المحتوى الرئيسى

أسرة «قتيل المقطم»: دم «عفروتو» في رقبة الشرطة (فيديو)

01/08 13:45

شقيقته: «بابا اتنازل.. ووقع بأنه مات من الشرب علشان يستلم الجثة» 

والده: كل اللى كان يهمني إني أدفن جثة ابني.. وبعدين أدور على حقه

كان الشاب العشريني محمد عبد الحكيم محمود السمان، الشهير بـ«عفروتو» يجلس كعادته في الشارع مع اثنين من أصدقائه «سيد وعلي» بعد عودته من عمله اليومي كـ«نقاش»، كان الثلاثة يجلسون تحت منزلهم الكائن في مساكن مصر العليا، خلف «الونش»، على بعد أمتار قليلة من قسم شرطة المقطم، ينتظرون أحد أصدقائهم للذهاب لحفل عيد ميلاد قريب ودون مقدمات فوجئ ثلاثتهم بـ8 أفراد أمن يرتدون الزي الميري تابعين للقسم المجاور يتقدمهم معاون المباحث و7 أفراد شرطة آخرون جاؤوا في 6 «تكاتك» وقاموا بتفتيشهم بالقوة وتعدوا عليهم بالضرب، وتم اقتيادهم جميعًا إلى القسم في «توك توك» بسبب بلاغ جاء إليهم بأنهم يتعاطون مخدر «الإستروكس» ويتاجرون فيه بين أبناء المنطقة.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها اقتياد عفروتو إلى القسم، بل سبقها 3 مرات أخرى خلال العام الماضي بسبب مخدر «الإستروكس» وفي كل مرة كان يخرج «عفروتو» في نفس اليوم دون أي اتهامات أو إدانة.. الأمر تكرر أيضًا مع عدد من أصدقائه وأهالي المنطقة.

في المقابل كانت هناك روايات عديدة وشهادات مختلفة وأقوال متفرقة حصلت عليها «التحرير» من أهالي منطقة الونش واعترافات من أسرة الشاب الذي توفي بعد ساعات من إلقاء القبض عليه داخل قسم شرطة المقطم.

في مساكن الزلزال لا أحد هناك لا يعرف قصة الشاب القتيل.. هكذا يردد الجميع، ثكنة عسكرية مشددة في محيط القسم تحظر مرور السيارات الملاكي والميكروباص، الكل في حالة تأهب وترقب خوفًا من تكرار سيناريو ما حدث قبل 3 أيام حين حاصر الأهالي القسم وقذفوه بالحجارة والزجاج، لإخراج جثة «عفروتو».

رواية الأهالي لم تنكر أن عفروتو كان يشرب مخدر «الإستروكس» مثل غيره من أبناء المنطقة، ولكنهم أجمعوا بأن الشرطة هي التي قتلته بعد «علقة موت» تلقاها أمام منزله نتيجة التعذيب.

"«الإستروكس» مخدر قد يؤدى إلى توقف القلب والموت المفاجئ".. يقول أحد الصيادلة الموجدين في المنطقة، الذى أكد أن عفروتو لم يكن الشاب الوحيد الذي يتعاطى هذا المخدر القاتل الذي يعرف باسم «مخدر الشيطان» وتفوق أضراره البانجو والحشيش أكثر 100 مرة وهو عبارة عن خلطة عشبية مصنعة من نبات القنب، مضافًا إليها بعض المواد الكيميائية.

كما يتسبب ذلك المخدر العشبي فى محو أجزاء من الذاكرة بسبب المركب الكيميائي المضاف إليه، ويضيف الصيدلي الذي تحفظ على ذكر اسمه، أنه سبق أن لقي أحد شباب منطقة مساكن الزلزال القريبة الواقع في محيطها قسم شرطة المقطم مصرعه قبل شهرين بسبب كثرة تناوله لذلك المخدر القاتل.

في الجوار داخل مساكن «مصر العليا» بالمقطم كان الجميع يلتفون حول أسرة عفروتو لمواساتهم وتلقي واجب العزاء في نجلهم.

الكل ينتظر أسفل المنزل من الأهالي والجيران والأصدقاء والأطفال ولا صوت يعلو فوق صوت البكاء، يستقبلهم والد عفروتو المريض الذي يتحدث بصعوبة بالغة ضاغطًا على رقبته بيده بسبب تركيبه أنبوب التنفس العنقي. كان يجلس أمام منزله الصغير المبني على الطراز المعماري القديم (نظام بلوكات) والحزن يخيم على أرجاء المكان.

«كان كل اللي يهمني إني آخد جثة ابني وأدفنه وبعدين أدور على حقه».. خرج الرد مبحوحًا من فم والده عبد الحكيم محمود السمان، الموظف الذي يعمل في مستشفى الهلال الأحمر للعظام بعد أن دفن ابنه السبت الماضي.

بداية الأحداث كما يرويها الأب، كانت بعد وصول ثلاثة أفراد أمن من قسم شرطة المقطم إلى هناك، قائلًا: «الشرطة ضربوا الثلاثة شبان من بينهم محمد ابني علقة موت وسحلوهم وضربوا ابني بالشبشب على وشه وعدموهم العافية قبل ما ياخدوهم إلى القسم عشان كانوا شاربين أو بيتعاطوا مخدرات زي ما قالوا».

بعد ساعات سمع الأهالي خبر وفاة عفروتو داخل المستشفى التخصصي بالمقطم الذي تم إخفاء تقريره الطبي لحالة محمد عبد الحكيم، عقب وفاته.

وخرج تقرير الإبلاغ عن الوفاة الصادر من إدارة التشريح بمصلحة الطب الشرعي الذي أصدره الطبيب الشرعي الدكتور أيمن أحمد حسان بأن سبب الوفاة المباشر يرجع إلى «الإصابة وحدوث تهتك في الطحال تسبب في نزيف دموي بالبطن» حسب التقرير الذي حصلت «التحرير» على نسخة منه.

تقرير الوفاة الصادر عن مصلحة الطب الشرعي يتوافق مع ترخيص الدفن الصادر من مديرية الشئون الصحية بالسيدة زينب في القضية رقم 88 لسنة 2018 إداري المقطم والذي حصلت «التحرير» على مستخرج رسمي من شهادة الوفاة الصادرة من السجل المدني والذي يوصي بتصريح النيابة بالدفن.

حسب ما جاء في تقرير الطب الشرعي، فإن جثة عفروتو لم يظهر بها أي آثار تعذيب أو ضرب على وجهه أو في بطنه وقدميه وظهره وكل أجزاء جسده، ولكن رواية الأب تؤكد أن ما تعرض له من ضرب مبرح أمام البيت كان سبب الوفاة، قائلًا: «ابني على ما راح للقسم كان مات ولم يتركه الأهالي داخل المستشفى التخصصي بالمقطم وأخذوه إلى منزله جثة هامدة».

شهادة الوالد تقول إنه بعد أقل من نصف ساعة من نقل عفروتو إلى البيت كانت قوة أمنية كبيرة تطوق المكان قوامها 50 ضابطا وفرد أمن يتقدمهم رئيس مباحث قسم المقطم قادمين في مدرعتين وسيارتي ميكروباص وسيارة إسعاف، يقول عبد الحكيم السمان، والد عفروتو، إنهم أخذوه إلى المستشفى وأخبروهم «أنهم يعملون لمصلحة ابنكم عشان نجيب حقه ونعرف إذا كان سبب الوفاة تعذيب ولا لأ». 

أصر الوالد على اتهام ثلاثة أفراد بقتل نجله، ضابط المباحث واثنين آخرين من أمناء شرطة قسم المقطم، وأكد أنه سوف يتقدم ضدهم ببلاغ إلى النائب العام لمحاكمتهم ومحاسبتهم وقبل أن نتركه تساءل الأب في أسى: «إيه ذنبه عشان يقتلوه بالشكل ده؟.. ابني لا إرهابي ولا يعرف حاجة عن الإرهاب عشان يعملوا معاه كده».

ومن حين لآخر يستنكر: «وبعدين إيه المشكلة لما واحد قاعد في الشارع عادي بيشرب سيجارة أو بيشرب أي نيلة ما كله بيشرب.. عمرك شفت واحد بيشرب يمسكوه ويضربوه بالجزمة ويقتلوه ويرجعوه لأهله جثة.. طيب إحنا كنا بنعمل ثورة ليه بقى؟».

4 أيام قضاها الشاب العشريني سيد عبد الحميد مرسي، أحد الثلاثة أشخاص الذين ألقت قوات الأمن القبض عليهم في واقعة تعاطي «الإستروكس»، التقيناه عقب خروجه من سراي النيابة داخل مساكن الكويت وهو مختبئ داخل منزل أحد جيرانه الأقباط من قوات الأمن التي تبحث عنه حتى لا يتحدث لوسائل الإعلام أو ينقل تفاصيل واقعة موت صديق عمره عفروتو ليروي لنا تفاصيل ما حدث معهم في ليلة الجمعة الماضية.

لم يذق طعم النوم لأكثر من 72 ساعة بين الحجز والنيابة كان يلف «كعب داير» وبعد أن استجمع قواه وهدأ قليلًا من أثر المطاردة ومن صدمة الاحتجاز بدأ الشاب سيد يروي تفاصيل الواقعة بقوله: «إحنا كنا ثلاثة واقفين في الشارع فوجئنا بـ6 تكاتك يخرج منها ضابط واثنين أمناء شرطة و5 أفراد آخرون قعدوا يفتشوا فينا والضابط مسكني أنا وصاحبي علي لكن محمد جري منهم عدى من الأول والتاني وعند التالت وقع منه بعدما ضربه بالنص وكعبله وقّعه على سن الرصيف وحتى لما وقع الضابط قال لهم اقفشوه ونزلوا فيه ضرب والتلاتة اتلموا عليه عند الكوافير القريب».

وأضاف: «بعد ذلك أخذوا حذاء عم بدر الكهربائي وضربوا عفروتو بيه على وشه 3 مرات وهو مرمي في الأرض ولما قال لهم جنبي بيوجعني الضابط سأله في أي حتة، فأشار إليهم على جنبه الشمال تحت الكلى راح ضاربه في نفس المكان 4 ضربات برجله وهو خلصان وأخذونا إلى القسم».

تفاصيل ما جرى داخل قسم شرطة المقطم يرويها حرفيا صديقه سيد الذي خرج أمس من سراي النيابة والذي قال إنه حين تم احتجازهم داخل المركز كان صديقه محمد يتألم ويصرخ من شدة وجع بطنه ورغم نداءاته المتكررة للشرطة لإسعاف صديقه المريض الذي كان مُلقى على الأرض بين الحياة والموت وهو يشكو: «آه يا جنبي آه يا جنبي وماحدش سائل فينا وقعدنا نخبط ونرزع على باب القسم أكتر من نص ساعة لما كسرنا الباب وعفروتو بيموت قدامنا وإحنا مش عارفين نعمل له حاجة وماحدش بيرد علينا بره الزنزانة».

هنا لم يحتمل عفروتو شدة الألم ولم يستطع صديقه أن ينقذه من الموت «لحد ما رجع كل اللي في بطنه ورجع تاني يخبط على الباب ويصرخ فيهم آه يا جنبي ولما أمين شرطة وصل قالوا له، سعادتك محمد بيموت، رد علينا بكل برود إيه يعني سيبوه يموت.. مش بتاع إستروكس وتاني مرة محمد رجع فيها، كانت الروح طلعت».

رواية قسم شرطة المقطم أن قوات الأمن ألقت القبض على عفروتو عصر الجمعة، لاتهامه بالاتجار في المخدرات، حيث عثر رجال المباحث بحوزته على كمية من مخدر «الإستروكس» كان في طريقه لبيعها بمنطقة الإنشاءات بالمقطم تتنافى مع رواية صديقه سيد، أحد الثلاثة المتهمين في الواقعة الذي أكد لـ«التحرير» أنه «لم يتم تحريز أي مخدرات بحوزتنا أثناء ذهابنا إلى القسم».

وبعد أن تم نقلهم إلى المستشفى التخصصي الذي يوجد به محمد أخذوا منهم بطاقات الرقم القومي ثم عادوا بهم مجددا إلى القسم وهناك قضوا ليلتهم الأولى.

«صاحبي مات من الضرب مش من الشرب»..  يضيف سيد وهو يتذكر اللحظات الأخيرة ويبكي على فراق أعز أصدقائه «روحه طلعت لما ضربوه بافتراء في كل أجزاء جسده النحيل في وسط الشارع وحق محمد عند ربنا وبعد كل ده جايين يقولوا لي في قسم المقطم لما النيابة تسألك قل لهم إنه كان بيجري واتكعبل وقع على الرصيف وقلت لهم ماشي وهناك قلت لهم اللي شفته بالحرف الواحد».

واختتم سيد حديثه: «محمد صاحبي عمره ما اتحبس قبل كده وسجله الجنائي نظيف وشاب فرفور وجدع بيحترم الناس كلها وكنت أخلص شغل نقعد مع بعض في المربع نروح فرح شوية وبعد كده نروح البيت وماكانش بيتاجر في المخدرات ولا بتاع بنات زي ما بيقولوا».

رافضًا التصوير والتسجيل معه جاء عم بدر الكهربائي إلينا أثناء الحديث مع والدة عفروتو لينقل تفاصيل الواقعة التي حدثت أمامه وهو يسير بخطى متثاقلة ويستند إلينا للذهاب إلى مسرح الجريمة ومكان وقوع الحادثة.

ثلاث كلمات خرجت من فم الرجل السبعيني الذي يقيم «فاترينة» صغيرة داخل الحائط المجاور لكوافير ديانا للسيدات الذي حدثت وقائع التعدي على الشباب الثلاثة بجواره، قبل اقتيادهم إلى الحجز، عم بدر يسرد التفاصيل قائلًا: «محمد كويس مع أصحابه ومع الناس كلها وأنا اللي مربيه كنت قاعد هنا جنب فاترينة الكهرباء وفوجئت بالضابط يقول لي لو سمحت يا حاج اقفل الفاترينة دي وهات الشبشب بتاعك فقلت له: اتفضل وانهال بالضرب على وجه محمد عبد الحكيم جاري وصديقيه سيد وعلي، ولم يجر منهم محمد قبل الضرب أو بعده».

يتذكر عم بدر آخر مرة التقى فيها عفروتو قبل الواقعة بيوم حين كان يتجمع وأصدقاؤه ويجلسون بجوار فاترينة الكهرباء الخاصة به وهم يشربون المخدرات، يقول لهم ناصحًا: «اشربوا بعيد عني.. يابني ما تشربش كتير عشان ماتتعبش».

عقب انتهائنا من التسجيل مع سيد جاءت عضوة مجلس النواب عن الخليفة والمقطم الدكتورة هند عاكف وأخذته في سيارتها إلى القسم مجددًا بدعوى أن المأمور يريد أن يتحدث معه، بعد أن تم تهديد إخوته الأربعة بإلقاء القبض عليهم حال عدم ذهابه إلى المركز، حسب روايات الأهالي.

حسب رواية الأهالي ألقت قوات الأمن القبض على 18 شابا من المنطقة تم احتجازهم داخل سجن طرة بتهم التجمهر والشغب ونشر الفوضى منذ بداية الأحداث حتى الآن.

لم يفارق الحزن والبكاء ملامح وجهها البريء وهي تتحدث عن نجلها القتيل وهي لا تصدق كل ما جرى له في الليلة التي عاد إليهم فيها جثة هامدة، من حين لآخر تكاد تستجمع قواها لتتلقى واجب العزاء، كانت ترفض الحديث إلينا في بداية الأمر خوفًا من تحريف حديثها أو قص أي أجزاء منه لدواعٍ أمنية.

بمرور الوقت تقبلت الفكرة وبدأت تتذكر تفاصيل ما قبل ساعات النهاية وهي تروي في أسى وحزن وقع الصدمة عليها: «جوزي بيقولي الحكومة أخدت الواد.. ماصدقتوش وما أعرفش إنهم هياخدوه يموتوه جاني انهيار في الشارع وجريت عليه في المستشفى ولما بصيت في عنيه قلت لهم ابني مات».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل