المحتوى الرئيسى

الجيشُ العراقى يُكملُ النوتةَ الموسيقية | المصري اليوم

01/11 05:26

«إن أنتَ بليْلٍ/ أوغلتَ بـ(موصِلَ) حتى النبعْ/ وزرفتَ الخبزَ الجافَ على الأطيارْ/ ومددتَ الحزنَ الكامنَ فى الأعماقِ وفى بابلَ/ لانشقَّ البحرُ عن الحوتِ/ ولجاءتْ مريمُ والأحبارُ وجلجامش/ ولجاءَ الخضْرُ وعشتارْ/ ولزحفتْ مملكةُ النملِ بركبِ الملك سليمانْ/ إن أنتَ بليْلٍ/ أفرغتَ القلبَ من الأوجاعْ/ ونظرتَ هنالك صوبَ النهرِ الشاهدِ مذبحة الأمسْ/ وقبضتَ بقبضتِكَ المشروخةِ/ حفنةَ رملٍ ملتاعة/ فتعالَ ورفقتُكَ/ لأقرئُكم سِفرَ الأنباءِ/ وأريكمْ أنَّ الحزنَ سيكمنُ طولَ العمرِ بأجيالٍ/ غفلتْ عن طعنِ الظهرِ من الأعداء/ وراحتْ تبحثُ عن موتٍ لا يشبه موتَ الكهفيين/ بل موتُ الحرفِ على الشفتين/ أو موتُ القلمِ على الورقِ».

مقطعٌ من قصيدة حزينة عنوانها «نصفُ نوتة». كتبتُها فى ربيع ٢٠٠٣. إذْ تخيّلتُ الموسيقار العراقى «د. نصير شمّة» جالسًا إلى النوتة الموسيقية يُدوزِن عودَه ويعزفُ، فى انتظار أصدقائه الشعراء: «أبونواس»، «النِفَّرى»، «إبراهيم ناجى»، «الأبنودى». وفجأة اختفتِ العلاماتُ الموسيقية من النوتة. فعرف أن بغداد قد سقطت فى تلك اللحظة، وأن النغمات أعلنت صمتَها حزنًا. كذلك احتجب الشعراءُ ولم يأتوا احتجاجًا على الغزو الأمريكى لأرض العراق.

وفى يونيو ٢٠١٤، سقطت مدينة «الموصل» فى قبضة داعش السوداء. لكن ماء الشِّعر لم يَجُد بما يغسل القلبَ من الحزن، إنما ماء الدمع الحارق. صمتَ اللسانُ وصمتَ القلبُ، إلا من أملٍ فى بسالة الجيش العراقى وجيوش العرب أن تنتفض انتفاضة أسدٍ جريح، وتستعيد ما سرقته كائنات داعش المدنسة بالإثم. ثم كان الفرحُ وكان النصر بعد سنواتٍ ثلاث حين طردت الموصلُ العريقةُ عناكبَ داعش إلى غير رجعة. ورقصتُ رقصتين.

رقصةً حين كتبتُ يوم ٢٩ يونيو ٢٠١٧، على صفحتى الرسمية: «الشمسُ أجملُ فى بلادى والظلام/ حتى الظلامُ هناك أجملُ/ فهو يحتضن العراق. مبروك للسيّاب تحرّر (الموصل) من الدنس الداعشى. تحية للعراق. والمجد لشهداء العراق النبلاء». وأما الرقصةُ الثانية فكانت الأسبوع الماضى فى حديقة السفارة العراقية بالقاهرة، يوم احتفالها بتحرر الموصل وبالعيد ٩٧ لتأسيس الجيش العراقى الباسل. رقصت قلوبنا فرحًا على أغان عراقية فولكلورية ونحن نحملُ أعلام العراق. وكانت كلمةٌ من رئيس الوزراء العراقى «حيدر العبادى»، عبر بث تليفزيونى، وكلمة مباشرة من السفير العراقى بالقاهرة «حبيب الصدر» مندوب العراق الدائم بجامعة الدول العربية. وكانت التحايا للشيخ السيستانى، الذى أطلق فتوى مثقفة، توجبُ على كل مواطن من شعب العراق، بكامل طوائفه ومذاهبه وأحزابه، أن يتّحدوا ويصطفوا مع الجيش العراقى فى معركة جهاد مقدس من أجل تحرير العراق من الدنس الداعشى والتكفيرى. وهو ما أُطلق عليه «الجهاد الكفائى» الذى انتهى بتحرر «الموصل»، فكان الفرحُ وكان رقصُ القلب وتغريدُ الشفاه.

كانت كلمةُ السفير العراقى للشِّعر أقرب. مدهشٌ أن يكون السياسى شاعرًا، أو أن يكون الشاعرُ سياسيًّا. لكننى لم أندهش، لأن المواطنَ العراقى، حفيدُ المتنبى، سيد شعراء العرب وشاعر التاريخ والدهور. مجبولٌ على الشعر، وكأن الشعرَ جزءٌ من التركيبة النفسية للإنسان العراقى. وصدق محمود درويش حين قال: «كُنْ عراقيًّا تكن شاعرًا».

أعتزُّ كلَّ الاعتزاز بأرض العراق، صاحبة الحضارة الضاربة فى عمق التاريخ. وأعتزُّ بتحررها وأفخر. وأشعرُ بالفرح لزيارتى الوشيكة لدولة العراق الشهر القادم ومشاركتى فى مهرجان «المربد» الشعرى العريق، الذى أوشك أن يُكمل النصفَ قرن من السنوات. أتيهُ خُيلاء أننى سأطأ أرضَ «سوق الِمرْبِد» المثقفة التى وطئها من قبلى فرائدُ شعراء التاريخ وأدبائه ونُحاتِه: الجاحظ، سيبويه، الأصمعى، أبونواس، بشّار بن برد، جرير، الفرزدق، الفراهيدى، وغيرهم!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل