المحتوى الرئيسى

جنة السامبا ونارها.. كيف يعيش المصريون فى البرازيل؟

01/09 21:15

بين أنهار وأشجار وطبيعة خلابة، فى بلاد كرة القدم ورقصة السامبا، نشأ حلم الآلاف من الشباب المصرى، وبدأت قصص النجاح فى الظهور فجأة، لتجذب عقول وقلوب الكثيرين نحو السفر إلى هناك، وبدء حياة جديدة فى بلاد مختلفة، بعضهم يئس من انتظار وظيفة حكومية، وآخر ملّ من عمله بمؤسسات القطاع الخاص. الزواج من فتاة برازيلية والسفر معها للحصول على الجنسية، أو السفر إلى البرازيل فى توقيت ولادة طفل يمنح الإقامة والجنسية لوالديه، وربما الإقامة بطريقة غير شرعية حتى يصبح برازيلى الجنسية.. جميعها طرق يلجأ لها الشباب فى محاولة الهجرة والاستقرار فى الأراضى البرازيلية. «الدستور» تنقل لقرائها قصصًا لشباب خاضوا التجربة، بعضهم حققوا نجاحًا واستقروا منذ سنوات، وآخرون فشلوا وعادوا إلى أرض الوطن، لكنهم جميعًا أكدوا أن اللغة البرتغالية مسألة حياة أو موت بالنسبة للمهاجرين، والشهادات المصرية تصبح بلا فائدة فى الأراضى اللاتينية، أما الزوجة البرازيلية فيجب اختيارها بعناية، فإما أن تكون بوابة لـ«عيشة هنية»، أو تصبح سببًا فى حياة الجحيم فى بلاد الأمطار الاستوائية.

محمود سامى: تعلم البرتغالية أصعب من الجنسية.. والشغل فى القطاع الخاص أفضل من الحكومة

محمود سامى، شاب مصرى استقر فى البرازيل، منذ حوالى ١٠ سنوات، يحكى لـ«الدستور» عن تجربته فى أراضى السامبا، التى بدأت عندما تعرّف على فتاة برازيلية من خلال أحد أصدقائه المهاجرين إلى البرازيل، ليتزوجها وينطلقا إلى مدينة «برازيليا»، محل إقامة الزوجة، لتبدأ رحلة البحث عن العمل فى الدولة الجديدة.

اختار «سامى» البرازيل تحديدًا، لأن معلوماته عن دولة السامبا تختلف عن المعلومات المنتشرة بين الكثير من الشباب، فالصورة الذهنية عنها تؤكد أنها دولة فقيرة ونسبة الجرائم بها عالية، لكنه كان يعلم أن هناك فرص عمل متاحة هناك لأصحاب الخبرة، وأنها دولة ذات اقتصاد قوى. ويوضح تلك الفكرة: «كنت عارف معلومات عن البرازيل وكانت الصورة الذهنية مختلفة شوية عن العادى، لأنى قرأت كتير عن البلاد المختلفة بحكم حبى للسفر والهجرة، وكنت عارف إنها أقوى سابع اقتصاد فى العالم، عشان كده مترددتش كتير إنى أسافر».

ولأن البدايات دائمًا ما تكون صعبة، واجه الشاب عدة عقبات أثناء بحثه عن فرصة عمل، بدأت بعقبة تعلّم اللغة البرتغالية، لأنها اللغة الرسمية هناك، وكون اللغة الإنجليزية لا قيمة لها فى البرازيل، حسب كلامه: «واجهت شوية صعوبات فى البداية، لكن لأنى كنت جاى مع زوجتى البرازيلية الموضوع كان أسهل شوية، كنت بتكلم إنجليزى كويس، لكن هنا محدش بيتكلم إنجليزى، وكان صعب عليا إنى ألاقى شغل، فضلت أتنقل بين الشغلانات بسبب ضعف اللغة». طبيعة البلاد الساحرة، المجتمع الودود ونظام العمل، كلها أمور جعلت من حياة «سامى» فى البلد اللاتينى أسهل، لأنه وجد فيه حياة مستقرة، فبرغم عمله فى القطاع الخاص إلا أنه يحصل على حقوقه كاملة كالعاملين فى القطاع الحكومى، عن ذلك يقول: «ميزة الشغل فى البرازيل إنك لو شغال فى قطاع خاص بتاخد حقوقك كاملة، والحكومة بتضمن لك حقوقك، سواء شغال عند ناس برازيليين أو أجانب، بعدد ساعات عمل محددة ووقت الراحة والإجازات الرسمية». يضيف: «لو اشتغلت هنا بتمضى عقد وكأن كل حاجة رسمى، ومفيش أى تعقيدات روتينية من الشركات، وبيبقى معاك نسخة من العقد بحيث تبقى ضامن حقك لو فيه أى مشكلة، ولو دخلت تدريب فى شركة محدش يقدر يمشيك قبل انتهاء فترة تدريبك، وبتبقى فترة مدفوعة الأجر، عكس شركات كتير خاصة فى مصر»، ويتذكر الشاب عندما مرض فى أحد الأيام أرسلته الشركة إلى المستشفى فى سيارة خاصة، واطمأنوا عليه ثم أوصلوه إلى المنزل.

علاء التركى: الشعب البرازيلى شبهنا وبيحبنا.. والفراعنة فى المناهج

علاء التركى، شاب آخر يتحدث عن فترة إقامته فى البرازيل التى بدأت منذ ٧ سنوات، ويروى تفاصيل عديدة عن هجرة الشباب المصريين إلى أراضى السامبا، وعن مجتمع يشبه نظيره المصرى فى الطباع وكثير من السلوكيات، وعن قوانين تغيرت بسبب انتشار فكرة الهجرة إلى هناك. «الناس هنا طيبين مش عنصريين زى أوروبا، وبيعاملوا المصريين كأنهم من أهلهم».. كلمات بدأ بها «التركى» كلامه، فطبيعة أفراد الشعب البرازيلى ودودة، ويتعاملون مع الغرباء بطريقة جيدة، دون عنصرية أو استهزاء، بل يقدّرون الشعب المصرى بصورة خاصة، لولعهم الشديد بالحضارة المصرية القديمة، حتى إنها تدرّس باهتمام فى المناهج الدراسية هناك.

القوانين البرازيلية الخاصة بالهجرة واللجوء وحصول الأجانب على الجنسية البرازيلية كانت حتى فترة قريبة تخدم وتسهّل من مهمة أى أجنبى يريد الهجرة والاستقرار هناك، فكان القانون ينص على أنه فى حالة ولادة طفل أجنبى على الأراضى البرازيلية، أثناء فترة السياحة أو الزيارة، فإن من حقه الحصول على الجنسية البرازيلية، وحصول والديه على الإقامة الدائمة لمدة ١٠ سنوات فى البلاد، وبعد مرور عام واحد يمكن لأبويه الحصول على الجنسية، حسب قول «التركى».

يضيف أن القانون ينص أيضًا على أن من يتزوج بفتاة برازيلية يمكنه الحصول على الجنسية هو الآخر خلال عام واحد، لكن هناك عقبات وشروطا وضعتها الحكومة البرازيلية مؤخرا بعد تدفق الآلاف إلى هناك، ويمكن للأجانب أيضا الحصول على الجنسية بعد ٣ سنوات من تملّك عقار بالبلاد، وفى حالة تبنى طفل برازيلى يمكن الحصول على الجنسية بعد ٥ سنوات.

يعمل الشاب فى أحد المطاعم اللبنانية هناك، بعدما تعلّم اللغة البرتغالية بعد عدة أشهر من قدومه إلى البرازيل، من خلال زواجه بسيدة برازيلية، ويقول إن رواد الأعمال العرب انتشروا فى المدن البرازيلية المختلفة، ويعملون فى التجارة والمصانع والمطاعم، أما الشباب العرب العاملون فكثير منهم يعملون فى شركة أوبر للمواصلات، يوضح: «الفلسطينيون هم أكتر العرب فى البرازيل إضافة إلى اللبنانيين اللى ليهم وجود قوى اقتصاديا هنا، والمصريين بدأوا ينتشروا فى المهن المختلفة».

أحمد فادى: الرواتب جيدة.. الأكل رخيص.. والأزمة فى فواتير المياه

ببشرته القمحية، مكث فى البرازيل سنوات، واندمج مع الشعب البرازيلى بسهولة، اتخذ «النجارة» عملا له فى بلاد السامبا، وتزوج من فتاة برازيلية أنجب منها طفلين.. هو أحمد فادى، شاب مصرى ترك مهنته فى مصر بحثا عن حياة جديدة فى «الغربة»، وتمكن من تحقيق حياة سعيدة فى أمريكا اللاتينية. يتحدث الشاب الثلاثينى عن الأجور فى البرازيل، فيقول إن متوسط المرتبات للكفاءات المتوسطة، تتراوح ما بين ١٠٠٠ و٢٠٠٠ ريال برازيلى بالنسبة للشباب المصريين، لكن الحال يختلف فى المهن الحرفية وأصحاب الكفاءات الأعلى، فمرتبات المعلمين مثلا تبدأ من ٣٠٠٠ ريال، غير أن الدولة تمنح كل مواطن عامل فى القطاعين العام والخاص دعمًا قيمته ٥٠٠ ريال، يشترى به ما يحلو له من المواد الغذائية، إضافة إلى دعم خاص بالمواصلات.

الأجور والدعم تمنح الشباب المصريين معيشة هادئة هناك، وذلك لأن الأسعار بصفة عامة مناسبة، فأسعار المواد الغذائية زهيدة فى البرازيل نسبة إلى المرتبات والدعم، والكيلوجرام الواحد من اللحوم الحمراء أو الدجاج بسعر ١٠ ريالات، وأسعار الفاكهة بأنواعها لا تتخطى الـ٥ ريالات للكيلوجرام، أما المواصلات فمن خلال دعم المواصلات الذى يحصل عليه الشخص بإمكانه التنقل طوال الشهر دون الحاجة إلى أن يدفع شيئا، حسب «فادى».

ويضيف أن الأمر يختلف قليلا فى أسعار الكهرباء والمياه، فعلى الرغم من أنها دولة بها موارد عديدة للمياه من أنهار وأمطار استوائية طوال العام، لكن فواتير المياه تبدأ من ١٠٠ ريال، بل هناك فترات من العام يتم قطع المياه تماما، وتدعو الحكومة المواطنين إلى الاعتماد على مياه الأمطار، وينطبق الأمر ذاته على الطاقة الكهربائية، من حيث أسعار الفواتير العالية، رغم وجود مصادر طاقة متعددة وتصدير الكهرباء إلى الخارج، وهما أمران يصعّبان الحياة قليلا على الشباب المصريين هناك.

أما الجانب الأكثر إيجابية بالنسبة للشباب الجدد القادمين إلى البرازيل، فيتمثل فى منظمات المجتمع المدنى هناك، عن ذلك يقول «فادى»: «فيه جمعيات حقوق اللاجئين، بتساعد اللاجئين أو اللى من بلد مختلفة أو نامية عمومًا إنه يلاقى فرصة عمل أو يتعلم اللغة البرتغالية، وبتعامل اللاجئين أفضل معاملة وأفضل استقبال وأفضل اهتمام، بغض النظر عن جنسيتك أو شكلك أو لونك أو ديانتك».

وأضاف: «بمجرد ما هتروح فى أى منظمة منهم هيعملولك (CV) قوى وهتابع معاهم بالوظائف المتاحة، وهيدولك قائمة بالأماكن اللى هتدرس فيها برتغالى، وهيتابعوا معاك كل جديد على إيميلك، منهم جمعية أنطونيو فييرا، وجمعية كاريتاس أبرشية».

عبدالصبور حافظ: فشلت فى التجربة.. واحذروا المرأة البرازيلية

ليست كل التجارب ناجحة، والنهايات لا تكون دائما سعيدة، فحكايات بعض الشباب فى البرازيل انتهت بشكل سيئ، إحدى تلك القصص هى التى مرّ بها عبدالصبور حافظ، ٢٩ عامًا، فقد تزوج بسيدة برازيلية عندما كان فى رحلة سياحية ببلاد السامبا، وقرر المكوث هناك وإقامة حياة جديدة، لكن ما حدث لم يكن فى حسبانه، فبعد خلاف بينهما، تحول إلى مشادة كلامية حادة، وجد نفسه فى مركز الشرطة، مطالبا بتطليق السيدة وبعدها الترحيل فورا من البلاد.

يحكى «حافظ»: «المرأة البرازيلية هنا لها وضع قوى، وفيه قانون صارم ضد العنف تجاة المرأة، وأسرع قضايا يتم الحكم فيها هى القضايا المتعلقة بالمرأة والأسرة، عشان كدا بمجرد وقوع أى خلاف هيبقى الشخص مهدد بالترحيل والحظر من السفر إلى دول عديدة، عشان كدا السيدة البرازيلية ممكن تبقى نعمة كبيرة أو تكون نقمة شديدة».

سبب فشل الشاب لم يكن مقتصرًا على خلافه مع زوجته البرازيلية، بل لأنه لم يسلك الطريقة القانونية الصحيحة للعيش فى البرازيل، فشهادات الخبرة المصرية التى حصل عليها لا تساوى شيئًا لدى المؤسسات هناك، وكان فى حاجة إلى دخول امتحان صعب باللغة البرتغالية حتى يتم اعتماد مؤهلاته، يوضح: «كل شاب عايز يروح البرازيل محتاج يركز كويس هو معاه إيه ومحتاج إيه، ويركز فى مسألة الشهادات تحديدًا عشان ميكررش تجربتى الفاشلة».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل