المحتوى الرئيسى

الجملة مفيدة.. كلنا.. (بيئة)! | المصري اليوم

01/07 03:31

كلمة (بيئة) ارتبطت في مصر بثقافة القبح.. فمثلا يقال عن شخص ما (بيئة)، بسبب سلوكياته غير المنضبطة، التي قد تسىء له وللحي أو المنطقة التي يعيش فيها، أو أن أغنية ما (بيئة) لأنها مفعمة بالإسفاف والألفاظ التي لا تليق بمجتمع راق، وأن لحن ما (بيئة) بسبب إزعاجه الشديد ونشازه والنفور منه عند سماعه، إلا لدى طبقات معينة.. هل هذه هي البيئة؟

حين راودني هذا السؤال بالصدفة كنت أذاكر لصغيرتي مفهوم البيئة في مادة الجغرافيا.. وهي كل ما يحيط بالإنسان، من موارد طبيعية وأنشطة بشرية، يؤثر فيها الإنسان ويتأثر بها، إذن البيئة ليست كل ما هو قبيح فقط، بل كل ما ينتجه الإنسان من جمال.. أو قبح، بالتالي يمكن أن نطلق على أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وفيروز وعبدالحليم.. أغاني (بيئة).. كما نطلق على أغاني أوكا وأورتيجا (بيئة) !!!!

الحقيقة أن كل هذه الأفكار ظلت تموج في رأسي حتى سنحت لي الفرصة منذ عامين تقريبا أن أقترب أكثر من البيئة.. وأقصد بالبيئة هنا ملفات وقضايا البيئة في مصر التي تحمل وزارة البيئة على عاتقها عبء دراساتها والتصدي لمواجهة مشكلاتها.. دعوني أعترف.. أنني قبل تلك الفرصة لم أكن أتذكر وزارة البيئة إلا حين كنت أرى كومة قمامة في الطريق، وبطبيعة الحال كنت اتذكرها كثيرا لأن كومات القمامة كانت تتبارى في المنافسة للظهور على الطرقات، ولكني كنت أجد أشياء أخرى تشغلني بحكم زخم الحياة المصرية التي تتلاحق، فمثلا.. لم أكن لأعلم على مدى سنوات تتجاوز الخمسة عشر تقريبا أن وزارة البيئة هي المسؤولة عن التصدي لكابوس السحابة السوداء، ولو كنت أعلم لظلت ذكراها في خاطري على مدى ثلاثة أشهر متواصلة من كل عام، ولكني كنت مثل كل المصريين.. قضايا البيئة لم تكن جزءا من اهتمامي، فقد كان هناك ما هو الأهم، خاصة بعد أن طفت على السطح مشكلات جسام، وقضايا مصير، وحياة تفاجئنا كل يوم بزخم غير مسبوق خاصة بعد تورة 25 يناير 2011.

في إحدى دورات التدريب على كيفية التواصل مع وسائل الإعلام.. سئلت من قبل المدرب.. وهو الإعلامي محمد الكوسي بصفتي أحد الأدوات الإعلامية بوزارة البيئة.. قال «الكوسي» رغم وجودك بوزارة البيئة إلا أننا لا نقرأ أخبارا عنها.. وليس لها صوت في الميديا !!!

كنت أعلم أنه يحاول أن يضعني تحت ضغط بأفكار مغلوطة ومثيرة للاستفزاز.. فأجبته جوابا واقعيا بحكم قربي من هذا الملف.. قلت له ربما أنت مثلك مثل الكثيرين - وكنت منهم حتى وقت قريب- ممن لا يهتمون بالقراءة في هذا الملف.. فلو كنت مهتما كنت ستدرك وقتها أن أخبار وملفات البيئة هي الأكثر تداولا في كافة وسائل الإعلام نظرا لأنها تتماس بشكل مباشر مع وجع المواطن دون أن يدري.

اقتربت من هذا الملف واكتشفت أن البيئة في الهواء الذي نتنفسه، والطعام الذي يبدأ بذرة تبذر في الأرض، حتى يصل إلى أفواهنا، هنيئا أو ملوثا.. في الماء- سر الحياة- البيئة في كل ما تقترفه أيدينا وتسعى إليه أقدامنا، البيئة حتى في أفكارنا، وثقافتنا، قيمنا وتراثنا، حتى أيديلوجياتنا (بيئة).

كيف ذلك ؟.. البيئة ثقافة وتراث وأيديولوجيات؟

نعم.. هي كذلك.. ثقافة وتراث منذ بداية الخلق والخليقة، ومحميات مصر الطبيعية تشهد على تراث إنساني وجيولوجي وثقافي يصل إلى مئات الملايين من السنين، تتناثر بقاياه في الصحاري المصرية، بل وتجاور البيوت، وتسكن أنفسنا، وتسري بين أوصالنا، ولمن يريد أن يلمس ذلك التراث الحضاري والعالمي.. ليذهب إلى وادي الحيتان، وجبل قطراني في الفيوم.. أو الغابة المتحجرة في التجمع الخامس، أو سانت كاترين في جنوب سيناء.. وغيرهم محميات تشغل تقريبا ثلث مساحة مصر، تعج بالحياة البرية والبحرية والنباتية، والحفريات والتراث العالمي.. وهو أحد أهم ملفات تتحمل عبء الحفاظ عليها وحمايتها وزارة البيئة.

إنها البيئة التي اختصرناها في وزارة بدون حقيبة، وأهملناها، وأطلقناها على كل ما هو قبيح في حياتنا، ولا نتذكرها إلا حين تطاردنا أكوام القمامة.. أو تخنقنا سحابات الدخان الأسود في خريف مصر كل عام.

هل هذه هي البيئة؟ الإجابة.. لا ..

البيئة هي من منح مصر الحياة، (النيل)، هي من حمى أراضينا من غدر البحار وثوراتها (البحيرات) هي البحار ذاتها.. البيئة هي المصانع.. والاستثمار، هي الشوارع.. وما بها من بنايات، سيارات.. حتى الغبار.. ولن أسهب في طرح المفاهيم دون توضيح.. ولكن سوف أطرح بعض القضايا التي قادتني الفرصة للتعرف عليها .

أول حقيقة تعرفت عليها منذ اليوم الأول.. أن القمامة ليست اختصاصا بيئيا أصيلا ( مفاجأة).. وإنما هي اختصاص فرعي من اختصاصات وزارة البيئة، بمعنى أنها هي من تضع الخطط والاستراتيجيات، وربما تحدد أهم بنود كراسات الشروط التي تطرح للمستثمرين في المناقصات، وتضع أهم ملامح منظومة النظافة في كافة محافظات الجمهورية.. وتعد دراسات الجدوى في المشروعات الاستثمارية في مجال النظافة، إذن وزارة البيئة هي المستشار الفني للحكومة في هذا الملف.

إذن.. من المسؤول عن أكوام القمامة والمدافن العشوائية، والحرائق اليومية التي تخرج من تلك المدافن؟

الإجابة.. المحليات في كل المحافظات وهيئة النظافة وتجميل القاهرة في القاهرة الكبرى.. هي المسؤول التنفيذي في الحكومة عن كل ذلك.

كيف ذلك.. وقد افتتح وزير البيئة أكثر من محطة وسيطة بعد تفريغها من مئات الأطنان التاريخية من القمامة في الإسكندرية؟

حدث بالفعل.. ولكنه حدث بقرار من مجلس الوزراء بعد أن عجزت محافظة الإسكندرية عن حل مشكلة القمامة على مدى خمس سنوات.. حتى بات الأمر مهددا بانتشار أمراض وأوبئة نتيجة تراكم القمامة التي كانت تتفاقم مشكلاتها مع دخول فصل الشتاء من كل عام.. نجحت وزارة البيئة في التصدي للملف، وخلصت الإسكندرية من أكثر من نصف مليون طن من القمامة التاريخية، واستطاعت تفكيك كافة المشكلات المتعلقة بالخلاف بين شركة النظافة والمحافظة.. وخرجت وزارة البيئة من الإسكندرية بعد أن خلصتها من وجع خمس سنوات مضت عليها..

نجحت البيئة في هزيمة جحافل السحب السوداء التي تهاجم السماوات المصرية والأجهزة التنفسية للمصريين في خريف كل عام، وحققت عليها انتصارا مبهرا على مدى ثلاث سنوات احتفلت به كل وسائل الإعلام هذا العام، وبشكل غير مسبوق.. وشهد الجميع مؤخرا كيف استطاعت البيئة السيطرة على حرق قش الأرز وتحويله إلى منتج اقتصادي يستفيد منه الفلاح والمتعهد والتاجر والمصانع.. بل والاستفادة منه في صناعة الورق، والأدوات المنزلية. حولت الوزارة الأزمة إلى فرصة، ونجحت في تغيير الصورة الذهنية لهذا المنتج الذي كان كابوسا على مدى سنوات طويلة.. الهواء ليس قشا فقط.. وانما عوادم سيارات.. وانبعاثات مصانع، ومسابك وفواخير ومكامير فحم وأتربة.. وحرائق مدافن عشوائية، ومواجهتها جميعا مسؤولية وزارة البيئة.

التغيرات المناخية.. تلك القضية التي تشغل العالم، بدأ المصريون حديثا يهتمون بها، رغم أن العالم خصص لها مؤتمرا على مستوى ملوك وزعماء ورؤساء العالم في باريس منذ عشرين عاما، وتم عقد اتفاق في هذا المؤتمر يتم التفاوض على آلية تنفيذه الآن.. ومصر هي المفاوض في هذا الشأن عن القارة الأفريقية، ووزير البيئة المصري هو بطل التفاوض في قضية كونية تشغل العالم كله، مفاوض يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المكتسبات لمصر.. وللقارة الأفريقية، مهمة صعبة ارتأت القيادة أن تقوض فيها وزير البيئة، لما له من خبرة وقدرة وحنكة في هذا الشأن.. وهو أحد أخطر الملفات الذي يحملها وزير كثير من المصريون لا يعرفون اسمه!!

نرشح لك

Comments

عاجل