المحتوى الرئيسى

زوجات أمْ جاريات؟

12/16 21:32

قال صاحبي مستغربا: واي رجل يقبل زواجا تُكتب في صحيفة عقده مثل تلك الشروط؟

قلت احاوره: ما دامت شروطا لا تخالف دينا ولا منطقا، وتستقيم معها حياة الزوجية، فلم عساه لا يقبلها؟

قال: ولكنها مع ذلك تظل شروطا ثقيلة وتخالف اعراف الناس.

قلت: نعم، قد تخالف الاعراف، غير انها توافق الشرع الذي انزله الله الينا حتى ينظم حياتنا على الوجه الامثل.

ثم الم يكن تغليب العرف على الشرع سببا لانقلاب كثير من مظاهر الافراح في صالات الاعراس الى مآتم لطم وندب على الحظ العاثر للبنات لاحقا في بيوت الزوجية، حين يتبين ان العريس عندما قدم خاطبا كان يبطن غير ما يظهره من وداعة طبع واستنارة عقل، وتسليم بشرع الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم..

وتلك كما تعلم، خصال يحرص كل خاطب على اظهارها عند المواجهة الاولى مع اهل الفتاة، ويا حسرتاه، يتضح غالبا بعد الزواج انها كانت طعما القاه الى البنت واهلها حتى ينال مبتغاه، ثم لا يلبث ان يكشف عن عقلية ترى المرأة جارية مسخرة لخدمته وتلبية رغباته واشباع شهواته، ودون ان يكون لها حق سوى حق الطاعة، وان جلد ظهرها واكل مالها.

ولنتداول الامر على هدي المبدا الذي قرره الله سبحانه وتعالى في قوله "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"..

والمعروف هو الذي يصفه تعالى بقوله "الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ"، بمعنى القيم الفضلى وليس الاعراف والتقاليد كما قد يذهب اليه ذهن الكثيرين.

وعليه، فاذا كان فقه الشرع -مثلا- لا يجيز للمرأة الخروج من بيتها بغير اذن الزوج، فان من تساوي الحقوق ان لا يخرج هو ايضا بغير اذنها وفقا لمبدأ "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ".

قال صاحبي: اراك شططت، فهات كلاما غير هذا..

قلت: يقينا ان مذهبي في هذا الامر يمجّه الرجال ممن اعماهم العرف عما يأمر به الشرع، حتى استمرأوا اتباع الهوى والضرب صفحا عما اراده الله، بعدما ثملوا من قناعتهم الزائفة بتفوق الذكر ودونية الانثى.

ثم دعني اتفكر معك في الشروط الاربعة التي حدثتك عنها واشرحها لك حتى تكون على بصيرة من مقاصدي:

الاول هو ان لا يمنعها زوجها من الخروج الى العمل، لان حرمانها من ذلك يعني سلبها اهم ضمانات استقلالها وامانها من غوائل الدهر. وهذا امر بات بدهيا في ايامنا هذه بحكم ضيق عيش الذي يحتم على الزوجين التعاون في الانفاق على البيت، وصار هناك شبه قبول عام بهذا الواقع.

اما الشرط الثاني، فيمنعه من التفريق بينها وبين اولادها باي حجة او ذريعة مهما كانت، وانا لا اقصد الحضانة فحسب، فكما تعلم، هناك من ازواج يتعمدون حرمان الام من الاجتماع باولادها بعد الطلاق من باب النكاية، ما يضطرها الى اللجوء للقضاء حتى يمكنها من لقائهم، وان تسنى لها ذلك، فيكون وفقا لمواعيد زمانية مقيتة وظروف مكانية مهينة.

ثم ويحك، اترضى ان تنفصم صلة الرحم المقدسة بين الام واولادها لمجرد تهمة -سواء بحق او باطل- رماها بها الطليق امام القاضي؟ ..الم تقرأ قول الله تعالى "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا"، فما بالك بالام تدفع ابناءها الى الشرك ومع ذلك يأمرهم الله بان يديموا وصلها.

وما ابتغيه هو تجريد بعض الازواج مما درجوا على استخدامه سلاحا يقهرون به زوجاتهم او طليقاتهم حين تقع بينهم الخصومة، من اجل اذلالهن او ارغامهن على التنازل عن بعض حقوقهن او كلها.. والشواهد بلا حصر..

نصل الى الشرط الثالث، وهو ان لا يتزوج عليها الا باذنها، وهذا يثبت لها حقا في رفض مقاسمة زوجها مع امراة اخرى، وهو امر لا يعارضه المنطق ولا الشرع ان ارتضاه الطرفان.. الم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا".

وايضا من منطق الامور ان الفتاة عندما تتزوج - وخصوصا من اعزب- فهي تضع نصب عينيها تكريس نفسها له بالكلية كزوج، اي ان تكون امرأة واحدة لرجل واحد. ومن الانصاف ان تتوقع منه المثل، لا ان تحظى بنصف او ثلث او ربع رجل! تبعا لعدد الزوجات اللاتي قد يدخلهن في حظيرته.

فهو سيظل في كل الاحوال رجلا واحدا، وعندما يهب يومه لزوجته كما تفعل هي معه، فحينها يكون الامر متعادلا، فان تزوج عليها واحدة، فلن يستطيع منح اي منهما اكثر من نصف يوم، وان كن ثلاثا فثلث يوم، وان اربعا فربع يوم، بمعنى ان كلا منهن ستحظى بربع رجل.

وما اعنيه باليوم ليس عدد الساعات، بل ما تتضمنه من عاطفة ورعاية واهتمام، وسوى ذلك مما لا تستقيم الحياة الزوجية من دونه، وليس فقط المساواة في النفقة والمبيت. ومهما اجتهد الزوج وفعل، فانه لن يكون منصفا وعادلا بين ازواجه -"وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ"-.

وعلى هذا، فمن حقها رفض الظلم سواء لنفسها، او لغيرها بسببها؟ ولا احسب منصفا يجحدها حق قبول او رفض زواجه عليها، وان تشترط ذلك في عقد الزواج.

ناتي اخرا الى الشرط الرابع، وهو ان تكون عصمة تطليق نفسها بيدها. وطبعا ستقول ان هذا مما لم يألفه كثير من الناس ولا يلقى القبول عندهم.

وحتى اميط لبسا قد يرد الى الافهام، فما اعنيه ليس ان يكون لها حق تطليقه، وانما تطليق نفسها منه، والفارق كبير كما يمكن ان ترى.

وهذا الشرط عندي مقدم على ما سبقه من شروط، وبغيره لا يكون الزواج متكافئا تأسيسا على قاعدة تساوي الحقوق والواجبات التي اقرها الله تعالى في كتابه عندما قال "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"..

فانه لما كان من حق الرجل تطليق زوجته متى شاء ودون ان يكون مطالبا بابداء اسباب، فهذا الحق قد استحال حكما في يده الى سيف مسلط على رقبة الزوجة، والتي تضطر الى افناء عمرها في ارضائه حتى لا يلقيها في جحيم المطلقات.

كما ان انفكاكها منه اذا ما كرهت العيش معه لسوء معاملته او طبعه، لن يكون امرا سهلا اذا كان من صنف الرجال الذي يستمرئ العيش مع امرأة تمقته، واصر على حرمانها من الطلاق اضرارا وانتقاما. ولا يخفى ان لجوءها الى القضاء لتخليص نفسها دونه اراقة الكرامات وابتزاز الحقوق.

وعلى هذه الشاكلة، فالحياة الزوجية تغدو علاقة بين سيد وجارية، لا زوج وزوجة، وهنا مكمن التشوه الذي تسبب ولا يزال في انكسار المرأة وتعطيل تطلعاتها الفطرية، والتي تتخلى عنها في غمرة انشغالها في السعي لادامة رضى السيد.

هذه العلاقة القائمة على السيادة المطلقة للرجل، والخوف المقيم عند المراة، لا يمكن ان تثمر حياة اسرية قويمة، لانها تفتقر الى التوازن النفسي والوجداني، والذي هو "السكينة" كما افهمها في قوله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا".

ولا يتحقق التوازن بغير المساواة في الحقوق، واهمها منح الزوجة حق تطليق نفسها، ودون ان ينتقص ذلك شيئا من حقوقها،

وبتمكينها من هذا الحق تصبح حياتها مع زوجها امرا تمليه ارادتها الحرة وقناعاتها الخالصة، كما ان الزوج عندما يتيقن من مقدرتها على تطليق نفسها متى شاءت، فسوف يبذل ما في وسعه حتى لا تكره العيش معه، هذا ان كان راغبا فيها ومتمسكا بها.

وهل هناك اصلح من حياة بين زوجين يكرس كل منهما نفسه للاخر بارادته ورغبته الحرتين، وبعيدا عن القهر والتسلط.

نرشح لك

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل