المحتوى الرئيسى

عام على ترامب رئيسا للولايات المتحدة.. هل يجب أن نخشى سياسته الخارجية؟

01/06 22:17

أثار الرئيس الأمريكى ترامب خلال السنة الأولى من رئاسته الكثير من علامات الاستفهام حول سياسته الخارجية وتوجهاته الغامضة والمتقلبة. وأن مثل هذه السياسات لم تقتصر على منطقتنا فحسب إنما امتدت طبيعيا لمختلف أنحاء العالم شاملة بالأخص كوريا الشمالية وإيران.

فبعد أن لعب ترامب على أنغام السلام فى المنطقة والتغنى بأنه صانع الصفقات وقدرته وحده على إبرام اتفاقية القرن بين فلسطين وإسرائيل، ذهب ليعلن بأعلى صوته ــ وبدون سابق إنذار ــ أن القدس هى العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، مصدرا تعليماته بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس دون أى مراعاة لأبعاد مثل هذه التصريحات وتداعياتها دوليا وإقليميا وإشعالها النار فى المنطقة. ولم يكتف الرئيس الأمريكى بهذا القدر بل إن العداء المعلن الذى يكنه لإيران وقيامه بتعبئة دول المنطقة ضدها منذ الأيام الأولى لتوليه الرئاسة يهدد باندلاع الحرب بين المسلمين السنة والشيعة فى المنطقة، على نحو ما أجمع عليه المحللون.

وبعيدا عن المنطقة قام الرئيس ترامب بتصعيد التهديدات إزاء كوريا الشمالية وتضييق الخناق عليها، وهى كلها أمور محفوفة بمخاطر محتملة لشن حربٍ فى المنطقة قد تنقلب حقيقة إلى حرب نووية تؤدى بالدول المجاورة وشعوبها الصديقة للولايات المتحدة. فتصريحات الرئيس الأمريكى وإدارته سواء فيما يختص بمنطقتنا أو بجنوب شرق آسيا لا تبشر بالخير، وهو أقل ما يمكن قوله. فإن هذه التصريحات تتجه علنا وبقوة إلى تعدى الخط الأحمر بالنسبة لكل من إيران وكوريا الشمالية، التى ستضطر إحداهما أو كلاهما اللجوء إلى فعل متطرف وغير متوقع تحوطا للضغوط الواقعة عليهما. فإن قدرة هاتين الدولتين على تحمل التهديدات والمقاطعة والحصار ليست بلا حدود، ولن تكون محاولات الخروج من المأزق قاصرة على الحرب بالوكالة ذات أبعاد وفترة زمنية محدودة ولكن ستكون حربا شرسة تطول الدول التى تنتمى إليها كل منهما وشعوبهما.

والتاريخ شاهد على مثل هذه الإجراءات اليائسة والمشينة فى أكثر من مناسبة، مثال: شن اليابان هجوم بيرل هاربر وقصف الأسطول الأمريكى فى 7 ديسمبر 1941، إنما جاء كنتيجة لفرض إدارة روزفلت المقاطعة على اليابان ومنع وصول النفط إليها إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك لدفع الكونجرس الأمريكى آنذاك إلى الموافقة على دخول الولايات المتحدة الحرب، وهو ما كان بالإجماع فى اليوم التالى لهجوم بيرل هاربور. أما المثال الثانى فهو عندما قام الرئيس عبدالناصر بفرض الحصار على إسرائيل ومنعها من الوصول إلى البحر الأحمر (المياه الدولية) عبر مضيق تيران عام 1967. وكان ذلك بمثابة تنفيذ حكم الإعدام على إسرائيل. وما كان على إسرائيل إزاء ذلك سوى شن الحرب على مصر بعد أقل من شهر بضربة مفاجئة بدأت بها حرب الأيام الستة.

واليوم نشاهد ما يقوم به الرئيس ترامب فى سياسته الخارجية وتعبئة الشعب الأمريكى تحت ادعاء أن ما تريده أمريكا هو ما يريده العالم وأن سلامة الولايات المتحدة هى من سلامة العالم. غير أنه يبدو أن شعاره بأن أمريكا تأتى أولا يلحق الضرر بالمصالح الأمريكية أكثر من إفادتها وقد يؤدى بها إلى عواقب هى والعالم فى غنى عنها. ولا يستفيد أى بلد من ذلك الضرر أكثر من الصين، المنافس الاستراتيجى الأكبر للولايات المتحدة.

فإن ما تقوم به الإدارة الأمريكية إزاء كل من إيران وكوريا الشمالية بالنسبة لتضييق الخناق عليهما لا يختلف كثيرا عن هذه الأمثلة، فإنه من غير الممكن الحكم بالإعدام على هاتين الدولتين وشعبيهما، التى تتمتع كل منهما بقوة عسكرية لا بأس بها، وإلزامهما بأن تقفا موقف المتفرج.

وذهب البعض إلى مقارنة سياسة ترامب بالسياسة التى انتهجها جورج بوش الابن تجاه العراق وتهديداته المتكررة التى انتهت بالحرب العراقية الثانية فى مارس 2003 والتى كلفت الولايات المتحدة الكثير ومعاناة المنطقة حتى يومنا هذا من ويلاتها. وأثناء حملته الانتخابية وجه الرئيس ترامب انتقادات لاذعة لإدارة بوش لحربها ضد العراق ووعد بالابتعاد عن تقمص شخصية رجل البوليس فى العالم. وها هو ترامب يعيد نفس الأخطاء وإن تبدو هذه المرة أكثر حدة، لأن الدولتين سواء كوريا الشمالية أو إيران تمتلكان قوة عسكرية قادرة على إلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية. فالغطرسة الأمريكية فى كلتا الحالتين ــ أى حالة ترامب وبوش ــ متقاربة وشبيهة لبعضها، وإن كانت سياسة إدارة بوش أكثر وضوحا وكان العالم على دراية بالنية المؤكدة على توجيه ضربة إلى العراق وإعلان ذلك فى مجلس الأمن على الملأ. وهو ما لا يفعله الرئيس ترامب ولا إدارته، حيث ما زال التخبط عارما على الصعيدين الأمريكى والدولى فى نوايا الرئيس ترامب، وما إذا كان بالفعل ينوى خوض الحرب؟ وعلى أى من الدولتين كوريا الشمالية أم إيران؟ ومتى؟

فهل الولايات المتحدة قادرة على احتواء مطامع إيران فى المنطقة؟ إن الرد على هذا التساؤل بالنفى، فإن المشاهد أن الولايات المتحدة وسياساتها الإقليمية ساهمت على العكس من ذلك فى توسيع وتعميق النفوذ الإيرانى فى المنطقة. وفى غياب إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية الإيرانية وتداعيات تغريدات الرئيس الأمريكى. فإن الولايات المتحدة ستظل غير قادرة على «احتواء» النفوذ الإيرانى، بل وأكثر من ذلك قد لا تؤخذ مأخذ الجد أمام سلبيات السياسات الأمريكية وانقسام مجموعة الخمس +1 على السياسة الأمريكية بما يؤدى فى الواقع إلى عزلة الولايات المتحدة. وعلينا أن نعترف بأن المظاهرات الدامية فى إيران الآن وإن كانت نهايتها غير واضحة بعد، فهى لا شك تمثل نعمة خفية للرئيس ترامب قد تخرجه من المأزق الذى أوقع نفسه فيه بتغريداته واستكباره.

والسؤال اليوم هو كيف سيواجه الشعب الأمريكى بل والعالم ما تخبئه لنا سياسات ترامب العدوانية النابعة من تغريداته المتقلبة. هل هى سياسات مدروسة ومحسوب حساب لآثارها المحتملة أم أنها بالفعل سياسات كارثية لا نعرف مداها وذرائعها؟ هل سيتحدى العالم سياسات ترامب الخارجية أم يجاريها أم يدير لها ظهره؟

ومن الأهمية بمكان أن تتعامل كل منطقة مع مشاكلها بشكل جاد بعيدا عن التأثير السلبى للسياسة الأمريكية الراهنة وتفاديا للتواجد الأمريكى. وهو ما يقع على عاتق منطقتنا وما عليها مواجهته من قضايا ضخمة سواء تمثلت هذه فى احتمالات اشتعال حرب جديدة فى المنطقة بين السنة والشيعة والتى بدأت بوادرها تظهر جليا فى العداء المشتد بين المملكة السعودية وإيران وما تقوم به كلا من أمريكا وروسيا من سكب للزيت على النار وأن ذلك يتسبب فى إشعال المنطقة بحرب غير معلوم أبعادها ونهايتها.

أو تمثلت فى قرار الرئيس الأمريكى بالاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل وهو ما كان كل عاقل فى المنطقة وعلى المستوى الدولى يستبعده كل الاستبعاد آخذين وعود ترامب بتسوية المشكلة الفلسطينية مأخذ الجد. وإذ بالرئيس الأمريكى يضرب بعرض الحائط كل وعوده السابقة للمنطقة ورؤسائها التى ارتأت فى ترامب صانع الصفقات وعلقت آمالها عليه، بحجة أنه يقوم بتنفيذ ما وعد به أثناء حملته الانتخابية. ألم يعد ترامب المنطقة ورؤسائنا بالسلام والرخاء؟ ألم نصدقه بأنه سيكون مغايرا عن سابقه وأنه سيأتى لنا بالسلام العادل الذى ننشده؟ وهل الحل هو قيام الفلسطينيين بانتفاضة جديدة تزيد من بطش الإسرائيليين ضد الأطفال والنساء وتصور القوة الاستعمارية كقوة مدافعة عن وجودها أمام العالم؟

فمن الواضح أن الطريق الوحيد أمامنا اليوم هو الاعتماد على أنفسنا وتفعيل الدبلوماسية المتعقلة كبديل للحرب، فإن أحدا لن يهمه أمرنا قدر أنفسنا.

ذلك بالإضافة إلى ضرورة تعامل كل منطقة مع مشاكلها مستبعدين الولايات المتحدة فى الوقت الحاضر. فمن الواضح أن أى تهديد لن يجعل رئيس كوريا الشمالية كيم جونج يتنازل عن قدرته النووية، لأنه مقتنع تماما أنها بمثابة وثيقة تأمين تحول دون الإطاحة به. وراهنت كوريا الشمالية على أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على زيادة الضغط عليها إذا لم يكن هناك موافقة صريحة من قبل كوريا الجنوبية. وعليه، فقد أقدم رئيس كوريا الشمالية، فى خطوة مفاجئة وغير متوقعة إلى عرض فتح حوار مع كوريا الجنوبية، وذلك قبل افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية بمدة شهر وواعدا بالمشاركة، وهو ما قبلته الأخيرة دون شروط مسبقة. فقد قامت هاتان الدولتان بتحدى سياسات ترامب وتفضيل الحوار بينهما.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل