المحتوى الرئيسى

صدام حسين الصعيد.. الدستور مع أخطر «مطاريد الجبل» فى أسوان

01/05 22:48

يعيشون على الدم والنار فى كهوف الجبال، يقطعون الطرق ويهجمون على الآمنين ثم يعودون إلى مخابئهم ثانية، لهم عالمهم الخاص الذى تحكمه التقاليد القبلية، ربما لم ترهم سوى فى الأفلام والمسلسلات التليفزيونية، هم «المطاريد» الهاربون من تنفيذ أحكام، المطاردون من الجميع.

مع مطلع ٢٠١٨ كان لـ«الدستور» قصة مع هذا العالم الذى لا يتحكم فيه سوى السلاح، وبدأت القصة بالمصادفة البحتة، بعدما ذاع صيت رجل فى إحدى القرى الحدودية بأسوان، يطلق عليه الأهالى «صدام حسين الصعيد»، يقود مجموعات المطاريد.

وكنموذج «أدهم الشرقاوى» لاحقته سمعته بمساعدة الفقراء والعطف على المساكين، وأنه لا يترك عملا صالحا إلا وكان شريكا فيه، سواء فى قريته «الضبا» بمركز كوم أمبو، أو فى القرى المجاورة. وبحسب ما قيل، فإن «صدام» يفعل كل تلك الأمور، ثم يرحل مرة أخرى للاختباء فى الجبل أو المناطق الزراعية.

تأكدنا أن القصة حقيقية، ووراءها حواديت أخرى مثيرة، فبدأت رحلة البحث عنه، حتى وصلت «الدستور» إليه عبر عدة وسطاء، وقضينا يوما كاملا مع مطاريد الجبل، ومُسجل خطر ارتسمت ملامحه بالطيبة، حتى إنه أصر على مشاركتنا إياه كوب الشاى.

«الملثم» بعد 7 ساعات للاتفاق على لقائه: «مش بخاف أبدًا.. أنا كده كده ميت»

رحلة دامت ٤٨ ساعة من القاهرة إلى مركز «كوم أمبو» بمحافظة أسوان، انتظرت فيها «الدستور» الوسيط، بعد التواصل معه هاتفيا: «ألو إحنا موجودين فى مركز كوم أمبو فى المكان اللى اتفقنا عليه...».

بعد لحظات توقفت سيارة رمادية اللون وفُتح بابها وبداخلها ٣ رجال أعمارهم تقترب من العقد الثالث، شخص منهم قال: «اتفضلى يا أستاذة..» ثم وصلنا منزل «الوسيط ل. د» وانتظرنا ٧ ساعات مُتواصلة، فى غرفة صغيرة، فى محاولة للتنسيق مع «صدام حسين».

وأخيرًا، جاءنا الرجل الملثم الذى رحب بنا وبدأ حديثه معنا منذ مولده، واشترط علينا تقاسم كوب من الشاى لكى يطمئن أننا شربنا من شرابه، ثم شرع فى سرد قصته التى بدأت عام ١٩٩٣ وهو عام مولده بقرية «ضبا» الأسوانية وهى تضم العديد من القبائل «الأقالتة، الجعافرة، المطاعنة، العرب، والعزايزة، حميد»، وتطل على مناطق لقاء المهربين بقرية «العدوة»، قبل تحركهم للسودان. «صدام حسين».. وكأن من يحمل هذا الاسم لا بد أن يحيا طريدًا، قد عاش حياة صدامية، اعتادت فيها أذناه سماع أصوات الرصاص فى منطقته، بسبب نزاعات بين ٤ عائلات تنشب بين الحين والآخر، مع محاولات الصُلح التى يتدخل بها كبار المنطقة. باختصار، عاش حياة فقر وجهل ومرض.

تبحث عنه الأجهزة الأمنية فى كل مكان، ويتم اتهامه فى جميع الجرائم الجنائية لمجرد اشتهار اسمه وخوف الناس من ظهوره أو التعرض لهم بأذى، فى حين أنه يزعم أنه على عكس ذلك تمامًا فهو المحبوب من منطقته وبيته، ويساعد الآخرين ويمد لهم يد العون ويوزع المال على الفقراء والمُحتاجين، وفقًا لروايات الأهالى.

«أنا كده ميت وكده ميت والاتهامات الموجهة لى مستمرة حتى بعد تبرئتى من القضايا»، يقول صدام بصوت خشن: «أنا مش خايف من حد أبدًا، طالما هما عايزينى أبقى كده، وأنا مش بإيدى إنى أكون تاجر مُخدرات أو سلاح لكننى مُضطر والظروف صنعت منى شخصا سيئا فى نظر بعض الناس التى لا تعرفنى ولكن فى الحقيقة علاقتى بالجميع طيبة وانتى بنفسك شوفتى وسمعتى الناس بتقول عنى إيه فى القرية».

72 قضية جعلته مجرمًا: «سلمت نفسى للقسم.. زهقت من المطاردات»

أثناء جولة «الدستور» فى قرية «الضبا»، كان الوسيط معنا فى كل لحظة، متواصلًا مع «صدام حسين» الذى يناديه الجميع بـ«العقيد»، وكان الانتظار مرة أخرى فى أحد المنازل المهجورة فى مكان مُتطرف بعيد عن الأهالى، الذى يجتمع فيه «المطاريد» بين الحين والآخر، بعد هروبهم واختبائهم فى المزارع المجاورة خوفًا من إلقاء القبض عليهم.

ينظر «صدام» إلى سلاحه الآلى من النوع الروسى الذى لا يُفارق يده، ويضع خزينة الرصاص بجواره على المنضدة، يمسح العرق بـ«كوفيته»، ويفتح الشباك الوحيد بالغرفة القريبة من المزارع التى يلجأ لها هو والمطاريد هربًا من الشُرطة.

طلقات نارية حية يُطلقها أحدهم فى الهواء.. فيقول صدام «دى تجربة، بيجربوا السلاح، إمبارح كانت الشرطة موجودة ومحدش اتقبض عليه بعد ما قامت معركة ما بيننا»، يشرح ما حدث والفخر والثقة فى عينيه: «محدش يقدر يقرب عندنا».

يعود بالذاكرة إلى الماضى عندما كان عمره ١٦ عامًا، حيث تم إلقاء القبض عليه هو ومجموعة آخرين مطلوبين للعدالة: «كنت عيل وقتها فى الإعدادية، جت دورية الشرطة، وكان فى ضرب نار جامد فى المنطقة واتقبض علىّ أنا وناس كتير من الأهالى، بس أنا أخدت براءة وتم إخلاء سبيلى من سراى النيابة».

تغيرت ملامح وجهه فجأة، قبل أن يستدرك: «حياتى اتشقلبت، لقيت الناس بتعمل فىّ بلاغات بسبب اسمى، أخدت شهرة وسمعة إنى مُجرم وبهاجم الناس وكل ما أى حاجة تحصل يقولوا صدام حسين، وأنا مليش ذنب».

لم يكن يُريد أن يسلك هذا الطريق، لكن الظروف والقدر صنعته، فمع كل عمل إجرامى كانت الاتهامات تشير إليه، حتى بلغت قضاياه ٧٢ قضية بين سرقة واتجار مخدرات وسلاح، وتهجم واعتداء على مواطنين، وعندما تعب «صدام» من الهروب المستمر والمُطاردات، قام بتسليم نفسه إلى قسم شرطة كوم أمبو، وتمت محاكمته على جميع القضايا وتبرئته منها، لكنه خرج مرة أخرى ليعود لنفس الدائرة وتبدأ القضايا فى مُلاحقته مُجددا، حسبما قال.

عاش «صدام» مع «مطاريد الجبل» ومع تُجار المخدرات والسلاح هربا من القضايا التى لاحقته منذ سن ١٧ وحتى بلغ ٢٠ عامًا، بعدها قرر تسليم نفسه للعدالة «بعد ما زهقت من المُطاردات، روحت القسم وقولتهم أنا صدام حسين اللى بتدوروا عليه».

وبحسب «صدام»، فإن أحد الضُباط استقبله، وقرر أن يستمع لقصته، وبعد أيام، وهو لا يزال محبوسًا فى القسم، تقدم أحد الأشخاص ببلاغ ضده يتهمه فيه بسرقة أمواله وسيارته، ودار هذا الحوار:

- الضابط: إيه اللى حصل معاك؟

- مقدم البلاغ: صدام وقف عربيتى وسرقها وخد ١٧ ألف جنيه.

- أيوة أنا شوفته بعينى ومقدرتش أعمل حاجة.

فى نفس اللحظة يدخل «صدام» ويوجه حديثه إلى مقدم البلاغ: «أنا صدام، لو كنت تعرفنى كنت شاورت علىّ وعرفتنى من شكلى لكن إنت كداب».

الضابط: «صدام محبوس فى القسم من فترة، إنت راجل كداب وانا هاعمل فيك محضر إزعاج سُلطات، واتهام أشخاص بالزور والباطل».

هكذا يحكى «صدام» سيناريو ما حدث له داخل قسم كوم أمبو عندما قرر تسليم نفسه لينال البراءة بعدها من جميع القضايا، إذ كان المواطنون يتقدمون ببلاغات ضده فى حوادث التعدى والسرقة.

خطف حبيبته من أهلها وتزوجها

يقول صدام: «عشت فترة كويسة مع أهلى لغاية ما حصل حاجة غيرت الطريق ورجعتنى تانى وللأسوأ، وللأسف دخلت طريق مش طريقى فى تجارة المُخدرات عشان الظروف ضدى والناس هيا اللى عايزانى أبقى كده، توقعى أى شىء ممكن يحصل واحنا قاعدين، حد مثلًا يلمحنى ويكون مُخبر يبلغ عنى، مفيش أمان وأنا فى حالة دفاع عن النفس».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل