لدول عربية تكره التغيير سواء اتخذ هذا التغيير سمة الثورة أو التطور التدريجى. تدخلت هذه الدول تحت إلحاح رغبة أو شهوة عميقة للانتقام من شخص أو نظام. تدخلت مستخدمة قوى ظلامية تحت عنوان الدفاع عن ثورة تكرهها فى سوريا. فشلت أيضا الولايات المتحدة الأمريكية. راحت تستعجل التوصل إلى اتفاق مع إيران لتخلص بنفسها وبموازنة دفاع مستمرة فى التناقص وبمبدأ تأخر تنفيذه يقضى بتحويل الاهتمام الاستراتيجى الأمريكى إلى شرق آسيا. قررت فيما يبدو أنها لم تنجز شيئا ذا قيمة فى المنطقة العربية على امتداد سنوات، وإن المنطقة بنزاعاتها العنيدة وأوضاعها السياسية المناهضة للتحضر والديموقراطية وتداول السلطة، لم تعد تستحق الاهتمام باهظ التكلفة بها. فشلت أيضا الدول العربية مجتمعة ومتفرقة فى حل قضية فلسطين حلا مرضيا لإسرائيل وأمريكا ودول الغرب عموما. وفى الوقت نفسه فشلت فى حل القضية حلا مرضيا للفلسطينيين والرأى العام العربى. بمعنى آخر عجزت عن الفعل. والعاجز عن الفعل فى عالم الأزمات خطر على نفسه وعلى حلفائه ولا بد لمن بيده القول والفعل استبداله بغيره من الفاعلين عند أقرب فرصة ممكنة أو تجاوزه كلية إن أمكن. أظن أننا نعيش هذه الأيام مرحلة وقف كثير من اللاعبين العرب غير الفاعلين واستبدالهم بلاعبين فاعلين حتى وإن كانوا غير عرب.

لسنا فى حاجة إلى تفسير اللقاء الثلاثى الذى جمع رؤساء إيران وتركيا وروسيا بأوسع أو بأضيق مما يستحق. هذا اللقاء، فى حده الأدنى، تحالف وقتى ومرن ولقضية أو قضايا محددة. وهو، فى حده الأقصى، بيان تاريخى يعلن سقوط العهد العربى المعتمد على الهيمنة الغربية. انسحبت أو فشلت أو سقطت الهيمنة الغربية فتدهور حتى سقط هذا العهد العربى. على أطلاله يستعد للحلول محله عهد آخر غير عربى، عهد متعدد الأعراق واللغات والمذاهب ومعتمدا على دولة عظمى غير غربية. لاحظنا ونلاحظ كيف أن كل الأطراف فى عجلة. أطراف العهد العربى يستعجلون بناء تحالفات مع دول أوروبية جميعها بدون استثناء غير مستعدة لاتخاذ إجراء يمكن أن يبتعث حربا باردة أخرى مع روسيا. إسرائيل تتصرف تصرفات الدولة الواثقة كل الثقة من أنها على بعد برهة لا أكثر من لحظة إعلان الانتصار التاريخى على العرب. هذا بالضبط ما يردده الآن ضباط كبار فى الجيش الإسرائيلى وقادة سياسيون فى حزب الليكود وكبار صانعى القرار الصهيونى الأمريكى وبعض القادة ــ المحافظين الجدد. لا أحد حتى الآن يستطيع التكهن بموعد وشكل ومضمون إعلان النصر اليهودى النهائى ولا بردود فعل القادة العرب عليه. أتصور أن قادة إسرائيل لن يراعوا ساعتها حساسيات زعماء عرب أو غير عرب، فالنصر الإسرائيلى الجديد لا يخضع لاعتبارات الحروب العادية التى تنشب بين بشر عاديين، النصر الجديد نصر نهائى يتجاوز الزمن الراهن إلى أزمنة الكتب المقدسة.

أتوقع أن تكون الأيام والأسابيع القادمة حيوية بالنسبة للتحالف الوقتى والمرن الذى اتفق على إقامته القادة الثلاثة بوتين وأردوغان وروحانى. أخص بالذكر إثبات قدرة هؤلاء القادة على تطويره وتمكينه ليصبح حلفا أقل مرونة وأكثر طموحا. أعرف أن القادة الثلاثة يحوزون على درجة عالية من البراجماتية. هذه الدرجة العالية تسمح لهم وللحلف الذى شكلوه بابتكار صيغة تعامل مع الدولة الإسرائيلية قبل إعلان النصر النهائى وبعده. أكاد أجزم بأن ما يمكن أن يشغل هؤلاء القادة فى المستقبل لن يبتعد كثيرا عن التنسيق فيما بينهم وبينهم وبين إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا فى مسائل تتعلق بأنشطة القواعد العسكرية العديدة التى أقيمت وانتشرت فى البحر الأحمر والأبيض وإقليم الخليج. أظن أيضا أنه سوف يشغلهم رسم الحدود الفاصلة بين مناطق نفوذهم وسيطرتهم فى الإقليم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل