المحتوى الرئيسى

سمير غريب: التراث العمراني مهدد بالاندثار ومعوقات جهاز التنسيق الحضاري لا تعد ولا تحصى

01/03 21:30

عرضت على التليفزيون فى عهد أنس الفقى برنامجًا عن التنسيق الحضارى.. فقالوا لى: «تدفع كام؟»

يعرف سمير غريب الرئيس الأسبق لجهاز التنسيق الحضارى، ما يعنيه هذا المفهوم جيدًا، فهو كاتب له باع طويل فى الفن والثقافة، واختاره فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، كمستشار فنى، ثم أسندت له مهمة إدارة صندوق التنمية الثقافية عقب تأسيسه فى ١٩٩٠.

«غريب» شارك فى تأسيس «جهاز التنسيق الحضارى» وتولى رئاسته عقب افتتاح مقره فى ٢٠٠٤ واستمر به حتى ٢٠١٤، ورغم أن دور الجهاز هو الحفاظ على التراث المعمارى فى مصر، فإن الواقع يشير إلى أن شيئًا من هذا لم يتحقق، وهو ما يدعو إلى الوقوف على جدوى الجهاز نفسه.

■ فى البداية.. كيف تُقيّم عمل جهاز التنسيق الحضارى فى فترة توليك رئاسته طوال ١٠ سنوات؟

- منذ ٢٠٠٤ حتى ٢٠١٤، انقسمت تلك الفترة إلى ٣ فترات، أولاها التأسيس: فبعد عودتى من روما طلبت من وزير الثقافة حينها فاروق حسنى تأسيس الجهاز، وثانيتها هى «التقنين» أو ما تسمى بـ«فترة التشريعات» التى تم فيها وضع مرجعيات قانونية ولوائح سواء على المستوى المالى أو الإدارى أو الفنى فى تخصص الجهاز.

أما الفترة الثالثة فتركزت على تنفيذ المشروعات، ووضعنا خطط تنفيذ تلك المشروعات خلال الـ٣ فترات، وكانت بسيطة فى البداية، لكنها تطورت مع الوقت وتوسعت لتشمل عدة محافظات.

■ ما المعوقات الرئيسية التى واجهتك أثناء توليك رئاسة الجهاز؟

- المعوقات لا تعد ولا تحصى، والجهاز لم ينجح فى تحقيق أهدافه حتى الآن، ولا يوجد أى دليل على أنه حقق أى نجاح منذ تأسيسه، فالعمران تعرض إلى عدة تعديات، فضلًا عن تشويه معظم تماثيل مصر أثناء فترة «٢٥ يناير»، كما أن كل المشروعات التى تم تطويرها عن طريق الجهاز ــ سواء أثناء فترة رئاستى له أو بعده ــ لا يظهر عليها أى علامات للتطوير.

«التنسيق الحضارى» ليس جهازًا حكوميًا، ويجب أن يكون مشروعًا قوميًا، وكنت قد تحدثت أكثر من مرة عن ذلك، وكتبت إلى رئيس الوزراء ووزير الثقافة فى مذكرات رسمية، وطالبت أن يكون الجهاز مشروعًا قوميًا تتبناه وزارة الثقافة أو الإسكان. الجهاز يتبع وزارة الثقافة وينفذ مشروعاته فى المحافظات وهى تحت سيطرة محافظين، لذا فإن العمران ليس مسئولية وزارة الثقافة وحدها، وإنما مشكلة مجتمع ودولة أيضًا.

■ كم كانت تبلغ ميزانية الجهاز أثناء فترة توليك رئاسته.. ومن كان يموله؟

- لا أتذكر تحديدًا، وأعتقد أننا بدأنا بـ٣ ملايين جنيه ونصف المليون، وبعد ذلك وصلت الميزانية إلى ٥ ملايين جنيه، وكان بالتأكيد غير كافٍ، لأن معظم هذا المبلغ كان ينفق على الرواتب والأجور والصيانة، وتحديدًا ثلاثة أرباع المبلغ، وكانت المشروعات لها الربع أو الثلث فقط، وتعد تلك النقطة أيضًا من ضمن المعوقات التى كانت تواجه الجهاز.

■ تبنيت أثناء عملك تفعيل قانون «تجريم التعدى على المبانى التراثية».. إلى أى مدى تم هذا التفعيل؟

- أولًا.. أنا غير راضٍ تمامًا عن هذا القانون، لأن الجهاز لم يكن صاحب السلطة المطلقة فى صياغته، لكن تدخلت لجان مختلفة تضم شخصيات غير متفهمة وأصحاب مصالح فقط، كما أنه فى ظل هذا القانون لم يتوقف هدم التراث المعمارى، بل على العكس، زادت معدلات الهدم.

وكنت اتفقت مع وزير الإسكان ــ أثناء فترة رئاستى الجهاز ــ على تغيير هذا القانون، وشكلنا لجنة مشتركة، لكننى غادرت الجهاز قبل تغييره، ولم يتغير حتى الآن، كما اتفقت معه أيضًا على تعديل بعض أحكام قانون البناء الموحد رقم «١١٩ لسنة ٢٠٠٨»، وشكلنا لجنة مشتركة ولم يتغير أيضًا، والقانونان بهما أوجه قصور عديدة يجب حلها لحماية العمران ذاته وليس الجهاز.

■ ما أبرز ما سجله الجهاز عن التعديات على المبانى التراثية أثناء توليك رئاسته.. وما تقييمك لأدائه بعد أن تركته؟

- كانت هناك عدة مخالفات أبرزها هدم المبانى التراثية، وهى لا تعد ولا تحصى، ولا يمكننى تقييم أداء الجهاز الآن، لكن يمكننى أن أقول إننى أُصبت بصدمة شديدة من أحوال العمران أثناء فترة رئاستى الجهاز، فلم أكن أعلم بأنها متدهورة بهذا الشكل، وازدادت تلك الصدمة بعد تركى الجهاز وحتى الآن.

على سبيل المثال محافظة الإسكندرية تحولت إلى نموذج كارثى وشهدت تدهورًا شديدًا فى العمران، ويعود ذلك إلى تغير المجتمع السكندرى، لذا أكرر أن الجهاز لا بد أن يكون مشروعًا قوميًا، ولا بد من تغيير ثقافة المجتمع، فالتنسيق الحضارى يرتبط بفكرة التقدم، التى هى مرتبطة بالناس.

كما أن الحكومات المتعاقبة منذ بداية حكم أنور السادات، لا يدركون أهمية التعليم والثقافة فى تغيير المجتمع، فبالتالى تدهور التعليم والثقافة، وأصبح المجتمع الذى نعيش فيه متخلفًا، ويعيش فى كوارث تظهر فى تلك الفترة على كل المستويات وليس على مستوى العمران فقط.

عندما فكر فاروق حسنى فى جهاز التنسيق الحضارى، كان يرغب فى سد ثغرة من ثغرات التخلف بمجال العمران، لكنه لم يدرك أن ذلك لا يحدث عن طريق جهاز، لأنها ثغرة مجتمعية، لكن لا بد أن نشكره أنه نبهنا إلى ما يسمى بـ«التنسيق الحضارى» وأهمية التراث وتجميل المدن والقرى، وتطبيق عناصر العمران المتحضر، لكن التنبيه وحده لا يكفى.

■ صرحت من قبل بأن هناك مواقع مصرية مهددة بالخروج من قائمة«اليونسكو».. فلماذا؟

- نعم.. كان ذلك أثناء الحديث عن «القاهرة التاريخية» بسبب التعديات التى تعرضت لها، وكانت واحدة من ضمن المعوقات التى تواجهنى أثناء رئاستى الجهاز هى كيفية حمايتها، وكنت قد عملت مع «اليونسكو» فى تلك الفترة لوضع معايير للحفاظ على معمارها، وكانت هناك لجنة مشتركة بيننا، وأرى أن مصر ــ من المفترض ــ أن تكون موجودة وبقوة فى قوائم التراث العالمى، لكن للأسف الشديد فالتراث العمرانى فى مصر يكاد يندثر.

■ ما دور الجهاز تجاه الاعتداء على المبانى الأثرية.. وما دوره بالنسبة للبناء والإنشاءات الجديدة؟

- لا يستطيع الجهاز القيام بأى دور أكثر من طاقته، ويرجع ذلك للقانون الناقص الذى يحكمه، فضلًا عن أن هناك بعض المحافظين والمسئولين لا يعرفون ماذا يعنى التنسيق الحضارى.

■ هل الجهاز مطالب بالتنسيق مع المحليات ووزارة الإسكان لتفعيل دوره؟

- أعتقد أن هناك تعاونًا بين الجهاز وعدة هيئات كالمحليات ووزارة الإسكان، ولكن هذا التعاون محدود للغاية، كما أننى فى الحقيقة لست متابعًا لأنشطة الجهاز منذ تركى له فى ٢٠١٤.

وفى عهد أنس الفقى بوزارة الإعلام، كنت قد قابلت رئيس مجلس الأمناء باتحاد الإذاعة والتليفزيون واقترحت عليه أن يكون هناك برنامج يذاع على القناة الأولى أو الثانية فى التليفزيون بالتعاون مع الجهاز، لمدة ٥ دقائق يوميًا أو لـ٥ أيام فى الأسبوع، عن التنسيق الحضارى، ولو تحقق هذا البرنامج لكانت الناس عرفت ما هو التنسيق الحضارى، فكان رده: «تدفع كام؟»، رغم أن الطرفين تابعان للحكومة.

■ أزمة العشوائيات.. كيف يمكن حلها؟

- أعددنا فى جهاز التنسيق الحضارى أدلة إرشادية فى جميع مجالات العمران المصرى، ومنها دليل لتطبيق أسس ومعايير التنسيق الحضارى فى المناطق العشوائية، لكن أول من رفض هذا الدليل كان أحمد نظيف رئيس الوزراء حينها، وكان رده أن ذلك من اختصاص صندوق تطوير العشوائيات، وليست للجهاز علاقة به.

نشاط صندوق تطوير العشوائيات يقوم على إزالة المناطق العشوائية وإعادة البناء من جديد، مثل «مساكن زينهم»، وأرى أن ذلك يعد حلًا جذريًا لا يمكنهم القيام به فى جميع المناطق العشوائية، فهناك الآلاف من تلك المناطق، لذا فحل أزمة العشوائيات أمر فى غاية الصعوبة.

■ كتبت فى عقد التسعينيات عن «حيوية مصر».. كيف يمكننا تجديد حيوية مصر؟

- القوى الناعمة أهم من القوى الصلبة فى تقدم الشعوب والمجتمعات، والتقدم يأتى يعد عملية متكاملة، فلا يمكن تطوير التعليم فى حالة وجود فساد فى المجتمع، كما أنه لا يمكن نشر ثقافة الديمقراطية مع انتشار الأمية، فالتغيير الجذرى للنظام يتطلب تحقيق هذا التقدم، وليس تحقيق مصالح خاصة لفئة أو طبقة معينة، والحقيقة أن تجديد حيوية مصر أمل بعيد المنال، وأرى أن تحقيقه على المدى القريب لن يحدث إطلاقًا، إنما على المديين المتوسط أو البعيد، من الممكن أن يحدث.

■ الفن التشكيلى جزء أصيل فى فكر ووجدان سمير غريب.. أين موقعه من التنسيق الحضارى؟

- للأسف لا يوجد تنسيق حضارى من الأساس ليكون هناك مجال للفن التشكيلى، ومن ناحية أخرى فهناك فنانون تشكيليون كبار وشباب أيضًا يجرون تغييرًا جذريًا، لكن لا وجود لحركة نقدية للفن التشكيلى فى مصر، تسلط الضوء على هؤلاء الشباب والتواصل معهم.

■ التطرف وتجديد الخطاب الدينى والحروب التى تريد أن تنال من مصر حضاريًا.. كيف تنظر لتلك القضايا؟

- كل تلك القضايا بالنسبة لى هى قضايا ثقافية من الدرجة الأولى، وسياسية من الدرجة الثانية، وأتابع جذور تلك القضايا منذ عام ١٩٨٠، كما أنها ظهرت جلية مع اغتيال أنور السادات، وفى الحقيقة أن السادات راح ضحية ما فعله لأنه كان السبب فى عودة الإسلام السياسى للعمل على الساحة، وهو الذى أتاح للجماعات الإسلامية أن تظهر وتعمل فى المجتمع.

ولمواجهة تلك القضايا لا بد من انتشار التعليم والثقافة على مستوى سريع جدًا، كما أن هناك مشكلة كبرى فى مجتمعنا وهو الأزهر، فلا بد من مواجهة جذرية معه، لذا أرى ضرورة إلغاء التعليم الأزهرى ضمن الحرب على الإرهاب والتطرف، خاصة التعليم ما قبل الجامعى فى المعاهد الأزهرية، كما أرفض أى تعليم يقام على أساس دينى.ماذا عن قصر

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل