المحتوى الرئيسى

عصفور من الشرق | المصري اليوم

01/10 09:32

هذه الرواية الممتعة لأديبنا الكبير «توفيق الحكيم» تدور أحداثها قبيل الحرب العالمية الثانية، وترسم أحوال فرنسا بدقة: البطالة والفقر المدقع، والعمال تسخرهم المصانع للعمل طيلة اليوم من أجل لقمة لا تغنى من جوع. سيقفز إلى ذهنك هذا السؤال على الفور: كيف استطاعوا فى هذا الزمن الوجيز تجاوز المحنة فيما غرقنا نحن؟!

هذه الرواية قد تبدو للوهلة الأولى من أدب الرحلات: محسن، الشاب العشرينى المصرى الذى أرسله أبوه إلى باريس لدراسة الدكتوراه فى القانون. أو ربما تقرؤها مثل سيرة ذاتية لتوفيق الحكيم الشخصية وقصة حبه المؤلمة لغادة باريسية مبهرة وغادرة. لكن الحقيقة غير ذلك كله: إنها محاكمة لأوروبا ذاتها ونقد للحضارة الغربية.

بعد فترة الانبهار الأول بباريس- وهى حتمية- وبعد المقارنة المحزنة بيننا وبينهم تثوب النفس إلى التأمل، وتؤدى الملكة النقدية عملها. لا شك أن الحضارة الغربية أهدت الإنسانية المنهج العلمى التجريبى الذى قاده إلى رفاهية الجسد، ولكنها فى الوقت نفسه سلبته طمأنينة الروح.

فى براعة فائقة استطاع الحكيم أن يغزل مأساة الشرق بمأساته الشخصية. حتى العنوان «عصفور من الشرق» له مغزى هنا.

«سوزى» الحسناء الباريسية تمثل الغرب بماديته وأنانيته وألوانه حينما غدرت بهذا العصفور من الشرق، محسن الغافل الرومانسى المبهور بالألوان.

عيناها بحيرتا فيروز، وأنفها بدّل مقاييس الجمال لديه. كان صديقه الفرنسى يسخر من حبه الأفلاطونى، هو الذى يعتقد أن ثمن أى امرأة لا يزيد على ثمن زجاجة عطر يهديها إليها.

أما هو- الشرقى العتيد- فليس أقل من روحه كاملة يقدمها إليها. إنها أعظم قدرا، وأجل خطرا من أن يقدم لها عطرا أو وردا أو يباسطها الحديث.

كان يقضى الساعات الطويلة فى المقهى المقابل لمكان عملها، ثم أخيرا استجمع شجاعته، وقرر أن يتبعها ليعرف مكان سكنها، تمهيدا للحديث معها. لم يتردد فى حمل حقائبه إلى الفندق نفسه. كاد يطير فرحا حينما وجد غرفته تعلوها مباشرة.. استيقظ فى الصباح التالى على غنائها العذب:

- «الحب طائر بوهيمى، لا يعرف أبدا قانونا».

أسرع إلى النافذة فوجدها فى روب نسائى من الحرير الأبيض، تنظم أزهار البنفسج فى أصص على حافة النافذة، وتغنى: «إذا لم تحبنى فأنا أحبك، وإذا أحببتك فالويل لك».

أسرع، وارتدى ثيابه، ووقف بباب الفندق ينتظر خروجها. رفعت أهدابها الجميلة، وسددت إليه عينيها الفيروزيتين فى تساؤل. تبادل معها كلمات سريعة خجولة، ثم أنفق ما تبقى من النهار فى البحث عن هدية مناسبة لها. وبرغم أن باريس خُلقت للنساء فإنه كان يريد شيئا مميزا يهديه إليها. ببغاء ملون فى قفص أنيق سهر جواره طيلة الليل ليلقنه كلمة «أحبك».

وحينما استيقظت الحسناء فى الصباح، واتجهت إلى نافذتها مترنمة كعادتها وجدت أمامها الببغاء فى قفص معلق بحبل متدلٍ فرفعت عينيها إليه فى الطابق العلوى، فابتسم لها، وطلب منها قبول الببغاء الذى راح يصيح: «أحبك.. أحبك.. أحبك»، كانت تلك هى الكلمات التى سهر يلقنها له طوال الليل! وكان ذلك أكثر من كافٍ لتقع الحسناء الباريسية فى حبه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل