المحتوى الرئيسى

العلاقات بين مصر والسودان.. إلى أين؟ | المصري اليوم

01/17 05:41

تتسم العلاقات بين مصر والسودان بتعدد الروافد، وعلى النحو الذى توصف معه بأنها علاقات فريدة، وتتسم بالخصوصية، إذ تتأسس على ثوابت الجغرافيا ووقائع التاريخ والروابط الثقافية والوشائج الاجتماعية، فضلا عن رابطة نهر النيل الذى يمثل شريانا تاجيا لأبناء وادى النيل، وتتجسد تلك الروافد فى مقولة شعب واحد فى دولتين، كل منهما عمق استراتيجى للآخر.

ولعل ما قد يجعل من تلك الروافد كتلة صلبة لا تنال منها الأزمات أو المواقف والسياسات غير المواتية ما يحظى به الموقع والموضع الاستراتيجى للبلدين فى القارة الأفريقية، فى اتصال بالمنطقة العربية، حيث يدفعان وبقوة حال توافر الإرادة السياسية الصادقة نحو آفاق رحبة للتكامل الاقتصادى الإيجابى والبناء لما فيه المصالح المشتركة للبلدين، وذلك بما يمتلكانه من موارد بشرية وطبيعية ضخمة كما ونوعا.

واقع الأمر، وعلى الرغم مما تقدم، فلعله من طبيعة الأمور ألا يخلو الأمر من رواسب تاريخية محدودة تجاوزها الزمن، وتضاءل تأثيرها بل قد ينعدم بتأثير قوة وفاعلية الروافد المشار إليها، ولكن للأسف يسعى البعض إلى إيقاظها وتضخيمها، بل ربما استغلالها، لاتخاذ مواقف وسياسات سالبة لأغراض تتعارض ومصالح الشعبين والبلدين، وهو ما نلحظة، ويمكن رصده على مدى بضعة عقود.

لقد جاء انقلاب، عام 1979، فى السودان بقيادة الرئيس عمر البشيرـ وهو ما سمى بعد ذلك بثورة الإنقاذـ ليتبنى توجها سياسيا إسلاميا فى إطار الحركة الإسلامية الإقليمية الدولية، واقترن ذلك بنزعة ذاتية ذات منحى استقلالى عن الدولة الشقيقة مصر، تحت مظنة أن تلك النزعة تحقق شعبية للنظام الوليد، وتثبت أركانه.

ولقد تجسد ذلك فى سلسلة من الممارسات والإجراءات العدائية تجاه مصر، بدءا بمصادرة الممتلكات المصرية والاستيلاء عليها، وتحويل الجامعات المصرية فى الخرطوم إلى جامعات سودانية، وإقامة علاقات مع التنظيمات الإسلامية فى مصر، وخاصة الإخوان المسلمين والتى وصلت إلى حد تدبير السودان ومشاركته فى محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 1995 فى أديس أبابا.

وقد كان هذا التوجه الإسلامى ومحاولة فرضه بالقوة على جنوب السودان أحد الأسباب الرئيسية لانفصال جنوب السودان بدعم غربى قوى، رغم أن القيادات السياسية الجنوبية كانت تتبنى- فكرياـ توجها وحدويا، شريطة أن يكون علمانيا، وهو الأمر الذى أفقد فى الاستفتاء على تقرير المصير خيار الوحدة أى جاذبية أمام خيار الانفصال.

من ناحية أخرى، اتسق هذا التوجه الإسلامى مع التوجه الذى تتبناه كل من قطر وتركيا وإيران، وهو محور سيئ السمعه دوليا من حيث الإرهاب، والتحق به السودان ضمنياـ لم يزل يواجه مشكلة إدراجه على قائمة الدول الراعية للإرهاب- ودول المثلث تشكل محورا مناوئا لكل من مصر ودول بالخليج، وهو محور يتخذ من القواعد العسكرية والاستثمارات والدعم الاقتصادى منهجا لتعزيز تواجده ونفوذه، بما لديه من إمكانات مادية مؤثرة إقليميا ودولياـ قطرـ وعسكرية متقدمةـ إيران وتركياـ بجانب الإمكانات الاقتصادية للأخيرة.

على خلفية ما تقدم وفى إطاره يجىء دور السودان، فإذا كانت الدول الثلاث تسعى إلى النيل من مصر وتحجيم دورها ونفوذها، بل ربما إضعافها وتفتيتها بالتقسيم، فتلك الأهداف تتسق مع رؤية السودان المشار إليها، ونضيف أن العمليات الإرهابية التى تشهدها مصر مدعومة على الأرجح من جانب دول المحور المشار إليه، مع التذكير بأن السودان يؤوى عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين على أراضيه، بل هناك ما يفيد أن به مراكز للتدريب.

من ناحية ثالثة، تسعى دول المحور الثلاث- ومن بينها دولتان ليستا من المنطقة العربية، والثلاتة ليست من الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، وخارج منطقته- وبتعاون مع السودان تسعى للولوج إلى منطقة البحر الأحمر ذى الأهمية الاستراتيجية للأمن القومى المصرى والأمن القومى العربى، فتتواجد إيران عسكريا فى البحر الأحمر عبر اليمن، ولو من خلال الحوثيين بجانب تنظيم القاعدة، وتتواجد تركيا بقاعدة عسكرية فى الصومال على مدخل البحر الأحمر، ومؤخرا ستتواجد فى البحر الأحمر أيضا عبر السودان بتقدير يرجح بقوة من واقع نتائج زيارة أردوغان للسودان مؤخرا إقامة قاعدة عسكرية فى جزيرة سواكن، والتصريح حول اتفاق سرى لم يعلن عنه. هذا فضلا عن سعى دول المحور فى اتساق مع دور للسودان فى التغلغل والتسلل لدول أفريقية ذات مواقف وسياسات سالبة تجاه مصر، ومن أبرزها إثيوبيا، إذ تجدر الإشارة هنا إلى اجتماع رؤساء أركان القوات المسلحة للسودان وقطر وتركيا فى الخرطوم إبان زيارة أردوغان للعاصمة السودانية، وكذا اجتماع رئيسى أركان كل من السودان وإثيوبيا مؤخرا بعاصمة الأخيرة، فى اتصال بزيارة الرئيس التركى للسودان. هذا مع العلم بوجود اتفاق للتعاون العسكرى بين الخرطوم وأديس أبابا، تم توقيعه بين رئيسى البلدين فى العام الماضى.

وقد صرح البشير فى أعقابه بأن أى اعتداء على إثيوبيا بمثابة اعتداء على السودان، مثلما تضمن اتفاقا بشأن الحدود بين البلدين، اعترافا من إثيوبيا بأن مثلث حلايب سودانى.

على ضوء مجمل ما تقدم شهدت العلاقات المصرية السودانية حالة شبه مزمنة من التوتر، وظلت تراوح مكانها فى هذا الإطار عبر العقود الثلاثة الماضية، بل تصاعدت حالة التوتر مع دأب السودان على إثارة، وربما افتعال العديد من القضايا والمشاكل التى يمكن أن نجد تفسيرا لها فى إطار التوجهات الإسلامية والنزعة الذاتية، وفى ارتباط النظام القائم فى الخرطوم بالمحور الثلاثى المشار إليه، حيث التمحور حول المصالح الذاتية للسودان دون مراعاة للمصالح المشتركة التى تتأسس على الروافد المتعددة المشار إليها، تلك المصالح التى تشكل أساسا لعلاقات صحية بين شعبى وادى النيل.

ويمكن حصر تلك القضايا والمشاكل فى مجموعتين من القضايا:

الأولى جوهرية، وتبدأ بقضية سد النهضة التى تبنى فيها السودان موقف إثيوبيا بشكل يصل إلى حدٍ وصفه البعض بالتواطؤ، حيث لا يراعى الحقوق المائية التاريخية لمصر أو القوانين الدولية المعنية بالأنهار أو الاتفاقات الموقعة بين دول النهر، أو التجارب الناجحة لدول متشاطئة على نهر، أو حتى الأضرار التى ستصيب الاقتصاد المصرى.

وتليها قضية حلايب وشلاتين، وهى قضية محسومة أصلا، ولا تستوجب أن تكون محل نزاع لإجراء حوار أو التوجه للتحكيم الدولى، ويدرك الطرف السودانى ذلك، إذ إنه يعى تماما لو طبق قواعد القانون الدولى بشأن الحدود والاتفاقات الموقعة بصددها وبشكل سليم لتأكد أن دعواه بسودانية مثلث حلايب تفتقر لأى أساس.

ثم تجىء قضية تسليم سواكن لتركيا، وهى قضية تمس الأمن القومى المصرى، والعربى فى منطقة البحر الأحمر.

والتساؤل يدور حول الغرض الرئيسى من هذا التسليم، ومن المستهدف من إقامة قاعدة عسكرية فى هذه الجزيرة، وفى هذا التوقيت، خاصة اذا أخذنا فى الاعتبار توجهات المحور الثلاثى بالتعاون مع السودان، وأحاديث الأخير عن مثلث حلايب، الذى اقترن بتصريحات ذات طابع عسكرى من جانب البشير وقادة عسكريين سودانيين بصدده.

والثانية مفتعلة، ومن أبرزها الادعاء بدعم مصر للمعارضة السودانية، ولحركات التمرد، ودعم جنوب السودان ضد السودان، تخلى مصر عن دعم السودان فى محافل دولية بشأن حقوق الإنسان، امتناع مصر عن دعم طلب السودان رفع العقوبات عنه، الادعاء بإبعاد السودان عن الحوار مع إثيوبيا فى قضية سد النهضة، حملات إعلامية يبدؤها الجانب السودانى، ويرد عليها الجانب المصرى، تقييد التأشيرات للمصريين، حظر استيراد سلع مصرية تحت دعاوى غير صحيحة، وقد ثبت فى كل هذه القضايا أنها جاءت مفتعلة من الجانب السودانى وأن مصر فى جميع تلك القضايا وكذا فى القضايا الحيوية كانت ولم تزل حريصة على التهدئة وعدم التصعيد وانتهاج سياسة الاحتواء.

على ضوء مجمل ما تقدم، فالنهج السودانى فى تعامله مع مصر يتسم بالعدائية ويدير ويخلق أزمات، من منطلق توجهاته السياسية وارتباطاته الإقليمية والدولية التى لا تتسق مع نظيرتها المصرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل