المحتوى الرئيسى

سامح سامي يكتب: تعليم السينما.. تجديد الذهن - E3lam.Org

01/13 10:55

“السينما اختراع تقني قبل أن تكون فنا”..

معلومة تاريخية حقيقية تحولت إلى باطل وكارثة، تعاني منها السينما المصرية، وما تزال، في التعليم، وفي الصناعة.

فكرنا في هذا العدد أن نخصصه بالكامل عن تعليم السينما؛ لأكثر من سبب، الأول أنه موضوع يشغلنا، ويقف في خلفية كل عدد نصدره من مجلة الفيلم، الثاني أن جزويت القاهرة فكرت، وما تزال في تطوير مدرسة السينما بالقاهرة، والتي تعد من أوائل مدارس السينما المستقلة “البديلة”، وأقدمها، حيث شعرنا أن السنوات العشر الأولى أدت الغرض من تأسيس المدرسة، وهو تحريك المياه الراكدة، التي ما تزال راكدة وملوثة إلا قليلا، فكان لزاما علينا أن نتحدث بكل تواضع، ومكاشفة أن التجربة أصابتها بعض العيوب- غير الخطيرة- كأي فعل بشري، فأردنا التطوير والتحديث، وتعديل مسار المدرسة، خاصة أننا نتمنى أن تستأنف المدرسة مجدها عبر تجديد ذهنها التعليمي. السبب الثالث يهتم بذلك التجديد الذهني لتعليم السينما، والذي يأتي عبر قراءة محتوى هذا العدد الذي نقدمه للقارئ، وللمهتم، ومن قبلهم الطالب المستقبلي للمدرسة، المركز حول “تجارب الشعوب الأخرى” في تعليم السينما، أما السبب الرابع، فهو تقديم ما يشبه “مانفيستو” لما نريد من السينما، خاصة في جانب مهم، وهو تعليم السينما، الذي أعتبره “الوتد” لتأسيس سينما بديلة، وبداية لتعديل مسار السينما المستقلة، التي نحلم بها.

نرشح لك: سامح سامي يكتب: عن السينما التسجيلية في مصر.. تهميش متعمد للجمال

لم تعد هناك حاجة لقضاء أربع سنوات كاملة في التدريب على المونتاج والسينماتوجرافي وكتابة السيناريو، وصارت هناك حاجة أكبر لتعزيز ثقافة الطالب السينمائية في الوقت نفسه.

وكان توجهنا – حسب أحاديث عديدة مع دكتور مالك خوري لبحث أجريناه حول مدرسة السينما بالقاهرة، وسوف أعود إليه فيما بعد- تدريب الطالب على الإخراج والمونتاج والصوت بحيث تكون لديه الخبرة في عمل فيلم من الألف إلى الياء.

ومن الجهة الأخرى أن تكون لديه خبرة متعمقة على المستوى النظري من خلال دراسة تاريخ ونظرية السينما والإطلاع على التجارب السينمائية المختلفة، ومن بينها صناعة الأفلام المستقلة، بحيث يمكن لصانع الفيلم أن يكّون وجهة نظر محددة تمكنه من إدراك ما الذي يريده بالتحديد من خوض مجال صناعة الفيلم.

أي شخص في الوقت الحالي يمكنه على المستوى التقني أن يصنع فيلما من خلال تعلم تقنيات بسيطة، أو بالتعاون مع جهات أخرى لكن ما يميز صانع فيلم عن الآخر وسط الأعداد الكبيرة من صناع الأفلام هو القدرات الإبداعية والثقافة بمعنى أن يكون مطلعا بعمق على التاريخ السياسي والاجتماعي لفن السينما.

الجمع بين الثقافة السينمائية، ودراسة تقنيات صناعة الفيلم ليست هي السائدة في أساليب تدريس السينما في العالم. لكننا نحاول هنا، في مدرسة السينما، وعبر منصة مجلة الفيلم، خلق هذا التوازن بين الثقافة السينمائية، ودراسة تقنيات صناعة الفيلم.

المقولة المذكورة في بداية المقال أن ” السينما اختراع تقني قبل أن تكون فنا”، وهي كارثة يدعمها تعليم السينما في مصر، خاصة عند الأكاديميين، حيث إنني شهدت تعليما للسينما، في جانب منه، وليس كله، أقرب ما يكون “حشوا في حشو”، يقتل الجمال، ويستبعد التفكير، ويجهض البحث السينمائي الجاد. ومن هنا ركزنا على دور المعهد العالي للسينما لدوره التاريخي الكبير، ولأهميته البالغة في الوقت الذي لم يكن في الشرق الأوسط ولا أفريقيا معهدا بهذا التأسيس والتأثير ـ ولكن هذا لم يمنعنا من رصد الملاحظات والسلبيات التي أثرت على مسار العملية التعليمية في المعهد بحكم طول الزمن، وأنه من المهم أن يأخد المعهد بعين الإعتبار ما طرأ من مناهج السينما في العالم من تطوير وتحديث تطلبته الثورة التقنية التي أطاحت بكل ما هو قديم. ولكن في العدد أيضا مجموعة من الدراسات بالغة الأهمية في فهم وتدريس السينما في العالم من جنوب أفريقيا، إلى مدرسة كوبا التي أسسها جابريل جارسيا ماركيز، إلى تشيلي وهونج كونج ولم ننس المدرسة الايطالية التي تخرج فيها انطونيوني العظيم ودي سانتوس وكلوديا كاردينالي وغيرهم، كذلك مدرسة تشيكيا التاريخية، نقدم كل ذلك لنا وللمعهد ولكل العاشقين لفن الصورة وتدريسها على أعلى مستوى حيث إننا نرى أن التعليم الرسمي مهم بقدر أهمية التعليم الأهلي، والخاص- البعيد عن المؤسسات الحكومية – مثل الذي تقوم به مدرسة الجزويت، وغيرها من المدارس المتخصصة، إلا أننا في أي حال من الأحوال لا نتحدث عن الورش التجارية المنتشرة في كل الأفق (ورش اليوم الواحد)، والتي تشبه البخار يظهر قليلا ثم يضمحل. لكن لا يجب إغفال ضرورة بعضها كرديف سريع يحتاجه واقعنا السينمائي بشدة؛ لأنه لا يتصور أبدا أن بلداً كمصر يتعدى فيها عدد السكان المائة مليون ولا يكون فيها سوى معهد واحد يتيم لدراسة السينما.

إلا أنه من الإنصاف أيضا عدم تعميم القول إن كل الأكاديميين يدمرون التعليم السينمائي، حيث إنني تعرفت عن قرب على الأستاذ مينا هاني، والذي أكاد أجزم أن أمثاله يمثلون الأمل في تعديل مسار تعليم السينما، وبالتالي صناعة السينما، وهو وغيره قادرون على إخراج تدريس السينما “من كبوة الكبوة” التي يعيشها. ومن الإنصاف أيضا الإشارة إلى تجربة قوية ومهمة في تعليم النقد السينمائي، تدعمها الدكتورة إيمان عز الدين في قسم الدراما جامعة عين شمس، على أمل أن تقوم الجامعات المصرية الأخرى بتأسيس دبلومات أو دراسات حرة لصناعة الأفلام، كما أشارت الدكتورة سلمى مبارك في مقدمتها إلى تدريس السينما في الجامعات.

أما تقييم تجربة مدرسة سينما الجزويت بالقاهرة، التي سوف تنطلق قريبا، فكان محوره بحث أعدته الزميلة ناهد نصر، كان الغرض منه تكوين صورة شاملة عن أداء مدرسة سينما الجزويت منذ تأسيسها في عام 2005، وحتى تخريج دفعتها الأخيرة في العام الماضي، بهدف وضع تصورات عامة عن نقاط القوة والضعف في أداء المدرسة وكيفية تطوير أدائها بحيث تخدم الهدف من تأسيسها وتعزز دورها في المشهد السينمائي البديل. وأعتمد البحث على أربعة عناصر: القراءات النظرية لأرشيف المدرسة من الوثائق المتاحة، الإطلاع على أرشيف المدرسة الفيلمي المتاح، مطالعة الأبحاث والتقييمات التي صدرت عن المدرسة، وإجراء اللقاءات: عبر أربع مجموعات رئيسية هي مجموعة الخريجين، مجموعة المدراء، مجموعة إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية “جزويت القاهرة”، ومجموعة الفاعلين من خارج الجمعية (صناع أفلام وأكاديميين).

وكانت أبرز التحديات التي واجهت مدرسة السينما- حسب البحث، الذي أقتطف جزءا كبيرا منه هنا- في هذه اللحظة هو صعوبة ترجمة رؤية الجزويت النابعة من فلسفة باولو فيريري ومن نهج وقرار الجيزويت منذ عام 1995 باتخاذ خطوات أكثر تطورا في التغيير، والتمكين من خلال الثقافة والفنون عن طريق ولوج مجالات جديدة كالصورة والسينما بعد إحراز تقدم في عالم النشر والترجمة والمطبوعات الفلسفية. وهي رؤية تعتمد على التعبير عن واقع المجتمع من خلال تمكين أفراده، وبخاصة الأقل حظا في امتلاك أدوات التعبير عن واقعهم، وعن أحلامهم وطموحاتهم واحتياجاتهم. وعلى الرغم من الدور البارز والمصيري الذي لعبته الجمعية في التأسيس للسينما المستقلة إلا أن القصور المذكور أثر بالسلب في طبيعة تأثير الجمعية في المشهد السينمائي. وتجلى دور الجمعية في الإتاحة والتمكين في النصف الثاني من الألفية، وهو دور كبير لكن تظل تطور أدوات الانتاج السينمائي أمرا حتميا إذ حدثت في العالم كله. وما غاب عن مشروع الإتاحة والتمكين هو الربط بينها وبين البعد النظري أي الهدف الكبير في أن يكون الفن أداة للتعبير عن واقع السينمائيين الذي يعكس بالضرورة واقع مجتمعهم. إذ لم يكن خريجي المدرسة استثناء عن غيرهم من جموع صناع الأفلام المستقلة من غير خريجي المدرسة الذين حركهم وعي محدد سيطر على المشهد المستقل، وهو صناعة أفلام هي بالضرورة منخفضة التكاليف بسبب ظروف صناعها، وموقعهم من سلم الانتاج وليس بسبب رغبة هؤلاء في التأثيرعلى أو القطع مع السوق المهيمنة بأدواتها المحدودة وفرصها المعدومة إلا للقلة. كما كان زخم صناعة أفلام من قبل سينمائيين لم يقدر لهم الدراسة في المؤسسات الأكاديمية المحدودة كان نتيجة طبيعية لتوفر الأداة.

نرشح لك: 8 حكايات عن حسين رياض.. أشهر أب في السينما المصرية

وكانت مدرسة السينما في جمعية النهضة بالجيزويت أحد المختبرات الأولى لتجريب هذا الوضع الجديد. لكن ظلت هناك مسافة بين هدف القائمين على الجمعية ووعي القائمين على المدرسة من خارج الجمعية الذين هم جزء من جموع صناع السينما المستقلة في ذلك الحين. فبينما يرى القائمون على الجمعية أن هدف المدرسة خلق سوق موازية تنتج سينما بديلة تكسر كهنوت السيطرة كان صناع السينما المستقلة ينظرون إلى أفلامهم باعتبارها خطوة نحو الانغماس في السوق والتأثير فيها بل وإملاء شروطهم عليها. وما حدث على أرض الواقع كان أشبه بالرقص على السلم. قلة قليلة من المستقلين يتمكنون من الانغماس في السوق الكبيرة بتفاهمات وموائمات، وعدد قليل يستطيع الوصول إلى مصادر أخرى محدودة للدعم تحكمها شروط لا تختلف في استثنائيتها ومحسوبيتها وتفضيلاتها عن الإنتاج السائد مع فوارق محددة تشمل مساحة أكبر من الحرية بسبب عدم تقيدها بالرغبة في الربح . وهكذا صارت لدينا سينما مستقلة تنافس في المهرجانات ولا يعنيها الجمهور. وبالتالي هي بلا تأثير يذكر ليس فقط على الجمهور وإنما على مستقبل السينما المستقلة في مصر. المستقلة بمعناها الذي يشير إلى التخلص من سيطرة المنتج والممول والعناية بالمتلقي والتعبير عن الصانع. وسرعان ما أصيب جيل من رواد هذه السينما إما بالإحباط أو بأمراض انتظار المنتج أو بالتنازل أمام الماكينة الضخمة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا. أثر ذلك بالسلب على نمو هذه السينما الواعدة وأصاب صناعها الرواد بالتخبط إذ من الصعب أن يدلي أثنان منهم بنفس الاجابة على سؤال من نوع ما المستقلة؟ ما البديلة؟ أين نحن الآن؟ وإلى أين نتجه؟. فالإقدام الجماعي على الاستفادة مما منحته إتاحة الأداة لم يصاحبه هدف جماعي يحافظ على – وينمي ويطور- تلك السينما الجديدة ويحولها إلى تيار راسخ ومتجدد.

ومن هنا يأتي دور مجلة الفيلم، التي تقف خلف مدرسة سينما الجزويت، في تجديد ذلك الذهن التعليمي، خالقة هذا التيار المستقل والبديل في صناعة السينما، بدءا من التعليم وانتهاءً بالانتاج والتوزيع وإتاحة الأفلام البديلة لكل الجماهير، وكسر المقولة الكاذبة أن الجمهور”عاوز كده”.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل