المحتوى الرئيسى

كيف ربَّت تحية أولاد عبدالناصر؟

01/14 21:26

لم يكن عبدالناصر رجلًا متشددًا فى بيته، يمكن أن نعتبره محافظا ليس إلا، لم يكن يحب الاختلاط، وهو ما تكشفه تحية عبدالناصر عندما تقول: «عندما كان يحضر الضباط والأصدقاء ومعهم زوجاتهم لم أكن أجلس معهم، بل كان إذا حضر أحد ومعه زوجته يقابله جمال بمفرده، ويصافحه ثم يصطحب الزوجة إلى الصالة ويدخل لى فى الحجرة ويقول: توجد سيدة فى الصالة فلتسلمى عليها وتجلسى معها حتى تنتهى زيارة زوجها، وكنت غالبا لا أسلم على الضيف، إذ كان يخرج من باب الصالون وتخرج زوجته وينصرفان، فإذا أراد جمال أن أزورها يقول لى: اذهبى لزيارتها بمفردك، وطبعا إذا زارتنى السيدة مرة أخرى تزورنى بمفردها».

لم يتزوج جمال عبدالناصر من تحية كاظم إذن لتكون شريكته فى مشروعه الوطنى الكبير، ولا تقاسمه طموحه السياسى الذى كان باديا مبكرا جدا، ولكنه كان يريدها زوجة وأمًا للأولاد، ولأن هذه كانت المهمة الأكبر والأعظم والأهم فى حياة تحية، فقد أفاضت فيها فى مذكراتها، إذ نرى تفاصيل حملها وولادتها وتربيتها لأولادها.

كانت المولودة الأولى هى هدى، تقول تحية: «كنت فى آخر أيام الحمل، وعندما شعرت بأعراض الوضع، وكان الوقت ليلا، ذهبت مع جمال إلى مستشفى الدكتور المشهور الذى كان يباشرنى، وظل فى المستشفى دون أن يخبر أحدا من أخواتى حتى الثامنة صباحا».. كان ذلك فى يناير ١٩٤٦، وبعد أن هنأها قال لها: سأخبر شقيقتك بالتليفون، ثم أذهب إلى البيت لأنام.

وعن مولد منى الابنة الثانية تقول تحية: «زارنا ضابط وزوجته بعد تحديد ميعاد، فقابلتهما مع جمال فى الصالون، وكنت فى آخر أيام الحمل الثانى، وسألا عن الاسم الذى اخترناه إذا كان المولود ولدا إن شاء الله، فرد جمال: خالد.. وكان هذا الضابط هو ثروت عكاشة».

وفى ٢٥ ديسمبر ١٩٤٩ ولد خالد عبدالناصر، كانت تحية تذهب إلى الدكتور الذى اعتادت أن تذهب إليه ليباشرها، وفى الشهر الأخير أخبرها بأن الولادة ستكون إن شاء الله فى المستشفى الجديد الذى بناه، وأخبرها وقت الولادة بالتقريب، وقال: سأحجز لك حجرة لتكون خالية وقت مجيئك، وسأل: هل علمتم بالأسعار الجديدة؟ وأضاف أنها ارتفعت عن قبل بأكثر من الضعف، فسأله جمال: وهل هذا يسرى أيضا على القدماء؟، فرد الدكتور قائلا: المستشفى مبنى على أحدث تصميم ومجهز بكل وسائل الراحة، والخدمة يقوم بها ممرضات أجنبيات أحضرن خصيصا للمستشفى.

بعد أن خرجت تحية من عند طبيبها، قال لها جمال: لن أذهب لهذا الدكتور أبدا، ولتذهبى مع إحدى شقيقاتك إذا كنت تريدين الذهاب إليه، ولن أدخل مستشفاه أبدا، فقالت له: ولِمَ أذهب أنا عنده؟ اسأل لى عن دكتور آخر ليستكمل مباشرتى ويتم الوضع فى مستشفاه.

وتحكى تحية: «كنت أثناء شهور الحمل أتمنى أن يكون ولدا، وكنت فى شدة الاشتياق ليكون عندى ابن، وكنت دائما أذكر أمام جمال أنى أريد ولدا، فكان يرد علىّ بقوله: «إن الله ينظم ملكه كيف يشاء، هل تريدين تنظيم الكون؟ لا فرق بين ولد أو بنت»، فكنت أقول له: «لكنى هذه المرة أريد ولدا».

فى آخر أسبوع قبل الولادة كان عبدالناصر وتحية وابنتاهما هدى ومنى فى السيارة، فنظر لها جمال وقال: شوفى يا تحية قد إيه هدى ومنى وهما رابطين الفيونكات فى شعرهم شكلهم جميل، وإن شاء الله لما يبقوا تلات بنات بهذا الجمال والفيونكا سيكون أجمل، فقالت له: عايز بنت تالتة برضه؟ فرد قائلا: إن ما يريده الله هو ما فيه الخير.

وتكمل تحية قصتها مع خالد: «بعد أيام قليلة صحوت من النوم وكانت الساعة الثالثة صباحا، وأنا أشعر بأعراض الوضع فأيقظته، فقام وقال: فلتجهزى نفسك حتى أحضر العربية، ونذهب للمستشفى فى الدقى، كنت فى الطريق أشعر بألم، وقلت: يا رب أضع فى الصباح، فرد جمال: وتجىء البنت الحلوة، هل جهّزت اسمًا لها؟ فقلت (وكنت فى شدة الألم): لم أفكر فى اسم، معلش بس أخلص من آلام الوضع، وكانت ليلة فى شهر ديسمبر والشوارع بها الراجعين من سهرة الكريسماس، فقال: انظرى الناس صاحية وها هم فى الطرق والعربات».

وصلت تحية إلى المستشفى وكان الدكتور غير موجود، واستقبلتها الحكيمة والممرضات، وحضر الدكتور وكان يرتدى ملابس السهرة، وولد خالد فجر ٢٥ ديسمبر ١٩٤٩، وبعد أن أفاقت كان أول سؤال سألته تحية: ولد ولّا بنت؟ فردت الحكيمة: إنت عندك من الأولاد إيه؟ فقالت: بنتان، فردت: ولد يا هانم، فلم تصدقها، وقالت فى نفسها: إنها تقول ذلك الآن لأنى قلت إن عندى بنتين، وسألتها: صحيح ولد؟ فرد الدكتور من الناحية الأخرى للحجرة، وكان يحمل المولود فرأته وفرحت به جدا، وخرج الدكتور من حجرة الولادة، وأخبر جمال بأن الولادة تمت والمولود ولد، دخل جمال إليها فى الحال وهنأها وقال: مبسوطة الآن يا تحية، ها هو ولد، وقال: خالد.

قبل الثورة كان الأولاد جميعا أطفالًا، تحكى تحية عنهم: «دائما يكون واحد منهم بيبى، وحجرتهم بجوار حجرتنا، فكان البيبى عندما يصحو بالليل، وأسمع بكاءه أقوم وأبقى معه حتى ينام، وأرجع لأنام، وإذا صحا البيبى وبكى واستمر فى البكاء وبقيت معه، كان جمال يقوم ويدخل الحجرة ويسأل عن الطفل، إذا كنت أعطيته الدواء المهدئ، ثم يحمله ويظل يتمشى به فى الحجرة حتى يهدأ الطفل ويكف عن البكاء.. وينام».

وتكمل تحية: «وإذا كان الطفل مريضا كان قبل ذهابه للشغل يقول: سأطلب له الدكتور، وكان يطلبه أو يكلف أحدا فى مكتبه أن يطلبه إذ لا يوجد فى البيت تليفون، وكنا نتعامل مع أحد أطباء الأطفال المشهورين أستاذ فى كلية الطب، فغالبا يحضر بعد رجوع جمال من الشغل، وكان يقابله معى ليطمئن على البيبى، أما إذا كان الطفل متوعكا قليلا وليس به ما يستدعى حضور الدكتور فى البيت، أو كان الطفل محتاجًا لتنظيم أو تغيير فى غذائه، فكان يحجز ميعاد بالتليفون، وعندما يرجع البيت يوصلنى لعيادة الدكتور، وأمكث فى العيادة حتى يحضر الدكتور ويكشف على الطفل، ثم بعد ذلك يرجع جمال للعيادة ويوصلنى إلى البيت».

ومرض خالد ذات مرة، وكان عمره عشرة أشهر فقط، وكان جمال فى غرفة الضيوف، فخبطّت عليه فخرج من الحجرة، ورأى خالد ووجدها فى غاية القلق، فأحضر أقرب دكتور ليعالجه فورا، بعد أن طلب دكتور الأطفال الذى يتولى أولادنا ولم يجده.

كان جمال يحرص على شراء لعب لأطفاله، وعند إحضاره اللعبة كان يعلمهم كيفية استعمالها، وعند حضوره البيت كان يقبل أطفاله ويتكلم معهم ويلاطفهم ويقدم لهم الطعام، ويسعده جلوسه بجانبهم.

حضور تحية كان أكبر فى تعليم أولادها، تقول: «فى العام ١٩٥١ ذهبت هدى إلى مدرسة روضة أطفال كوبرى القبة، وهى فى الشارع الثانى للشارع الذى فيه بيتنا، وقريبة وممكن أسمع جرسها، وكنت أجلس معها أعلمها كيف تكتب، أى ترسم كلمة، وكانت الطريقة الحديثة (شر شر) وتملأ الصفحة حسب طلب المدرسة».

أصيبت هدى بالسعال الديكى- وطبعا أصيبت منى وأصيب خالد- وامتنعت هدى عن الذهاب إلى المدرسة، وكانت تصل تحية رسائل عن غيابها، تقول: «أخبرناهم بمرضها، وبعد شهر شفيت إلا أنها لم يسمح لها بالذهاب إلى المدرسة حسب التعليمات إلا بعد شهرين، قال لى جمال: فلتذهبى للمدرسة وتقابلى مدرسة فصلها، وتحضرى الدروس وتعلميها أنت فى البيت حتى لا تتأخر عن زملائها، وكانت هدى مجتهدة وشهادتها تصلنا كل شهر ونقرأ التقدير عن اجتهادها وشطارتها».

وتحكى تحية: «ذهبت إلى المدرسة حسب طلبه وقت خروج الأطفال، وطلبت مقابلة مدرسة الفصل فرحبت بى، وقالت: إن هدى أشطر الفصل، وأنا أجلسها أمامى، وأرتنى مكان هدى وسألتنى عن صحتها، فقلت: إنها تحسنت إلا أنها لا يسمح لها بالحضور إلى المدرسة، أرجو أن تعطينى الدروس وأنا أعلمها فى البيت، فشكرتنى على اهتمامنا، وأحضرت الكراسات الخاصة بها التى أعدتها للتدريس، وأخذت تشرح لى طريقة تدريس ما فات هدى، وقالت: فلتبقى الكراسات عندك حتى تحضر هدى، فشكرتها جدا، وعند رجوع جمال حكيت له عن زيارتى للمدرسة».

فى ١٩٥١ كان عبدالناصر مدرسًا فى كلية أركان حرب، كانت تحية حاملا، وفى شهر أكتوبر وفى أسبوعها الأخير، قال لها جمال: «إذا شعرت بأعراض الوضع أرسلى لى المراسلة فى الكلية، وإذا لم تجدينى لا تنزعجى وخدى تاكسى وتكونى شجاعة وتذهبى إلى المستشفى»، وكان لا يسهر خارج البيت ولا يتأخر عن العاشرة مساء، كان الحديث عن المولود فقالت له: «إنى أريده ولدا حتى لا يكون خالد مدللًا ويبقى ولد وثلاث بنات»، فقال لها: «كونى مطمئنة أنا لن أعطيه فرصة ليكون مدللا، مفيش عندى حد يتدلع».

تقول تحية: «زارتنى شقيقتى واقترحت علىّ أن أسمى المولود إذا كان ولدا عبدالحميد، فقلت لجمال فرحب وقال: نسميه عبدالحميد، وبعد أيام قليلة وقبل خروجه فى المساء، قال: سأذهب إلى الكلية، إذا شعرت بشىء أرسلى لى المراسلة هناك، وبعد وقت شعرت بأعراض الوضع وأرسلت له المراسلة، وحضر بسرعة وذهبنا إلى المستشفى، وفى الساعة العاشرة مساء ولد عبدالحميد، هنأنى جمال، وقال: ولد تانى مبسوطة؟ وقال: هو عبدالحميد».

بعد ثمانية شهور أصيب عبدالحميد بوعكة صحية، كانت تحية تريد تغيير غذائه، ويلزم أن يراه الدكتور الذى يعالج الأولاد، وعندما عاد جمال إلى البيت، دخل كعادته يلاطف عبدالحميد، فوجده متوعكا، قالت له: أريد الذهاب إلى الدكتور لينظم له غذاءه، إمتى هتكون فاضى حتى نذهب؟ فقال لها: أنا مشغول جدا، فاطلبى الدكتور ليحضر هنا أو يمكنك الذهاب فى تاكسى، وكما تقول تحية: «وكانت تلك أول مرة لا يجد وقتا للذهاب معى للدكتور، وفى اليوم التالى ذهبت بمفردى، وكان قبل خروجه قد طلب أيضا غداء زيادة لعدد من الضباط».

فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٢ وفى عيد ميلاد عبدالحميد الأول، كانت تحية قد انتقلت إلى بيت منشية البكرى منذ ٩ أيام فقط، تقول تحية: «حضر جمال للبيت وتناول الغداء معنا ولاطف أطفاله، وقبل عبدالحميد وقال: سأخرج واحتفلى بعيد ميلاده ولن أحضر معك، وحيانى وخرج ودعوت أخواتى».

مرض عبدالحميد ثانى يوم عيد ميلاده، وكانت حالته شديدة، طلبت تحية الدكتور الذى يعالج أطفالها، وبعد أن فحصه رفض رفضا باتا أخذ الأتعاب رغم إلحاحها، وقال لها: «فلوس إيه.. انتى عارفة أنا جانى اليوم قد إيه فلوس؟ وكان الوقت مساء، هذا أقل ما أقدر أقدمه، أنا فى خدمة أولاد البكباشى جمال عبدالناصر، واطلبينى فى أى وقت، والأحسن ألا يعرف بمرض أطفاله حتى لا ينزعج وأنا سأتولى علاجهم».

أخذت الرئاسة جمال من أولاده، بعد حادث المنشية-١٩٥٤- بيومين فقط مرض خالد بالزائدة الدودية، كان عمره ٤ سنوات وثمانية شهور فقط، حضر الدكتور مظهر عاشور وفحصه، وقال: يجب إجراء جراحة له فورا، وكان جمال عنده اجتماع، وظل الدكتور مع خالد يفحصه.

تحكى تحية: «قبل خروج جمال للاجتماع قال للدكتور: تصرف كما تستدعى الحالة، رجع الدكتور مستشفاه ليجهز لإجراء العملية، ثم حضر بنفسه وأخذ خالد فى عربة، وذهبت معه وكانت الساعة العاشرة مساء، وفى الساعة الواحدة صباحا حضر جمال للمستشفى قبل ذهابه إلى البيت، ومعه بعض أعضاء مجلس الثورة ليطمئن على خالد بعد إجراء العملية، مكث فى المستشفى مع خالد ثمانية أيام، كان جمال يزوره كل يوم لدقائق».

ثم أتى الابن الأصغر، فى ٧ يناير ١٩٥٥ ولد عبدالحكيم عبدالناصر، تقول تحية: «قبل ذهابى إلى المستشفى طلبت جمال، وكان عنده اجتماع فى البيت مع وفد سودانى والوقت مساء، أخبرته بأنى سأذهب إلى المستشفى، فقال: يوجد عندى وفد سودانى ولكن ممكن ينصرفوا وأذهب معك، فقلت: سأذهب بمفردى ولا داعى للقلق، وقد طلبتك لأخبرك فقط».

فى الساعة الحادية عشرة مساء ولد عبدالحكيم، تحدث الدكتور بالتليفون مع جمال وقال: سأحضر الآن. فقال الدكتور: لا تتعب ولتبق حتى الصباح، فقال له جمال: لقد اعتدت أن أحضر معها للمستشفى وأهنئها بسلامتها مباشرة، سأحضر.

فى الساعة الثانية عشرة مساء وصل جمال إلى المستشفى ورأى المولود وقال: عبدالحكيم.. وكان عبدالناصر قد قال لتحية من قبل إن المولود إذا كان ولدا سأسميه عبدالحكيم.

لم تعد تحية تعثر على جمال.. تقول: «فى صيف سنة ١٩٥٥ ذهبنا إلى الإسكندرية فى بيت على الكورنيش مبنى على الصخور العالية، مكون من دورين، استأجرناه ولم يشاركنا جيران فيه، وكنت أذهب للشاطئ مع الأولاد، وأجلس فى كابينة بسيدى بشر، وبجوارى ابنى عبدالحكيم، وكان الرئيس يحضر مرات قليلة إلى الإسكندرية، ولا يمكث أكثر من يوم أو يومين، ولم يكن حضوره ليستمتع بالبحر، ولم أره يذهب للشاطئ أبدا، وكان يحضر ليمضى معنا وقتا».

وفى لهجة بدا فيها التأثر- وربما الحسرة- تقول تحية: «للآن لم أخرج مع جمال أبدا بعد قيام الثورة، إذ لم يكن يوجد وقت أبدا لنخرج سويا، وكان خروجى قليلا، وكنت أذهب إلى السينما والمسرح الذى أحبه، والأوبرا عند حضور فرق أجنبية، وأحضر حفل أم كلثوم، وكنت أُدعى للذهاب وترافقنى إحدى السيدات من أقاربى أو زوجات الضباط، وكان يقول لى: فلتخرجى ولتتسلى، ويظهر عليه الارتياح والسرور عندما يعرف أنى خرجت أو سأخرج، ويقول: المهم أن تكونى مسرورة وتقضى وقتا مسليا».

كانت تحية عبدالناصر ست بيت من الطراز الأول، لم تشغل نفسها بما كان يفعله جمال خارج البيت، إلا بما يطمئنها عليه فقط، يأتى ذلك واضحا مما قالته عن نمط الحياة التى عاشتها فى بيت منشية البكرى.

تقول تحية: «كان الرئيس يهتم بتعليم أولاده، ورغم شغله المتواصل كان يرى الشهادات كل شهر، ويقارنها بالشهر الذى سبقه، ويطلب أولاده ويتحدث معهم عن الدرجات، وكنت لا أجد وقتا أقدم له فيه الشهادات، فكنت أضعها على الترابيزة فى حجرة النوم، وأفتحها وأضع القلم فوقها حتى يراها ويوقع عليها بإمضائه، وكانت الشهادات والحمد لله كلها تبعث على الارتياح، هدى دائما الأولى بتفوق، إذ تسبق الثانية بعدد كبير من الدرجات، وخالد إما الأول وإما الثانى، وقد لاحظ الرئيس ذلك وكان يضحك لهذه المنافسة، وكان يقول لى: أولادنا يا تحية نورثهم العلم».

لم يكن عبدالناصر يجد وقتا لاختيار ملابسه، فكان يطلب من سكرتيره الخاص إحضار عينات وتظل فى البيت حتى يجد فرصة ليراها ويختار ما يعجبه، ويظل السكرتير يسأل ما إذا كان الرئيس اختار القماش، وبعد اختيار القماش يأتى عمل البروفة، وكان الترزى يطلب من السكرتير الحضور لعمل القياس ويؤجل.

وتذكر تحية أنه مرة ظل الترزى يطلب الحضور ويؤجل الميعاد، وأخيرا خيط البدل دون عمل بروفة، وطبعا لم يستطع الرئيس ارتداءها، وبعد ذلك كان الترزى لا يخيط دون عمل قياس مهما طال انتظاره.

وتتحدث تحية عن تفاصيل التفاصيل، تقول: «أما البيجامات فألوانها متقاربة، وكنت أعرف أنه يفضل القماش المقلم بألوان هادئة كالأزرق الفاتح، فكنت أختارها دون سؤاله، أما المقاس فكان المشكلة، الترزى عنده مقاسه، لكن أحيانا تتخيط البيجامات، وعندما يلبسها يجدها غير مضبوطة، فيتم عمل إصلاحات، ومرة كنت فى الدور الأول، وكان الترزى مع الأولاد، ورأيته صدفة فسألنى عن بيجامات الرئيس إذا كانت مضبوطة، فقلت: نوعا، فقال: أتمنى أخذ مقاس جديد للرئيس، وصعدت، وكان الرئيس فى حجرته يستعد للخروج، فقلت له عن ترزى البيجامات وأمنيته، فقال: سأمر عليه عند خروجى».

أما الأحذية فكانت تضعها تحية خارج العلب بجوار الكرسى الذى يجلس عليه وهو يستعد للخروج حتى يراها ويختار، فيقول: ليس لدىّ وقت الآن ويخرج، فأضعها فى العلب وتظل أياما، ويسأل السكرتير وتكرر تحية ما فعلته.

فى بيت منشية البكرى، لم تكن هناك مواعيد للأكل مطلقا، تقول تحية: «يوم نتناول الغداء الساعة الثالثة أو بعد الثالثة أو الرابعة، وقليل جدا بعد الثانية، وكنت أنتظره حتى يحضر أو يصعد من الدور الأول، حيث يكون فى مكتبه أو فى الصالون، وأحيانا كان يتأخر أكثر من الساعة الرابعة بعد الظهر ويجدنى لم أتناول الغداء، فيقول لى: لم انتظرتينى ولم تتناولى غداءك؟ والأولاد يراهم وقت الغداء فى أى وقت يتناوله فيه، لأنه يكون بعد رجوعهم من المدرسة، ويطلب منهم الجلوس على المائدة سواء أكلوا أو لم يأكلوا، أما الإفطار فكان يطلبه فى حجرة النوم قبل خروجه مباشرة أو نزوله للمكتب، وأحيانا يتناول كوب لبن أو عصيرا فقط، ويخرج مسرعا وكان يطلبنى قبل خروجه وأجلس معه وهو يتناول إفطاره حتى لو كنت تناولت إفطارى».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل