المحتوى الرئيسى

انتبه: إعلامنا يرجع إلى الخلف! | المصري اليوم

01/09 08:31

وقفت أمام مكتبتى طويلًا أنظر إلى كتب الفلك. تذكرت أستاذى العالم الجليل- رحمه الله- محمد جمال الدين الفندى، عندما ذهبت لأقدم أوراقى لدراسة الفلك فى قسم الفلك والأرصاد بعلوم القاهرة، بعد حصولى على بكالوريوس العلوم. سألنى سؤالا ظل يطن فى أذنى إلى الآن: لماذا تريدين أن تكملى دراستك العليا فى علم الفلك؟

وقبل أن أجيب عن سؤاله نظر إلىّ بيأس، وقال: «الفلك ميأكلش عيش يا بنتى!». صدمت من كلماته، واندهشت!

فكيف لعالم جليل أن يتفوه بهذه الكلمات، ولكنه طلب منى الجلوس، وأخذ يشرح لى أن المجال العلمى الآن يسخرونه فى الشعوذة، وقراءة الطالع والأبراج، والفلك علم صعب، ويحتاج إلى مثابرة والتزام، فهل تقدرين على ذلك؟!

ودون تردد قلت له: «نعم»، ثم قدمت أوراقى، وكانت أجمل متعة أثناء الدراسة، عندما كنا نذهب مع الأساتذة إلى «مرصد القطامية» لرصد حركة النجوم الخافتة والكواكب والسدوم والظواهر الشمسية.

اليوم يتأكد لى صحة كلام أستاذى الجليل، فقد امتلأت الفضائيات بالمنجمين والمشعوذين، وقد باءت توقعاتهم بالفشل، ومع ذلك فهناك مئات من مدونات الفلك والتنجيم والروحانيات والتنبؤات الأولى. صفحات العلاج بالروحانيات وفك السحر وتفسير الأحلام، وكتاب النبوءات الخفية للفلكى الفلانى الذى يقوم بتقديم خدمات مجانية على موقعه، وتشمل هذه الخدمات تفسير الأحلام شرعيا، والكشف من خلال علم الفلك عن السحر والحسد والمس والصرع. وهل تم تلبيس الشخص أم لا، والكشف عن مكان الشخص الضال والمفقود.

وهناك شيخ آخر روحانى مجانى لجلب الحبيب وترقيق قلبه، وفتح النصيب، ورد المطلقة، وعلاج السحر والحسد والعين، وزواج العانس، واستخدام الدفائن والكنوز وكشف إخراجها، وفك عقد الألسنة، والحفظ من الأعمال الشيطانية للقضاة وأرباب المناصب والمسؤولين، وعلاج المربوط عن النساء، وجلب الرزق فى البيع والشراء، وجلب الحبيب، كما يوجد العشرات من هؤلاء الأساتذة والشيوخ بمشاركة شيخات مدعيات الورع والوقار الدينى.

المدهش فى الأمر أن الناس يمكنها التواصل معهم عبر اليوتيوب والفيس بوك وتويتر وكل أدوات السوشيال ميديا، أى أنهم يقومون باستخدام وسائل التواصل الحديثة للخرافات والشعوذة، وقديما كان يُطلَق على المشتغلين بالتنجيم «العرَّافين» أو «الكهَّان»، وكانت مهمتهم استطلاع الغيب والتنبؤ بالمستقبل، دون أى سند علمى.

أما اليوم بعد هذا التقدم المذهل فى العلوم، تطالعنا الفضائياتُ والإذاعاتُ والصحفُ بخرافات بالية بتقديمها مَن يسمون أنفسهم «علماء فلك»! وأصبحت قراءة الطالع بضاعة رائجة على الشاشات وبين السطور. ويجب علىّ أن أوضح أن علم الفلك هو «الدراسة العلمية للأجرام السماوية وتطورها»، مثل النجوم، والكواكب، والمذنبات، والنيازك، والمجرات، والظواهر التى تحدث خارج نطاق الغلاف الجوى، كما يدرس الفيزياء، والكيمياء، والحركة، بالإضافة إلى تكون وتطور الكون.

أما التنجيم الذى يتنبأ بمصير البشر وتحديد الصفات الفردية لكلٍّ منهم بدراسة التأثيرات النجمية ليس علمًا لسبب أصيل هو أنه لا يعتمد المنهج العلمى: فهو ليس كالعلم الذى يصوغ فرضيةً ما حول الواقع أو الحقيقة، ليعمل بعدها على التثبُّت من صحة هذه الفرضية باختبارات نظرية وحدسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل