المحتوى الرئيسى

فلسفة العالم الثالث | المصري اليوم

01/04 03:36

توقفت أمام ما قاله أحد الباحثين أو المفكرين: «شعوب العالم الثالث لا تثور إلا عندما تستريح»، قلت: بالتالى يجب أن تظل فى حالة تعب ومعاناة مع الحياة طوال الوقت حتى نضمن الهدوء والاستقرار، إذن هى نظرية الاستقرار بالجوع، رد بكل ثقة: بالظبط كده، قلت: ولكن الكبت فى نهاية الأمر يولد الانفجار، قال: فى الغالب كل ٣٠ عاماً، وأحياناً ٥٠ عاماً، تكون الدنيا غير الدنيا، والنظام غير النظام، قلت: ولكنه رهان خاسر، أو بمعنى أدق، بئس الرهان على تجويع الناس ومعاناتهم، ولا يمكن القبول به على أرض الواقع.

ليست هذه المرة الأولى التى نسمع فيها مثل هذه النظرية فى حكم شعوب العالم الثالث، والتى يحلو للبعض ترديدها، هى نظرية ليست مدونة بالكتب، ولا مؤرخ لها فى الماضى، ولا يمكن أن تكون دليلاً إلى المستقبل، هى أيضاً ليست نظرية اقتصادية، ولا يمكن أن تكون سياسية، هى بالتأكيد نظرية أمنية، من مجمل متابعات وتقارير أجهزة بعينها بالتنسيق مع علماء نفس، ونخبة رديئة، ممن يمكن أن نطلق عليهم قوى الشر الحقيقية، ذلك أن التعليم الأكاديمى الطبيعى لا يمكن أن يفرز مثل تلك العينة من المسؤولين أو المفكرين، إنما هى النفس غير السوية، أو غير المطمئنة.

قد تكون كل الملابسات أو الممارسات أمامنا فى الدول المتخلفة تؤدى إلى هذه النتيجة أو إلى هذا الهدف، الغلاء يطحن البعض، الفقر يقضى على البعض الآخر، العناء والتعب والمشقة والكد عوامل مشتركة، فى الوقت الذى يشاهد فيه الناس نفقات باهظة على مشروعات قد لا تتعلق أبداً بحل أزماتهم، ولم تكن نتيجة حوار مجتمعى، بما يؤكد أن القرار يقف وراءه هؤلاء الذين يؤمنون بمثل هذه النظريات.

الاعتراف يصبح صريحاً بافتقاد التعليم الجيد، ومنظومة العلاج المناسبة، والتشغيل والتوظيف، وحل مشكلة البطالة، والإسكان اللائق، وحياة معيشية آدمية، كما الاعتراف يصبح صريحاً بعدم التحضر كالآخرين، بالتالى يجب عدم الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان، على اعتبار أنها ليست حقاً للشعوب المتخلفة، حتى التفسيرات لهذه المسألة المتعلقة بحقوق الإنسان تصبح فضفاضة، تصبح محلية خالصة، لا تنطلق مما تعارفت عليه الأمم، ولا مما تعارفت عليه المنظمات الدولية فى هذا الشأن.

فى عالم البشر، يتسبب الفقر فى انتشار كل أنواع الجرائم، وفى عالم الحيوان يتسبب الجوع فى أن يأكل القوى الضعيف، إلا أنها فى كل الأحوال تصبح غابة، حياة البشر تتحول إلى غابة، كما حياة الحيوان تماماً، البقاء فيهما للأقوى، تتوارى الإنسانية فى الأولى، ويختفى الهدوء فى الثانية، لا أمن فى هذه ولا أمان فى تلك، حتى الفتوة أو الكوماندة فى عالم البشر لن يكون آمناً أبداً، كما ملك الغابة أو الأسد فى عالم الحيوانات تماماً، هى حياة الفوضى والقتل، وسفك الدماء، والسرقة، والاختلاس، والرشوة، والتشرد، والخطف، والاغتصاب، وهو ما يتطلب تعليق العمل بالدستور والقانون فى أى مجتمع، أسوة بتعليق الحدود الشرعية، أو حد السرقة فى حياة الخليفة العادل عمر بن الخطاب.

قبل عدة أسابيع توقفت أمام حادثتين، شهدت الأولى منهما شوارع مدينة دمنهور، هى واقعة غريبة من نوعها، عندما أقدم مواطن على إشعال النار فى سيارته كرد فعل على قيام ضابط مرور بتحرير مخالفة للسيارة بسبب الوقوف فى الممنوع، الثانية مشابهة تماماً بشوارع مدينة الزقازيق، عندما أقدم سائق توك توك على التصرف نفسه، وللسبب نفسه، الواقعتان تشيران إلى تطور التعامل مع حالة الفقر بمزيد من الفقر، وليس بمواجهته أو مقاومته فى محاولة للوصول إلى حالة معيشية أفضل، وتؤكدان أن الروح قد بلغت الحلقوم، لم يعد هناك فرق بين الحياة والموت، أو بين الفقر والغنى، النتيجة أصبحت واحدة، أحياء كالأموات.

ما هو المطلوب من شعوب أصبح حالها كذلك، ماذا ننتظر من إنتاج، ماذا ننتظر من انتماء، ماذا ننتظر من إحساس بالمسؤولية، ماذا ننتظر من ضمير، هذه هى الأسئلة التى كان يجب أن يجيب عنها أصحاب مثل تلك النظريات المتعلقة بأهمية الفقر فى حياة المواطن كركيزة أساسية لاستمرار هذا النظام أو ذاك، أو كشرط للاستقرار واستتباب الأوضاع.

بالتأكيد هذه النظريات تحتاج إلى إعادة نظر من كل الوجوه، تحتاج إلى ثورة فى تصحيح المفاهيم والأولويات التى يجب أن تضع على عاتقها مصلحة المواطن أولاً، رفاهيته ورخاءه كطريق وحيد لتحقيق الأمن والأمان، كطريق وحيد للاستقرار السياسى، كطريق وحيد لمواجهة الداخل والخارج فى آن واحد، والأهم من ذلك اعتبارها السبيل الوحيد لدرء الفتن والقضاء على الإرهاب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل