المحتوى الرئيسى

تركيا والسودان وما بينهما مصر

01/13 10:33

لم تأتِ زيارة الرئيس التركي للسودان ومن بعدها تونس وكأنها زيارة عادية عابرة ينبغي أن تمر مرور الكرام على أصحاب الشأن، لأنها تحمل في طياتها الكثير من الرسائل الواضحة والمباشرة للمعنيين في الأمر وخاصة مصر.

وبالرغم من الاتفاقيات التجارية والسياحية والاقتصادية التي تم إبرامها بين الطرفين، لكنها تخبئ بين جنباتها الكثير من التفاهمات الأمنية والتعاون في نقل الإرهابيين من تركيا إلى السودان وجعل السودان ممرًا آمنًا للتوجه إلى أماكن أخرى، وكذلك إعادة تنشيط أو تحفيز خيال السلطان العثماني في إعادة عصرنة أمجاد الحقبة العثمانية على مقاس السلطان أردوغان، طبعًا كذلك مسألة جزيرة سواكن المعروفة الأهداف والنوايا.

بعد حالات الفشل المتكرر التي أصابت السياسة التركية إن كانت في سوريا وبعض الشيء في العراق وفشل أردوغان في إقناع أوروبا في التمدد ضمن الاتحاد الأوروبي، وكذلك فشله في إقناع أمريكا بالابتعاد وعدم تسليح الكرد وعقد العلاقات معهم، كل ذلك جعل من أردوغان يُصاب بالهيستريا السلطوية وقزمًا يهرول هنا وهناك علَّه يسترجع بعض الاعتبار الذي كان يمتلكه قبل سنوات قليلة.

فشلت سياسات أردوغان الداخلية، خاصة أنه ازداد سلطوية واستبدادًا وقام باعتقال الضباط وعناصر من الجيش وفصلهم من الخدمة، وكذلك الزج بالصحفيين والقضاة والمعارضين لتوجهاته في السجون، واعتقال الآلاف من النشطاء الكرد السياسيين وأعضاء البرلمان وإيداعهم السجن، كل ذلك تحت حجج وبراهين لا صلة لها بالحقيقة أبدًا، سوى أنه يريد أن يروي داءه السلطوي والإقصائي أكثر وأكثر.

هذه التقربات الاستبدادية على الصعيد الداخلي أوهنت أردوغان كثيرًا وجعلت من البيت التركي هشًا أمام أي ردَّات فعل شعبية ربما تكون في المستقبل القريب.

فشلت سياسات أردوغان أيضًا على المستوى الإقليمي والدولي وإفلاسه أخلاقيًا جعله يبحث عن القشة التي ربما ستنجيه من الغرق في مستنقع الاستبداد الذي زرعه بيده، ولم يرَ غير السودان كي يتوجه إليها ويبعث برسائله من هناك.

كلنا نعلم أن السودان أو القشة التي تمسك بها أردوغان لن تنجيه أبدًا، لأن السودان هو بحد ذاته غارق في المشاكل الداخلية، خاصة أن الاقتصاد الداخلي ضعيف جدًا وكذلك الصراعات الداخلية لن تمكنّه من أن يقوم بما تطلبه منه تركيا، لكن وبالرغم من ذلك ينبغي أخذ الحيطة والحذر بنفس الوقت، خاصة أنه يُخطط في جعل السودان والتي هي في نفس الوقت الخاصرة الرخوة لمصر، جعل السودان ممرًا للإرهابيين المٌؤتَمِرين والممولين من قبل أردوغان والذين أنهوا مهمتهم في سوريا والعراق وتم تكليفهم بمهام أخرى لزعزعة الأمن والاستقرار في تلك الدول.

تونس لا تختلف عن السودان بشيء كبير بالنسبة لأردوغان الذي يلعب لعبته الأخيرة أو لنقل صراحة يقوم بالوظيفة الأخيرة المكلف بها من قِبل أسياده، الذي وعدهم أردوغان في أنه سيكون الرجل أو البيدق والموظف الأمين في تطبيق أجنداتهم في مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهذه هي المهمة التي يقوم بها الآن في نشر الفوضى في كل مكان كأنه الصديق الوفي لقوى الحداثة الرأسمالية.

أظن أن زيارة أردوغان ورسالته هذه جاءت بعد عدد من الجولات التي قام بها بعض المسئولين المصريين لقبرص واليونان اللتان تعتبران العدوتان اللدودتان لتركيا وهذا ما أوقع أردوغان في حالة من الجنون والهستيريا السياسية، والذي جعله يبحث عن أوراق يلعب بها ويقول لهم لدي أنا أيضًا بعض الأوراق التي يمكنني من خلالها أن أبعث رسائلي من خلالها.

على ما أعتقد أن لمصر الكثير من الأوراق التي يمكنها أن تتقرب منها كي تُخرج نفسها من هذه الحالة التي هي فيها الآن، وأولها أنه يمكن لمصر وبالنظر للعلاقات التاريخية المشتركة مع السودان أن تترفع عن الإشكاليات الصغيرة الموجودة بين الطرفين لأهداف أنبل وأكبر وتذليل هذه العقبات مهما كانت النتائج، خاصة أنها تعاني من حدودها الطويلة والمرهقة مع ليبيا التي هي بالأساس باتت معسكر تجميع الارهابيين إن كان ذلك عن طريق تركيا أو قطر.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل