المحتوى الرئيسى

ثانى أقدم مكتبة فى العالم تزين دير سانت كاترين | المصري اليوم

12/15 17:46

هى ثانى أعرق وأقدم مكتبة على مستوى العالم بعد مكتبة الفاتيكان، ويرجع تاريخها للقرن السادس الميلادى، وتتكون من 3 غرف، كانت الوسطى مجلساً للرهبان من قبل، وتضم مجموعة فريدة من الوثائق والمستندات الدينية والتاريخية.. إنها مكتبة سانت كاترين، التى يحتفل الدير بافتتاحها اليوم بحضور عدد كبير من الوزراء والسفراء، وشملت أعمال تطوير المرحلة الأولى بها ترميم المخطوطات والكتب النادرة وأعمال التغليف والفسيفساء بهدف تأمينها على أعلى مستوى لتليق بالمكانة العالمية للدير.

عن أهمية المكتبة وبنائها المعمارى يقول الخبير الأثرى الدكتور عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى بوزارة الآثار، إن المكتبة تعد وحدة معمارية داخل الدير، لما لها من أهمية كبيرة لدى الرهبان من الناحية الروحية والعلمية، حيث يقضون معظم أوقاتهم فى قراءة الكتب الدينية وتقع المكتبة فى الدور الثالث من بناء قديم جنوب كنيسة التجلى، ومكونة من 3 غرف فى صف واحد، وكانت الحجرة الوسطى من قبل مجلساً للرهبان، ويعود تاريخها للقرن السادس الميلادى.

ويضيف «ريحان»، خلال لقائه مع «المصرى اليوم»، أن المكتبة تحوى 6 آلاف مخطوط- بالإضافة لألف كتاب حديث- منها 2319 مخطوطاً يونانياً و284 مخطوطاً لاتينياً، و600 مخطوط عربى، و86 مخطوطاً جورجيانياً، بجانب المخطوطات السوريانية والقبطية والإثيوبية والسلافية والأمهرية والأرمينية والإنجليزية والفرنسية والبولندية، وهى مخطوطات دينية وتاريخية وجغرافية وفلسفية، وأقدمها يعود للقرن الرابع الميلادى، وبعض هذه المخطوطات كتبت فى سيناء، وبعضها من فلسطين وسوريا واليونان وإيطاليا، وبعضها يحمل أسماء الناسخين دون الإشارة لمكان، مثل سليمان الشماس وجورج ونيكولاس فى القرن الثانى عشر والثالث عشر الميلادى، موضحاً وجود ألف وثيقة بالمكتبة تحمل تطور الخط العربى الديوانى بين القرنين الثانى عشر والتاسع عشر الميلادى.

ويتابع: «المخطوطات العربية الـ600 تتناول دراسات تمتاز بقيمتها فى النواحى العلمية والتاريخية والفلسفية والفكرية والثقافية، وأهم ما يلفت النظر فى معظم المخطوطات العربية ذات الطابع المسيحى هو وجود التأثيرات العربية الإسلامية، حيث إن كثيراً من المخطوطات العربية المسيحية تستهل بالبسملة وتختتم بالحمد لله وتؤرخ بالتقويم الهجرى، والأمثلة على ذلك كثيرة، إذ تبدأ أسفار الكتاب المقدس عند المسيحيين فى كثير من المخطوطات كالآتى (بسم الله الرحمن الرحيم نبتدى بعون الله ونكتب أول سفر) كما أطلق على كثير من الرسل والقديسين المسيحيين اسم (المصطفى) بدلاً من كلمة البشير أو الإنجيلى، كما ازدانت كثير من تلك المخطوطات وغلفت بنقوش ورسوم وزخارف على هيئة طيور وأزهار وتوريقات نباتية وإطارات على النسق العربى».

ويقول «ريحان» إن المكتبة تضم مخطوط التوراة اليونانية المعروفة باسم (كودكس سيناتيكوس) أقدم نسخة للتوراة، وهى نسخة خطية غير تامة من التوراة اليونانية، كتبها أسبيوس، أسقف القيصرية عام 331م، تنفيذًا لأمر الإمبراطور قسطنطين، ثم أهداها الإمبراطور جستنيان للدير عام 560م. ويوضح «ريحان» أن النسخة ظلت بدير سانت كاترين حتى اكتشفها فى الدير العلاّمة الروسى (وقيل أيضًا ألمانى) تشيندروف عند زيارته للدير أعوام 1844، 1853، 1859 وبعد الزيارة الأولى عام 1944 أخذ أوراقاً عديدة من المخطوط إلى جامعة ليبزج، والجزء الأكبر من الوثيقة حصل عليه تشيندروف فى رحلته الأخيرة عام 1859، وهى التى قدمها إلى الإسكندر الثانى قيصر روسيا، وحفظت بمدينة سان بطرسبورج بأمر القيصر الروسى، وأعيد نسخها وأرسلت نسخة لدير سانت كاترين، وفى عام 1933 باعتها الحكومة الروسية للمتحف البريطانى بمبلغ مائة ألف جنيه إسترلينى.

ويشير ريحان إلى أنه تقدم بمذكرة رسمية علمية منذ عدة سنوات للمجلس الأعلى للآثار بشأن عودة هذه المخطوطة من روسيا وألمانيا طبقا للقانون رقم 8 لسنة 2009 الخاص بحماية المخطوطات، ونص المادة الأولى من هذا القانون «يُعد مخطوطًا فى تطبيق أحكام هذا القانون كل ما دّون بخط اليد قبل عصر الطباعة أيًا كانت هيئته متى كان يشكل إبداعًا فكريًا أو فنيًا أيًا كان نوعه، وكذلك كل أصل لكتاب لم يتم نشره أو نسخة نادرة من كتاب نفدت طباعته إذا كان له من القيمة الفكرية أو الفنية ما ترى الهيئة (الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ) أن فى حمايته مصلحة قومية».

ويؤكد أن من أهم مقتنيات المكتبة الإنجيل السريانى والوثيقة النبوية، ويوضح ريحان أهمية الإنجيل السريانى المعروف باسم «بالمبسست»، قائلاً إنه يقصد به المخطوط الذى يتكون من طبقتين بالكتابة أو أكثر، الأولى هى الكتابة التى تم محوها، وهى الأقدم، والثانية تنتمى كتابتها إلى تاريخ أحدث، ومادة مخطوط الإنجيل من الرق وهو عبارة عن جلد الماعز أو الغزال، ويعود تاريخ النص الأحدث للقرن الثامن أو التاسع الميلاديين، أما عن النص الأقدم فيعود إلى الفترة ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين.

وكان وزير الآثار، الدكتور خالد العنانى، أعلن منذ أشهر عدة عن اكتشاف قراءات جديدة فى هذا المخطوط فى احتفالية ضخمة بوزارة الآثار، يوليو الماضى، وموضوع المخطوط هو عبارة عن أناجيل للاستخدام فى الكنيسة، وهناك صفحتان من المخطوط بهما رسم لأحد الأعشاب الطبية من وصفة يونانية قديمة يعود تاريخها إلى القرن الخامس أو السادس الميلاديين، كما يحتوى على أجزاء من نصوص طبية يونانية قديمة يعود تاريخها إلى نفس الحقبة، وهذه النصوص تتضمن أجزاء من بحث الطبيب العظيم (هيبوقراط).

ويشير «ريحان» إلى أن الوثيقة الثانية هى العهدة النبوية من النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى المسيحيين، يؤمنهم فيها على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم، مشيراً إلى أن صورة منها محفوظة بمكتبة الدير، بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عام 1517م وحملها إلى الأستانة، وترك لرهبان الدير صورة معتمدة منها مع ترجمتها للتركية.

وأوضح الخبير الأثرى أن العهدة النبوية هى أول وثيقة تضع نظامًا لحرية الإدارة الكنسية بكل أنواعها، سواءً فى الأسقفية أو الكاتدرائية أو المطرانية الخاصة بالأديرة، أو حتى المتعبد داخل صومعته، وحددت ذلك بوضوح (لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته)، كما وضعت أسساً لحماية المقدسات المسيحية والمساعدة فى ترميمها بمنع التعدى على المقدسات المسيحية، ولو تهدمت هذه المقدسات نتيجة عوامل أخرى يحظر على المسلم استخدام أحجارها فى بناء المساجد ومنازل المسلمين، مما يعنى تركها لإعادة استخدامها فى أعمال الترميم، مثل «ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شىء من بناء كنائسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين»، وقد أشارت العهدة لسبب ذلك فى جملة أخرى «ويعاونوا على مرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم».

ويقول «ريحان» إن مبادئ الوثيقة تتضمن مجادلة أهل الكتاب بالحسنى، وأوجبت على المسلمين حمايتهم، وكان الرهبان فى الأديرة هم المسؤولون عن حماية أنفسهم قبل الإسلام، لذلك أنشئت الأديرة محصّنة، وبعد الإسلام وجب على المسلمين حمايتهم (ولا يجادلوا إلاّ بالتى هى أحسن ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا) وفى جملة أخرى (المسلمون يذبون عنهم) أى يدافعون عنهم، ويؤكد ريحان أنه تقدم بمذكرة رسمية علمية للمجلس الأعلى للآثار منذ سنوات بشأن عودة هذه العهدة من تركيا.

ويقول ريحان إن أول دراسة لوثائق مكتبة دير كاترين والأيقونات بالدير بدأت عام 1950ميلادياً، حين قامت بعثة علمية مشتركة من كلية الآداب بالإسكندرية ومكتبة الكونجرس الأمريكية بتصوير أهم المخطوطات والوثائق، وكان على رأس هذه البعثة الدكتور عبدالحميد العبادى، أول عميد لآداب الإسكندرية، والدكتور عزيز سوريال عطية، وقامت البعثة بعمل صور ميكروفيلم لأهم أيقونات الدير.

ولفت إلى أنه فى عام 1963 قامت بعثة جامعة الإسكندرية، وعلى رأسها الدكتور أحمد فكرى، واشترك فيها الدكتور جوزيف نسيم يوسف، الذى زار سيناء مرتين أواخر عام 1963، بدراسة مكتبة دير سانت كاترين وأثمرت هذه البعثات عن دراسات وبحوث نشرت بالمجلات العلمية، مشيراً إلى أن من الباحثين الذين اشتركوا فيها كورت فايتزمان وجورج فورسايث والدكتور عزيز سوريال عطية الذى قام بعمل فهارس كاملة مع دراسة تحليلية للمخطوطات العربية بالدير، وأضاف أنه تم تصوير مليون ورقة مأخوذة من خمسة آلاف مخطوط ووثيقة مكتوبة باثنتى عشرة لغة وقد احتفظت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ومكتبة الكونجرس بواشنطن بنسخ من صور الميكروفيلم.

ويتابع: «الرحّالة دوناتى زار مكتبة دير كاترين عام 1761 ميلادياً، وذكر أن بها عددًا كبيرًا من مخطوطات الرق (الجلد) معظمها يونانى منها ما يحوى حياة القديسين ومخطوطات من القرن السابع الميلادى منها نص للتوراة، وهذا المبنى الذى يتحدث عنه دوناتى هو المبنى الذى شيده مطران سيناء نيكيفوروس مارثاليس الذى يذكر بنفسه أنه رأى المخطوطات متناثرة ومهملة بعضها فى دواليب وبعضها فى القلايات، لذلك عهد لبعض الأشخاص ذوى الثقافة الواسعة بإعادة تجميع وترتيب المخطوطات وأنشأ لها مكتبة خاصة ما بين شهرى مارس ويونيو عام 1734 ميلادياً، ووضع نقشاً تسجيلياً عليها نصه (تم إنشاء المكتبة بفضل مجهودات ودعم مطران سيناء نيكيفوروس وقام بالبناء الراهب فيلوثيوس وسميون عام 1734م لعل القارئ يتذكرهما)».

وعن فسيفساء التجلى، يقول ريحان إنها تغطى الجزء العلوى من نصف قبة شرقية كنيسة التجلى أكبر كنائس الدير، وتصور تجلى السيد المسيح المخصصة له كنيسة التجلى، وتعتبر من أقدم وأجمل فسيفساء الشرق مصنوعة من قطع صغيرة متعددة الألوان وتعود للقرن السادس الميلادى وقت إنشاء الدير، وهى من عمل فنان من مركز حضارى ربما يكون القسطنطينية، والتكوين الفنى للوحة يصور السيد المسيح واقفاً فى وسط هالة بيضاوية الشكل عن يمينه النبى إيليا وعن يساره النبى موسى، كما صور الفنان تلاميذ السيد المسيح القديسين يوحنا ويعقوب راكعين على الجانبين بينما القديس بطرس مستلقى عند قدمى المسيح.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل