المحتوى الرئيسى

مرة ثالثة.. بل هناك حاجة إلى وجود ظهير سياسى | المصري اليوم

01/16 00:03

أصبحت الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وهذا يطرح السؤال القديم الذى لم يكن التفاعل معه بالإيجاب من الرئيس أو دائرته المحيطة عندما طرحته للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات. والسؤال هو: هل يظل الدعم الشعبى صالحاً لأن يكون بديلا عن وجود تنظيم سياسى قوى ينظم حركة هذا الدعم ويترجمه فى صورة أدوات سياسية متعارف عليها؟. التجاوب السلبى مع هذا الطرح وقتها وحتى الآن هو الذى أوصلنا الْيَوْمَ إلى تلك الحالة التى يبدو فيها غياب أدوات تواصل حقيقية وفعالة مع الجماهير، بالإضافة بالتأكيد إلى عوامل أخرى، ليس هذا وقت الحديث عنها. لذلك أعتقد أن الحاجة باتت ملحة للحديث مرة أخرى عن أهمية وجود ظهير سياسى وليس الاكتفاء بالدعم الشعبى.

كشف الإقبال الكبير على شراء شهادات استثمار قناة السويس، وجمع 61 مليار جنيه فى ثمانية أيام، مدى الشعبية التى يتمتع بها السيسى فى الشارع المصرى، حيث لبى آلاف المصريين دعوته لتمويل قناة السويس بشهادات الاستثمار، وفعلوا ما توقع البعض أن يفعلوه فى شهور فى ثمانية أيام فقط.

تأييد المصريين للسيسى ظهر فى مواقف متفرقة، بداية من نزولهم تلبية لدعوته لتفويضه لدحض الإرهاب عقب ثورة 30 يونيو، وتكرر ذلك فيما بعد فى الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، فإن هذا الأمر ظهر بتأييد «مالى» إذا جاز التعبير عندما قرروا دفع ما يملكونه لشراء شهادات الاستثمار فى مشروع قناة السويس، لأنهم اعتبروه وقتها مشروعهم القومى. وبدا هذا واضحاً عندما تقبل الناس، ومازالوا يتقبلون الإجراءات الاقتصادية الصعبة لاقتناعهم بصدق نية وسعى الرئيس، والحقيقة أنه لم يبالِ أيضاً، أى الرئيس، بكل ما حذره منه البعض من هذه الإجراءات بأنها تتسبب فى تآكل شعبيته، لأنه ببساطة مقتنع بأن ما يفعله هو لصالح الوطن والمواطن على المدى الطويل.

كل هذا، وكل ذلك التأييد يكشف عن وجود ظهير شعبى حقيقى لشخص الرئيس فى الشارع المصرى، يصدقه، ويقف معه ضد أعداء الدولة الذين لا يكفون عن التخريب وقتل أبنائنا فى سيناء وغيرها من ربوع الوطن، لكن السؤال هنا: هل هذا الظهير الشعبى يغنى عن وجود ظهير سياسى؟.

الإجابة: وسنستعين هنا ببعض من المنطق الذى سبق أن تبنته المرحلة الحالية من أن إعادة بناء الدولة المصرية بنظامها الجديد تحتاج أن تكون قوية فكريا وكدولة، لتستطيع فصل الدين عن العمل السياسى والمحافظة فى نفس الوقت على قدسية المعتقدات. لكن السؤال المهم هنا هو: هل يمكن أن تصبح الدولة قوية بعدم وجود ظهير سياسى للمؤسسة أو للشخص الذى يحكم مصر؟، الإجابة هنا مرتبطة بتكوين المجتمع والشعب المصرى على مدار آلاف السنين، نحن المصريين نشأنا على ضفاف نهر، احتاج المجتمع المصرى الأول منذ نشأته إلى وجود قوة تقوم على تقسيم مياه النهر ومن هنا كانت البدايات الأولى للسلطة التى نشأت بطبعها مركزية قوية. كثيرة هنا التفاصيل فى تطور نشأة السلطة المركزية فى مصر وتطورها، ولكن ما أريد أن أخلص إليه فى هذه النقطة تحديدا أن قوة السلطة المركزية هى عنصر حاسم فى استقرار مصر، وتاريخيا كانت فترات الوهن الشديد للمجتمع المصرى مرتبطة بضعف السلطة المركزية فيها. ومن المناسب هنا الإشارة إلى أن الحديث عن لا مركزية السلطة سيظل محدود الأثر وفى إطار المناقشات حتى تتغير خريطة مصر سكانيا وإنتاجيا لينتشر المصريون بعيدا عن نهرهم، وهذا فعل يحتاج إلى أجيال.

بناء عليه، فإن القوة السياسية الحاكمة فى مصر على مر التاريخ اكتسبت قوتها باعتبارها القطب الجاذب سياسيا وثقافيا واقتصاديا، والعلاقة بين الشعب وهذه القوة السياسية الحاكمة ظلت مزيجا من التنافر والارتباط فى ذات الوقت، وأيضاً شكلا من أشكال المنفعة المشتركة. لتوضيح ذلك فإن القوة الحاكمة- أيا ما كانت- كانت تبحث وترتبط بأصحاب النفوذ من العائلات والأشخاص فى أنحاء مصر ليمثلوا القوة الداعمة فى أماكنهم وعائلاتهم وقبائلهم، على الطرف الآخر ظلت هذه القيادات الطبيعية فى مواقعها عائليا وجغرافيا تبحث عن الارتباط بالقوة الحاكمة- أى السلطة- لتدعيم وضعها والاستفادة من هذه العلاقة. إذ هى علاقة ارتباط يحكمها الدعم المتبادل والمصالح المشتركة.

هذا لن يتحقق إلا بوجود ظهير سياسى للنظام يؤمن بهذه الأفكار ويوصلها للناس، فرغم أن للرئيس وللنظام ظهيرا شعبيا، فإنه يجب أن يكون هناك ظهير أو كيان سياسى له يعبر عن رغبة المصريين ورؤية النظام الجديد، أولا للحفاظ على الظهير الشعبى وزيادة الارتباط به، وأن يكون قادرا على العمل كفريق واحد من أجل تحقيق أهداف المصريين. عندما تجاهلنا هذه الحقيقة منذ سنوات أتت الانتخابات البرلمانية، وكانت النتيجة برلمانا غير واضح الهوية. وفِى هذا مخاطر أن يتحول البرلمان إلى مصدر إعاقة، خاصة مع الصلاحيات الكبيرة للبرلمان فى مقابل صلاحيات الرئيس.

الظهير السياسى ليس رفاهية سياسية، وليس مدخلا للفساد السياسى، المهم هو كيفية إدارة هذا الظهير، وما الذى سيقدمه هذا الظهير للدولة، وللمشروع النهضوى الذى يتبناه السيسى ويعمل عليه، ومن ثم سيكون الظهير الشعبى والظهير السياسى جناحى المشروع حتى يتمكن من القفز على كل العثرات، والدفع بالمشروعات التنموية والدولة إلى الأمام. المهم أيضاً أن وجود هذا الظهير سيكون بمثابة عامل مشجع على استعادة بعض الحياة فى جسد الممارسة السياسية فى مصر حزبيا ومؤسساتها متعددة الأشكال والتى تعانى من ضعف مميت.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل