المحتوى الرئيسى

السياسات الخارجية.. مناورة متقنة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى

01/14 11:04

كانت فترة الرئيس جمال عبدالناصر ثرية بكثير من التفاصيل والجدليات فى واحدة من أقوى حقب مصر فى تاريخها الحديث، وربما فى تاريخها ككل، خاصة حين يكون الحديث عن سياساتها الخارجية وقدرته على المناورة بين القطبين الكبيرين وقتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، بعيداً عن أى اختلافات سياسية معه أو مع تلك الحقبة التاريخية، بحسب ما تؤكده دراسات غربية إلى جانب كتابات المؤرخين. موقع «إنترناشيونال ريليشينز» الإنجليزى المتخصص فى العلاقات الدولية تناول فى دراسة الفترة الناصرية، وقالت الدراسة إن جزءاً من شهرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يعتمد على مواقفه الخارجية التى جعلته يكتسب شعبية واحتراماً ليس فى مصر فحسب بل فى الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولى، كونه نُظر إليه باعتباره زعيماً يحارب القوى الاستعمارية الكبرى إلى جانب الوقوف فى وجه إسرائيل، خاصة بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، التى انتهت بعلاقات جيدة بين «عبدالناصر» و«الاتحاد السوفيتى» كون الأخير دعم مصر بالسلاح فى مواجهة العدوان، فى حين أن الولايات المتحدة كانت قبلها عرقلت طلب مصر أمام «البنك الدولى» لبناء مشروع السد العالى.

وبحسب الدراسة فإن «عبدالناصر» بالرغم من الدعم العسكرى الذى قدمه له «الاتحاد السوفيتى»، فإنه لم يره كحليف، وإنما نظر إلى الاتحاد كفاعل دولى يريد أن يحقق أجندة خاصة به فى مصر والدول المجاورة، فضلاً عن غياب الدين عن عقيدة السوفيت، وأيضاً بيع الاتحاد أسلحة لإسرائيل خلال حرب 1948، إلى جانب أن «الاتحاد السوفيتى» السابق كان فى نظر «عبدالناصر» قوة إمبريالية.

«الدسوقى»: واشنطن قالت «يجب ألا يكون فى مصر ناصر جديد».. وانزعجت عندما رفع المصريون صورة «السيسى» بجواره أثناء الثورة على حكم الإخوان

أما بخصوص العلاقات مع الولايات المتحدة، فتقول الدراسة إن الولايات المتحدة فى هذا الوقت لم تكن قوة إمبريالية كبريطانيا وفرنسا فى نظر «عبدالناصر»، إلا أنه كان متشككاً فى أنشطتها ومصالحها فى المنطقة، وقد حاولت «واشنطن» بناء علاقات مع «عبدالناصر» ليس فقط فى فترة «حلف بغداد»، بل حتى فى فترة لاحقة، حتى إن الرئيس الأمريكى جون كيندى كان ينظر إلى «عبدالناصر» باعتباره رئيساً يريد مساندة شعبه، بل دعا البعض فى الولايات المتحدة إلى ضرورة مساعدة «عبدالناصر»، وبحسب الدراسة، فإنه بالرغم من هذا فإن «عبدالناصر» لم يكن يريد أن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة منقطعة، لكنه فى الوقت ذاته لا يريد أن يخرج من علاقاته مع «الاتحاد السوفيتى»، هو اتبع سياسة «الحياد الإيجابى». وفى هذا الإطار أشارت الدراسة إلى أن «عبدالناصر» كما كتب هو وجه 3 شكاوى رئيسية ضد الولايات المتحدة بأنها ساهمت فى إطالة أمد الاستعمار، كما أنها داعم رئيسى للصهيونية، وبالتالى هى شريك فى الظلم الوحشى الذى ترتكبه إسرائيل لتخلق مشكلة هى الأسوأ فى الشرق الأوسط، وثالثاً أن «عبدالناصر» وصف السياسيين الأمريكيين بالأغبياء كونهم لم يفهموا الطبيعة النفسية للعرب وتطلعاتهم للوحدة الوطنية.

ثم تتطرق الدراسة لمرحلة مهمة فى سياسات جمال عبدالناصر الخارجية وهى مرحلة الحرب الباردة، وتقول إن «عبدالناصر» لم يرفض الولايات المتحدة الأمريكية ولم يرفض كذلك «الاتحاد السوفيتى»، كان بحاجة إلى العلاقة مع الطرفين، من أجل زيادة مكانته السياسية والعسكرية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبحسب ما نقلت الدراسة، فإن مصر فى تلك الفترة لتكون قوة بارزة تحتاج إلى 4 أمور رئيسية، وهى مصدر ثابت للتزود بالأسلحة الحديثة، وثانياً: نظام اقتصادى حيوى ومستقل، وثالثاً: أيديولوجية تلبى النداءات الوطنية، ورابعاً: مصدر دعم موثوق على الساحة العالمية، وقد قدمت «الحرب الباردة» مجموعة من الفرص لتحقيق المتطلبات الأربعة لمصر، فقد مثل «الاتحاد السوفيتى» الأساس لتسليح الجيش المصرى، وحاولت «واشنطن» الحفاظ على هدوء مصر من خلال المساعدات الاقتصادية، كما أتاح إنهاء الاستعمار سياقاً ملائماً لتطوير أيديولوجية عربية تطالب بالتحرر الوطنى، كما أتاحت المنافسة الشديدة بين القوى العظمى مجالاً للمناورة، فالرئيس الراحل لم يكن يعتمد على أى من الطرفين، لكن استخدم الجانبين لتحقيق مكاسب له، وهو الأمر ذاته الذى كانت تفكر به الولايات المتحدة و«الاتحاد السوفيتى» كذلك، وقد استطاع بهذه الطريقة تحقيق مكاسب كبيرة.

دراسة غربية: مواقف الرئيس الراحل جعلته يكتسب شعبية واحتراماً فى مصر وكل الشرق الأوسط

من جهته، قال المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «عبدالناصر استفاد من فترة الحرب الباردة التى بدأت فعلياً من سنة 1947 بداية من خطاب الرئيس الأمريكى ترومان بتدبير أموال لمساعدة اليونان وتركيا فى الحرب حتى لا ينهار النظام القائم فى مواجهة الشيوعية، هذه الفترة استفاد منها جمال عبدالناصر، بأن يطلب من إنجلترا توريد سلاح فترفض إنجلترا، فيطلب من الولايات المتحدة فتقبل بشرط إرسال بعثة عسكرية لها، فيلجأ إلى الاتحاد السوفيتى الذى استجاب له»، وأضاف «الدسوقى»: «أيضاً فى موضوع بناء السد العالى، يطلب من البنك الدولى فيرفض بحجة أن الميزانية المصرية ضعيفة، فيلجأ عبدالناصر إلى الاتحاد السوفيتى فيقوم الاتحاد بهذه المهمة»، وتابع: «ومن هنا استفاد جمال عبدالناصر من الصراع بين الكتلتين لصالحه فى البناء والتنمية، والاتحاد السوفيتى لم يكن يفرض شروطاً مالية أو شيئاً من هذا القبيل، وإنما كان يعمل على زيادة جرعة التحرر من الاستعمار الرأسمالى».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل