المحتوى الرئيسى

قراءة متأنية في ديمقراطية النوادى | المصري اليوم

01/07 07:16

احتفى الكتاب والمفكرون، مطلع ديسمبر 2017م، بشكل لافت، باجراء انتخابات «ناجحة» في عدد من أكبر النوادى الرياضية والاجتماعية كـ«الأهلى» و«الجزيرة» و«الصيد»، وغيرها، ووسط حضور جماهيرى ملموس .

تدفقت المقالات والتعليقات إلى الصحف والمواقع وقنوات التلفزة، محللة الظاهرة ومعتبرة إياها «عرسا ديمقراطيا»، ارتكازا إلى نقطة واحدة، وإن اختلفت المعالجات بحسب خلفية الكاتب/ القائل وخبرته المعرفية والأسلوبية، ألا وهى أن الجماهير متعطشة للمشاركة، وأنها فقط تنتظر مناخا مواتيا، وإجراءات تعزز ثقتها في شفافية العملية الانتخابية، وتضمن أن يكون لصوتها قيمة، لتتدفق إلى صناديق الانتخابات بكل حماس، وترد على من شككوا طويلا – أو يشككون- في سلبيتها.

زاد هذا الكاتب أو ذاك، بأن غياب السياسة بالمعنى الحقيقى، واحتضار الأحزاب السياسية، والكلفة المرتفعة للممارسة السياسية بسبب تعنت السلطات، كل ذلك جعل من انتخابات النوادى الرياضية متنفسا للجماهير المشحونة بالتطلع إلى الديمقراطية. منطق له منطقه بكل تأكيد، بيد أنه لا يلامس في ظنى جوهر المسألة.

لقد ولدت في قرية جد صغيرة بدلتا مصر، كان بها جهاز راديو واحد لدى أسرة غير أسرتى، ولم يكن بها أي أثر يدل على أنها تتبع عصرنا، ولا أى حضور حكومى، فلا وحدة صحية أو مدرسة أو حتى مخفر شرطة!، ومع ذلك، وجدتنى منذ السابعة تقريبا متورطا في تشجيع أحد النوادى الكبيرة وما زالت. كيف؟ لا تسلنى!، لكن بيقين لم يكن ذلك بحثا عن متنفس من التضييق السياسى!.

بصفتى أيضا عضو في أحد أحزاب اليسار منذ 35 عاما وإلى الآن، وعايشت كما عايش غيرى، قيام وسقوط الحياة السياسية في مصر، في العقود الثلاثة الأخيرة، وقرأت غير مرة، وفى ذروة فوران سياسى، أن أهل الحكم يتلاعبون بالجماهير عبر حرف انتباهها عن تغيير النظام الاقتصادى الاجتماعى إلى الهوس بالكرة، أو يخدرونها بفنون وأنشطة بذاتها، ومع كل ذلك لم يقل حماسى يوما لنفس النادى، مع أنى كنت عضوا مخلصا ويقظا في الحزب وربما لم أزل.

إذن، أود أن أغامر بالقول إن ما كتبه الكتاب حول انتخابات النوادى نمطى، وقد لا تؤيده طبيعة الأمور و«وقائع الدهور». لقد تكرر الزخم الانتخابى بالنوادى من قبل عدة مرات، وفى كل العصور الليبرالية والشمولية والبين بين.

في الزمن الذي قلنا ونقول إن السياسة تبخرت فيه، أي منذ 1990 تقريبا فصاعدا، وصل الأمر إلى أن رئيس تحرير «الأهرام»، كتب مقالا على صفحة كاملة، منذ نحو عشرين سنة، عن ديمقراطية انتخابات نادى الجزيرة- عينه - وذكر فيه ما ذكره الكتاب راهنا عن تطلع الجماهير لممارسة حقهم في الاختيار إذا ....، ومع ذلك لا الانتخابات التالية كانت كذلك، ولا الحياة السياسية تغيرت.

انتخابات النوادى قد تعلو وتهبط في ظل نفس الشروط، وفى عهد استبداد أو حرية، ولا تؤشر بالضرورة على انبعاث اهتمام بالشأن العام، ويؤثر على الإقبال عليها عوامل متعددة تحضر أو تغيب بحسب الحال، وبغض البصر عما إذا كانت الحياة السياسية تعج بالحيوية أم تغط في السبات.

إن إحدى أغانى «ألتراس» تقول مخاطبة النادى المقصود، وبكل عنفوان: «أعطيه عمرى وبرضه قليل»، (وقد راح عشرات الشباب للأسف العنيف ضحية الكرة بالفعل)، فهل يمنح هذا الشباب عمره، إذا أصبح من حقه التصويت، لعملية سياسية مهما كانت نزاهتها؟، وهل تتطلب هي منه ذلك بالأصل؟ أو ليس العمر يوهب فقط للأوطان حين تهب عواصف العدوان أو تعلو نذر الحرب؟.

تعلو موجة الانتخابات الرياضية أيضا وتخفت- مثلا- عند تنافس ناديين بشدة، ويكون من عناصر التمايز بينهما رمزية رئيس هذا النادى أو ذاك، وعند وجود رجال أعمال كبار في قوائم الانتخابات، أو نجوم كبار، أو أعضاء برلمان، من عدمه، وحين يكون للسلطة السياسة أو أحد اطرافها مطمع في استغلال جماهير هذا النادى أو ذاك في مرحلة معينة.

ويشعل حميتها اكثر من أي عامل آخر درجة التكافؤ والندية بين المرشحين... إن في النتيجة التي يصعب التنبوء بها حتى آخر لحظة جاذبية خاصة لدى جماهير النوادى – والسياسة! – بعكس النتائج المحسومة سلفا. عامل مستجد – وليس طارئا- لتفسير زيادة الإقبال على انتخابات النوادى هو التزايد المضطرد في عدد كبار السن الذين يعد النادى هو بيتهم الثانى بالمعنى الحرفى وما زالوا يملكون طاقة قوية، ويريدون أن يشعروا أنهم مستمرون في سباق الحياة، وقادرون على أن يقولوا لمن يصفهم بالعواجيز «فشر». وهذه ظاهرة عربية وعالمية عموما. أيضا ثمة عامل مستجد تشريعى محفز هو ظهور قانون جديد للرياضة، أنهى هيمنة السلطة التنفيذية على قرارات مجالس الإدارات أو الجمعيات العمومية، وسيكون تأثيره الانتخابى ممتدا.

انتخابات النوادى هي، والتشجيع الهادر للكرة، جزء من ظاهرة واحدة مبعثها في تقديرى البحث عن مشترك إنسانى عابر للطبقية المالية أوالاجتماعية أو المعرفية أو الجغرافية، في زمن التفتت والتشظى على صعيد الفرد ذاته والأسرة والمجاميع المختلفة، وفى زمن الملاحة الصعبة- على الأكثرية منا- في الفضاء الإلكترونى وفى العالم الواقعى معا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل