المحتوى الرئيسى

شهادة عائلية على مرض عبدالناصر

01/14 21:26

طلب منه الأطباء التوقف عن التدخين والعلاج بحمامات المياه المعدنية بموسكو

تعرض لنوبة قلبية فأخبر زوجته تحية أنه أصيب بإنفلونزا وأوصى الأطباء ألا يخبروها

اجتهد أطباء عبدالناصر فى كتابة مذكراتهم عن التاريخ الصحى أو المرضى للرئيس، لكن عندما تتحدث تحية، فإن لكلامها عن مرض عبدالناصر مذاقًا ومعنى آخر، فى صفحات مذكراتها تفاصيل كثيرة عن مرض عبدالناصر والأزمات الصحية التى تعرض لها.

كانت أول أزمة فى عام ١٩٥٨، أى بعد ست سنوات من الثورة، تقول تحية: «الوقت خريف سنة ١٩٥٦، بعد رجوعنا من الإسكندرية، مرض الرئيس بالسكر وأخبرنى بمرضه فحزنت جدًا، وكنت أنزل الحديقة بمفردى وأبكى، وانقطعت عن أكل الحلوى لوقت طويل من شدة حزنى، وكنت لا أقدم الأصناف التى لا توافق العلاج، فكان يطلبها ولا يأكل منها، وكان يقول لى: الحمد لله أن مرض السكر أخف من أمراض أخرى كثيرة، ولحرصى الشديد على صحته كنت أقوم بطهى ما يأكله بنفسى فى أغلب الأيام».

ثم تكتب تحية عما حدث للرئيس بعد عشر سنوات، تحديدًا فى عام ١٩٦٨، حيث شعر الرئيس بألم فى ساقه استمر شهورًا، ولم تره يقلل من شغله أو يستريح أبدًا، قابل السفير محمد عوض القونى، فأخبره أنه كانت عنده نفس الأعراض فى ساقه، وذهب لبلد فى الاتحاد السوفيتى حيث توجد مياه معدنية تعالج هذه الحالة، وعمل حمامات لمدة ثلاثة أسابيع وشفى تمامًا بعد فترة، وكررها فى العام الذى تلاه وأصبح لا يشعر بتعب، وقد مضت عدة سنوات، وكان الرئيس فى زيارة إلى الاتحاد السوفيتى فى الصيف، وقبل عودته إلى القاهرة أجرى له فحص طبى هناك، وقال له الأطباء أن يبطل التدخين، وكانت آخر سيجارة أطفأها هناك.

قال له الأطباء أيضًا عن العلاج بالحمامات بالمياه المعدنية فرد: سأحضر للعلاج، وكان ترحيبًا بالغًا، وعاد إلى القاهرة، تقول تحية: «كان أول حديث لعبدالناصر معى أنه توقف عن التدخين قبل يومين، وحدثنى عن السفر للاتحاد السوفيتى للعلاج، وقال: سترافقينى إن شاء الله وسيرافقنا أولادنا خالد وعبدالحكيم وعبدالحميد، وفى آخر يوليو غادرنا القاهرة على طائرة سوفيتية خاصة بالرؤساء جاءت إلى القاهرة خصيصًا لنسافر عليها، وصلنا لجمهورية جورجيا فى مطار حربى، وكان فى استقبالنا رئيس الجمهورية وزوجته، ورافقونا لبلدة سخالطوبو التى توجد فيها المياه المعدنية والحمامات لعمل العلاج، وتبعد نصف ساعة بالعربية عن المطار، وهى بلد صغير به ثلاث أو أربع مصحات، ومنظم لإقامة المرضى ومرافقيهم من أهلهم فقط، وبه شارع كبير واسع حوله أشجار منسقة ومقاعد، وفى آخر الشارع توجد محلات أغلبها لبيع المرطبات والفاكهة، وكل شىء لخدمة المرضى والمرافقين لهم، ولا توجد مبانٍ للسكن ولا يذهب إليها إلا المواطنون الروس».

أخليت مصحة لإقامة عبدالناصر، وكان يزوره كبار الأطباء، وأقام معه طبيب ليتولى مباشرة العلاج، وكان الرئيس قد أبدى رغبته بأن تكون الزيارة للعلاج فقط ولا يقابل المسئولين.

كان الرئيس يخرج كل صباح إلى الحمام الذى يبعد عن المصحة بدقائق، ويرجع لتناول الإفطار مع العائلة، ويخرج فى المساء حسب تعليمات الأطباء ليمشى لوقت فى الشارع، ويرافقه الدكتور الصاوى حبيب والطبيب الروسى والسفير المصرى والسكرتير الخاص والضباط المرافقون، وكانت تحية تمشى مع حرم السفير الذى كان يقيم معهم فى المصحة.

رجع عبدالناصر بعد أن أمضى ٢٣ يومًا فى المصحة، وكان الأطباء الروس قد قالوا إن نتيجة العلاج سوف لا تظهر مباشرة، وسيستمر الألم فى الساق لأكثر من شهر ثم يزول بالتدريج، وشفى الرئيس وذهب عنه الألم الذى كان فى ساقه.

وتحكى تحية عن النوبة القلبية الأولى فى حياة عبدالناصر، تقول: «الوقت سنة ١٩٦٩ فى الصيف، بعد انتهاء امتحان خالد وحكيم، ذهبت إلى الإسكندرية إذ كان الرئيس يحب أن أكون مع الأولاد هناك، وكان يذكرنى أن أنبههم ألا يذهبوا بعيدًا فى البحر، وظل هو فى القاهرة فى منشية البكرى حتى شهر أغسطس، حضر إلى الإسكندرية وبقى بضعة أيام أمضاها كلها فى مقابلات وشغل، يجلس فى صالون يطل على البحر أو فى مكتبه وأمامه دوسيهات يعمل باستمرار، قال لى إنه سيسافر إن شاء الله للاتحاد السوفيتى ويقابل المسئولين فى موسكو، ثم يذهب لسخاطوبو لعمل العلاج بالحمامات هناك مرة أخرى، وكان الأطباء السوفيت نصحوه بأن يكرر العلاج بعد سنة، وقد تم بناء بيت جهز لإقامة الرئيس وقت العلاج، وقال لى: سترافقينى، وسيكون السفر فى شهر سبتمبر فى الأسبوع الأول إن شاء الله».

رجع الرئيس إلى القاهرة، وبقيت تحية فى الإسكندرية، وفى أول سبتمبر قامت ثورة ليبيا، وانشغل الرئيس بأخبارها وتأجل السفر للاتحاد السوفيتى، ولم تمض إلا أيام قليلة وحضر قادة الثورة فى زيارة للرئيس، فقال لها: إن السفر سيكون فى منتصف سبتمبر إن شاء الله.

بعد أيام شعر عبدالناصر بتعب وارتفاع فى درجة الحرارة، وأشار عليه الأطباء بالراحة فى السرير، وكانت النوبة القلبية، لم يخبرها وقال لها إن عنده إنفلونزا، وكان قد أوصى الأطباء ألا يخبروا تحية عن مرضه، وبعد أيام، وعندما كانت تحية تقابل ضيوفًا فى المساء فى الدور الأرضى، وبعد انتهاء الزيارة وجدت أدوات بجوار السلم فسألت: ما هذا؟ فقالوا لها إنها لعمل أسانسير، ففهمت وصعدت السلالم وهى تبكى.

قابلها الدكتور الخاص خارجًا، ووجدها تبكى، قالت له «إنى رأيت استعدادًا لعمل أسانسير، إن الرئيس به شىء فى قلبه»، نفى الدكتور وقال لها: إن أحد الأطباء المعالجين له مريض بالقلب، ولا يستطيع أن يصعد السلالم، وسيجهز الأسانسير من أجله.

تكمل تحية تفاصيل أحزانها تقول: «دخلت حجرتى وبكيت كثيرًا، لم أظهر أى شىء أمام الرئيس ولم أذكر الأسانسير، وبقيت كما أنا بجانبه».

وتجيب تحية عن كيف كان يقضى الرئيس أيام مرضه؟ تقول: «إنه كان يتحدث بالتليفون طوال اليوم فى توجيهات مع القوات المسلحة والوزراء وغيرهم، وقد لاحظ ذلك الدكتور الخاص الصاوى حبيب الذى كان يقضى وقتًا فى البيت، ويقوم بتحضير الدواء فى أوقاته وينتظر حتى تنتهى المكالمة، وكنت قد لا حظت المجهود الزائد الذى يقوم به الرئيس، رغم أنى لم أكن أعلم عن المرض فى الأيام الأولى، إذ كان يطلب وجبات تجهز على ترابيزة صغيرة فى الحجرة، وأجلس معه ونتناول الطعام سويًا، أى لم يكن يرقد فى السرير كما أعرف عن مرضى القلب، ويقوم للحمام ويحلق ذقنه كالعادة، وكل ما كان يفعله ألا يذهب للصالة حيث حجرة الطعام الملحقة بها، أى أنه لم يكن يستريح فى السرير كل الوقت، وأحيانًا كان يجلس على فوتيه موجود فى الحجرة فى مكانه للآن».

بعد مضى شهرين حكى لى الرئيس عن مرضه، وقال: إنه كان نوبة قلبية لكن حاجة بسيطة الحمد لله، فقالت له: إنى فهمت وكنت أعرف، وابتدأت أشعر بالدموع فخرجت من الحجرة بعد شفائه جاء شهر رمضان، وكان أول مرة يفطر فيه الرئيس ولم يصمه، يتناول وجبة خفيفة وقت الظهر ويتناول الإفطار مع العائلة وقت المغرب.

كانت علاقة تحية عبدالناصر بمرض زوجها عابرة إلى حد كبير، كانت تعرف عنه من آخرين، لم يكن يحدثها عن شىء ولا يخبرها بشىء.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل