المحتوى الرئيسى

سيدة بولاق لن تكون آخرهم.. كل شىء عن الإيدز فى مصر

12/14 22:40

أثارت قصة السيدة العشرينية التى انتحرت فى منطقة «بولاق الدكرور»، الإثنين الماضى، بعد مطالبتها من قبل أهالى الحى الذى تسكن فيه، بترك منزلها، الذى تقيم به مع وزوجها وطفليها، بسبب إصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»، حالة كبيرة من الجدل.

ما حدث للسيدة الشابة فتح ملف ضحايا الإيدز فى مصر، وطريقة تقبل الأوساط المصرية للمصابين بالفيروس، خاصة مع الفكرة التى يحملها معظم أفراد المجتمع المصرى عنهم بأن إصابتهم جاءت نتيجة علاقات جنسية مشبوهة أو إدمان للمخدرات.

«الدستور» تستعرض فيما يلى من سطور، قصصًا لمتعافين من المرض، ومواقف أصدقائهم وأسرهم، إلى جانب الجهود التى تجريها منظمات أهلية فى هذا الصدد، جنبًا إلى جنب مع وزارة الصحة التى تسعى لإعلان مصر خالية من الفيروس قبل ٢٠٣٠.

رئيس «مكافحة الإيدز»: مصاب مُسجّل مقابل 5 غير مقيدين

٣١٠٠ مريض يحصلون على علاج شهرى من وزارة الصحة.. ونسبة الإصابة بين الذكور أعلى من الإناث بدرجة كبيرة

قالت سوسن الشيخ، رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لمكافحة مرض الإيدز بالإسكندرية، إن مرض الإيدز ظهر فى مصر عام ١٩٨٦، مؤكدةً أن «وصمة العار» التى ما زالت تلاحق المصابين هى السبب الرئيسى فى إحجام بعض الشباب عن التوجه لعيادات الفحص والمشورة، ما يهدد المجتمع بتفشى هذا الوباء.

وشددت فى حوارها مع «الدستور»، على أن الإعلام شريك أساسى فى التوعية بأهمية الفحص الطبى، ودعم المرضى ومحاربة المرض، لافتة إلى أن المرض لا ينتقل عبر الهواء كما يشيع البعض.

وأشارت إلى أن المجتمع المصرى والعربى عليه أن يُغيّر نظرته تجاه المرض والمرضى، و«إلا فنحن مقبلون على كارثة حقيقية، إذا علمنا أن أمام كل حالة إصابة مسجلة هناك من ٣ إلى ٥ حالات غير مسجلة».

■ بدايةً.. ما تاريخ ظهور حالات مرض الإيدز فى العالم ومصر؟

- «الإيدز» أو «فيروس نقص المناعة المكتسب»، عُرف عام ١٩٨١، وكان ذلك فى الولايات المتحدة عندما ظهرت أول حالة، فى حين سجلت مصر أول حالة إيدز فى مصر عام ١٩٨٦ وكانت لسيدة من سكان الوجه البحرى، وكان سبب الإصابة كما هو مسجل يرجع لإصابتها بالفيروس خلال عملية نقل دم أثناء الولادة فى أحد المستشفيات بدولة عربية.

■ كم عدد مرضى «الإيدز» فى مصر حاليًا؟

- منذ عام ١٩٨٦، بلغ عدد المرضى والمتعايشين مع المرض حوالى ٨٥٠٠ مريض تقريبًا طبقًا للبرنامج الوطنى لوزارة الصحة، منهم ٧٦١٨ أحياء حتى وقتنا هذا.

وهناك ٣١٠٠ مريض بالإيدز يحصلون على علاج شهرى من وزارة الصحة، بشكل منتظم ومجانى من خلال ١٣ مركزًا صحيًا بالمحافظات، وعمومًا حتى الآن ما زالت نسبة الإصابة فى مصر هى الأقل عالميًا، ومطمئنة.

■ ما نسبة الإصابة بين الذكور مقارنة بالإناث؟

- نسبة الإصابة بين الذكور نحو ٨١٪ مقارنة بـ١٩٪ من الإناث، بينهم ٧٥٪ تقريبًا من عمر ١٥ إلى ٥٠ عامًا.

■ هل هناك مشكلة فى التعامل مع مرض الإيدز فى مصر؟

- للأسف هناك تعتيم إعلامى تام صاحب ظهور المرض عند اكتشافه لأول مرة فى مصر عام ١٩٨٦، كما أن الدراما أبرزت المرض على أنه فاجعة وينتقل عبر الهواء، وغيره من المعلومات الخاطئة، ونتج عن ذلك أن المجتمع أصبحت لديه مفاهيم كثيرة مغلوطة عن الإيدز.

ولم يتحسن الوضع إلا بعد المؤتمر الدولى للسكان عام ١٩٩٤، لأن الإعلام بدأ يسلط الضوء على المرض، وبالفعل بدأت الصورة الحقيقية للمرض تنتشر بين المصريين، وبدأنا نعرف أكثر عن الإيدز، وإن كنا لم نصل للجميع بنسبة ١٠٠٪، ولكن بدأ الإعلام يساند القضية ويقف خلفها، فحققنا نجاحات كبيرة بسبب الإعلام الواعى والمتميز.

■ هل هناك فرق بين المريض بـ«الإيدز» والمتعايش مع المرض؟

- المريض بالإيدز يكون فى حالة إعياء شديد، بسبب تلف جهاز المناعة، أما المتعايش مع المرض فهو إنسان طبيعى ولا نستطيع أن نميزه عن أى إنسان آخر، وقد يعيش لعشرين عامًا أو أكثر، خاصة إذا كان يتناول العلاج الخاص به، ويمتنع عن الممارسات التى تصيب بالمرض.

■ لماذا يرفض المجتمع التعامل مع مرضى الإيدز أو المتعايشين مع المرض؟

- للأسف الشديد، المجتمع ينظر لمريض الإيدز على أنه شخص غير مستقيم أو يمارس عادات غير أخلاقية، وينظر إليه بازدراء شديد، وهو حكم غير صحيح ويمثل خطورة كبيرة على المجتمع، لأن شعور المريض أو المتعايش بهذا الازدراء سوف يحمله على عدم الاعتراف أو الإفصاح عن المرض للمجتمع، وبالتالى ينتشر المرض بين الناس بشكل أو بآخر.

وإذا استمرت النظرة الدونية للمتعايشين مع المرض، سنتعرض لكارثة انتشار المرض دون أن نعرف، لأننا لا نقبل على التحليل خوفًا من «المستقبل الأسود» الذى ينتظر كل من سيظهر عليه المرض، وبالتالى يمكن للمرض أن يتفشى دون أن ندرى، ويصبح من المستحيل وضع أى مخطط استراتيجى لتحجيم الفيروس.

■ ما الحل من وجهة نظرك؟

- لا بد من أن يتقبل المجتمع المتعايشين مع الفيروس، وأن نشجع أولادنا وشبابنا على الفحص، خاصة أن وزارة الصحة تقدمه بشكل مجانى للجميع، وعلينا أن ندعم نشر المعلومات السليمة والصحيحة عن المرض بحيث نصل لكل المصريين.

■ متى يحتاج الإنسان لإجراء تحليل الإيدز؟

- أنصح كل من يدخل فى علاقة جنسية جديدة أو كل من يتعرض لعملية نقل دم غير مفحوص، أو شارك فى حفل مخدرات جماعى بـ«الإبر والمحاقن» إجراء الاختبارات اللازمة بعد مرور شهر على الأقل من تاريخ آخر تعرض لأسباب الإصابة، وإذا كانت نتيجة الفحص سلبية يجب تكرار عمل الفحص بعد ٣ شهور، ويشترط خلال هذه الفترة عدم التعرض لطرق نقل العدوى.

■ وكيف ينتقل المرض من إنسان لآخر؟

- المرض ينتقل من خلال الاتصال الجنسى غير الآمن سواء «الشرجى أو المهبلى أو الفموى» أو من خلال عملية نقل الدم، أو من خلال «إبر الحقن» الملوثة بهذا الفيروس، ويمكن أن ينتقل من الأم إلى جنينها خلال مرحلة الحمل أو الولادة أو الرضاعة أو من خلال أى عملية تعرض أخرى عبر السوائل الجسدية.

وينتقل الفيروس من الأم إلى طفلها داخل الرحم خلال الأسابيع الأخيرة من الحمل وأثناء الولادة، وعلى الرغم من ذلك، فعندما تحصل الأم على العلاج المضاد للفيروسات الارتدادية وتلد طفلها من خلال عملية قيصرية، تكون نسبة احتمالية انتقال الفيروس منها إلى طفلها ١٪ فقط، وحاليًا نجحنا فى البرنامج الوطنى التابع لوزارة الصحة لتقليل النسبة إلى صفر٪.

■ وماذا عن العاملين بالمستشفيات الذين يتعاملون بشكل مباشر مع المرضى؟

- هناك تدابير وقائية ودورات متقدمة تقدمها وزارة الصحة بالتعاون مع المجتمع المدنى لمقدمى الخدمات الطبية للمتعايشين مع المرض، لتقلل من خطر تعرضهم للدم الملوث بالفيروس.

■ كيف يتم كشف فيروس الإيدز؟

- يتم الكشف عن العدوى بالفيروس أو الفيروس نفسه، عبر عينة دم من جسم الإنسان عن طريق اختبار الأجسام المضادة لفيروس الإيدز، فالجهاز المناعى يكوّن أجسامًا مضادة فى الدم لمكافحة أى ميكروب من مسببات الأمراض، وتوجد أجسام مضادة لكل نوع من الميكروبات داخل جسم الإنسان، ويبدأ ظهور الأجسام المضادة بعد حدوث العدوى بفيروس الإيدز بمدة تتراوح من ٤ إلى ١٢ أسبوعًا فى الغالب.

ويتم تحديد نوع الفيروس الذى يجب البحث عنه بطريقة «الإليزا». وفى حالة تحليل الإيدز يتم فحص «البقعة المناعية» إذا كانت نتيجة «الإليزا» إيجابية وذلك للتأكد من النتيجة.

■ ما العوامل التى تؤدى لتطور المرض؟

- هناك عوامل تؤثر على قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد هجوم الفيروس مثل الحالة المناعية العامة للجسم المصاب، فالأشخاص الأكبر سنًا أجهزتهم المناعية أضعف، ولهذا يتعرضون لخطر أكبر بالتطور السريع للمرض أكثر من غيرهم.

كما أن عدم الحصول على الرعاية الصحية الكافية، وإصابة المريض بأنواع أخرى من العدوى مثل الدرن قد تعرض أيضًا الأشخاص المصابين لتطور أسرع لهذا المرض، وتلعب الموروثات الجينية للشخص المريض هى الأخرى دورًا مهمًا، فتكون لدى بعض الأشخاص قدرة على مقاومة سلالات معينة من فيروس الإيدز، والبعض الآخر لا.

- فى المرحلة الأولى نادرًا ما تظهر أية أعراض أو دلائل على الإصابة بالمرض، لكن قد يصاب المريض بأعراض الأنفلونزا العادية ثم تختفى بعد أسبوعين على الأكثر، كما يلاحظ المريض حدوث انتفاخ فى الغدد الليمفاوية، وقد يصاب المريض بطفح جلدى.

وبالنسبة للمرحلة الثانية، فهى غير محددة بوقت زمنى، لأنها تختلف من شخص لآخر، وتتراوح ما بين عام و٩ سنوات، ويكون الفيروس تمكن من جسم الإنسان ودمر مناعته بشكل كبير، وفى هذه المرحلة تظهر بعض الأعراض على المريض، فقد يصاب بالإسهال الشديد، وفقدان سريع للوزن، وارتفاع فى درجة حرارة الجسم، ويشعر المريض كذلك بضيق فى التّنفس.

أما المرحلة الأخيرة من الإصابة، فتبدأ بالأعراض الأكثر خطورة بالظهور على جسم الإنسان بشكل واضح، فيصبح أكثر عرضة للإصابة بالسرطان، والالتهابات الرئوية الحادة، ويلازم المريض الإسهال المزمن، والصداع الدائم وفقدان الوزن، وحدوث اضطراب فى الرؤية، وظهور نقاط بيضاء دائمة وجروح غريبة فى اللسان وجوف الفم. كما يعانى المريض من القشعريرة الدائمة أو الحمى الدائمة، وكذلك من التعرق الليلى الزائد، فالفيروس يؤثر تقريبًا على كل نظام إحيائى موجود فى جسم الإنسان.

■ هل هناك علاج لهذا المرض حتى الآن؟

- حتى الآن لا يوجد علاج شافٍ للمرض بشكل كامل ١٠٠٪، لكن هناك أدوية مختلفة تبطئ عملية تطور المرض، فالوسائل العلاجية المضادة للفيروسات تعمل على تقليل معدل الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس نقص المناعة، والحدّ من انتشار المرض فى المنطقة التى تظهر فيها العدوى به، وهذه العقاقير غالية جدًا وغير متاحة فى بعض الدول، وبالتالى تصبح الوقاية من التعرض للعدوى بالمرض هدفًا رئيسيًا للتحكم فى انتشار مرض الإيدز كوباء.

■ وهل ما يسمى ـ«الطب البديل» يمكن أن يوفر علاجًا للمرض؟

- الدراسات الحديثة أكدت أن الطرق العلاجية باستخدام الطب البديل ليس لها تأثير، لكن لها فوائد نفسية أهمها التخفيف من وطأة بعض الأعراض، مثل «استخدام الوخز بالإبر» ولكن هذه الطريقة لم تنجح.

كما أظهرت العديد من التجارب المعملية التى تم إجراؤها لاختبار تأثير العلاجات المستخلصة من الأعشاب أنه لا يوجد دليل على أن هذه الأعشاب تؤثر على تطور المرض، بل قد تكون لها آثار جانبية خطيرة.

جمعية لرعاية المتعايشين: مستشفيات الحكومة ترفض استقبال المصابين

قال ناصر هاشم، مدير جمعية «رؤية» لرعاية المتعايشين مع الإيدز، إن مشكلة هذا المرض فى مصر هى «وصمة العار» التى يسببها للمصابين به، وعدم القبول المجتمعى لهم، وهذا الأمر يؤدى لإقدام كثير من الحالات على الانتحار.

وأشار «هاشم» إلى أن الإيدز مثل العديد من الأمراض، ليس مُعديًا ولا ينتقل بأى عادات يومية، لكن هذا الأمر لا يدركه غالبية المجتمع المصرى، نتيجة غياب الوعى، مطالبًا الإعلام بالمساعدة فى دمج مرضى الإيدز داخل المجتمع، لأن الجمعيات لا تستطيع القيام بذلك وحدها.

وأشار مدير جمعية «رؤية» لرعاية المتعايشين مع الإيدز، إلى رفض وتسويف الأطباء فى المستشفيات الحكومية لعلاج المصابين، موضحًا أن هناك عددًا من الحالات المتعايشة مع المرض، عانت كثيرًا قبل إجراء فحوصات وعمليات داخل المستشفيات الحكومية، منها حالة ولادة وأخرى حالة حصوة كلوية.

وأضاف هاشم أن الإعلام والمجتمع المدنى، عليهم التدخل فى هذه القضية، للمساهمة فى تغيير الصورة الذهنية التى ترسخت لدى الناس عن مرض الإيدز، وكذلك الوصمة المجتمعية للمريض، ونبذ المجتمع له.

وأكد أن المجتمع عليه إدراك أنه ليس كل مريض بالإيدز يمارس أمورًا خارجة على الدين وعلى المألوف، ويجب تقبل المرضى، وتشجيعهم على عدم الخجل من مرضهم، والذهاب إلى وزارة الصحة للعلاج، وهذا سيساعد الدولة أيضًا على حصر الأعداد الحقيقية للمصابين.

حقوقية: المجتمع يرى كل مرضى الفيروس «شواذ»

قالت الحقوقية أمنية العجمى، إن مرض الإيدز، ليس بالضرورة يصيب شخصًا ارتكب جريمة أخلاقية، أو انتهك ثابتًا عرفيًا أو دينيًا، فهناك ٣ حالات للإصابة بهذا المرض، هى العلاقة «غير المحمية» بين شخص مصاب وآخر سليم، وكذلك انتقال الفيروس عبر الحقن، أو من الأم المصابة لجنينها.

وأضافت أمنية، لـ«الدستور»، أن ما سبق لا يدركه كثيرون داخل المجتمع المصرى، مرجعة نبذ الشخصيات المصابة بهذا المرض مجتمعيًا إلى هذا الجهل، لافتة إلى أن «الوصمة» التى ألحقت بمرض الإيدز لها سبب آخر، وهو الفكرة الراسخة بأن المصابين بهذا المرض «مثليون»، وقالت: «هذه الفكرة موجودة منذ اكتشاف الفيروس فى السبعينيات».

وتابعت: «هذا المرض يُصاب به رجال وأطفال أسوياء، لا يقومون بأى أفعال خارجة، لذلك يجب التعامل معهم على أنهم أشخاص عاديون وليسوا مجرمين»، مطالبة الإعلام بالتركيز على تغيير صورة مريض الإيدز لدى الناس.

وأشارت إلى أنها تعمل بأحد مراكز تهيئة مرضى الإيدز، وصادفت حالات كثيرة كانت على حافة الانتحار، لكنهم نجحوا من خلال استخدام الدعم النفسى فى إقناعهم بالتراجع عن هذه الفكرة، وتهيئتهم للتعامل مع المجتمع.

ورأت أن المرضى يثقون أكثر بالجمعيات الأهلية، لأنها تستوعبهم بشكل كبير، سواء قانونيًا أو صحيًا، وذلك بتوفير الظروف الملائمة لتعايشهم فى المجتمع، رغم الرفض المجتمعى لهم.

وأشارت إلى حالة طفل كان مصابًا قبل ٥ سنوات بـ«الإيدز» فى إحدى المدارس الإعدادية، وعند معرفة الإدارة بمرضه منعته من الدخول مرة أخرى، مشيرة إلى أن مثل هذا الأمر يدفع الكثيرين من المصابين للانتحار.

نفسيون: المعاملة السيئة للمصاب تؤدى إلى الانتحار

شدد الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، على ضرورة معاملة مريض الإيدز كأى مريض مصاب بمرض عضوى، لأن «الأثر النفسى الذى يقع عليه من أى معاملة سيئة أو نفور يزيد من معدلات إقباله على الانتحار».وقال «الضبع»، لـ«الدستور»،: «فى مصر يتم التعامل مع مريض الإيدز بطريقة سيئة ومتحفظة للغاية، لكن أفضل طريقة للتعامل معه هى الشكل الطبيعى، دون نفور أو تقليل منه أو إعطائه شعورًا بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر».

وحذّر أستاذ علم النفس، من أن تلك المعاملة السيئة التى تمارس ضد مرضى الإيدز قد تؤدى إلى الانتحار، مشيرًا إلى أن «نسبة منتحرى مرضى الإيدز مضاعفة فى مصر بشكل كبير، إلى درجة تخطت نسبة الشفاء، على عكس الدول الأوروبية». وأضاف: «شريحة من تم شفاؤهم قليلة، لذلك فإن المصابين دائمًا ما يكونون تحت ضغط نفسى كبير، وتدفعهم الاضطرابات النفسية إلى الانتحار»، محذرًا من وجود مراكز متخصصة فى علاج الإيدز تضاعف المرض، بسبب عدم دراسة الأطباء كيفية التعامل مع هذه النوعية من المرضى بشكل صحيح.

ورأى الدكتور أحمد خميس، مدير برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز فى مصر، أن «الثقافة المصرية تزيد من أعداد مرضى الإيدز»، مرجعًا ذلك إلى وجود «مفهوم خاطئ عن المرض، فكل مصاب بالفيروس لا يكون مريضًا بالإيدز».

وأوضح تلك النقطة بقوله، إن الفيروس المسبب لمرض الإيدز يسمى «إتش أى فى» وهو اختصار للإصابة بـ«فيروس نقص المناعة البشرى»، أما المصطلح الدارج وهو «الإيدز»، فيمثل المرحلة الأخيرة من الإصابة.

واعتبر أن تلك المعاملة السيئة، التى تمارس على مريض الإيدز فى مصر، ترجع إلى «المعتقد السائد بأن المرض لا يأتى إلا عن طريق ممارسة الجنس بطريقة غير شرعية، وهو مفهوم خاطئ لأنه يُنقل عن طريق الدم الملوث أيضًا».

الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى، أكد نفس الفكرة بقوله: «هناك عدة طرق يُنقل بها المرض، منها المخدرات أو ملامسة حاجة المريض، لاسيما المرتبطة بالدم، إلى جانب نقل الدم الملوث».

وأضاف: «الثقافة المصرية تجاه مرض الإيدز، تتبلور فى أنه نتاج علاقة غير شرعية، ما يدفع المواطنين إلى النفور والمعاملة السيئة للمريض، ومن ثم المساهمة فى زيادة مرضه».

متعافية: زوجى طلقنى بسبب المرض

رحلة طويلة من العذاب استمرت قرابة ١٠ أعوام، خرجت منها علا (اسم مستعار) متعافية من الإيدز، إلا أنها مرت بصعوبات كثيرة كادت تؤدى بها إلى الانتحار، بسبب المعاملة السيئة التى تعرضت لها من المجتمع، بالإضافة إلى الأثر النفسى للمرض.

روت «علا»، ٣٥ عامًا، بداية معاناتها مع المرض قائلة «شعرت فى يوم بألم حاد فى جانبى الأيمن، وذهبت إلى طبيب أخبرنى فى البداية بأن سبب الآلام وجود حصى فى الكلى وأننى أحتاج إلى جراحة عاجلة، بعدما نقلوا لى كيسين كاملين من الدماء لكونى أعانى فقرًا فى الدم، وبالفعل تمت العملية».

وأضافت: «لم يمض سوى ٨ أشهر، حتى عاودتنى الآلام من جديد، فذهبت للطبيب الذى أكد لها أننى أعانى التهابًا شديدًا فى المرارة، إلا أن وزنى بدأ فى التناقص، فأجريت تحاليل دم، كانت نتيجتها أننى مصابة بالإيدز».

وتابعت: «من هنا بدأت المعاناة والمعاملة السيئة من الجميع، حتى الطبيب المعالج وصفنى بالمثلية الجنسية فى عيادته، رغم أننى متزوجة وليست لدى أى علاقات غير شرعية خارج إطار الزواج».

واستكملت: «ساءت العلاقة بينى وبين زوجى بعدما بدأ الشك يساوره، حتى تم الطلاق بيننا، وحرق الجيران أثاث منزلى، وتضرر كل من يعرفنى، وزوجى طُرد من عمله وأبنائى طردوا من مدارسهم، وكل منزل أسكن فيه يطردنى منه المالك عندما يعرف إصابتى بفيروس الإيدز».

وأشارت إلى أنها «بدأت رحلة العلاج فى أحد المراكز، وواظبت على الأدوية وانعزلت عن الجميع، ولم تمارس طوال ١٠ سنوات أى علاقة جنسية خوفًا من انتقال المرض إلى الطرف الآخر ومن ثم إلى الأبناء، حتى تعافت من المرض الذى لم يكن لها ذنب فيه، فى وقت قاربت خلاله على الانتحار بسبب تلك الصعوبات».

قصة «تشخيص خاطئ» حوّلت حياة طارق إلى جحيم

كيف تكون حالتك ــ لا قدر الله ــ إذا أخبرك أحد معامل التحاليل دون سابق إنذار بأنك مصاب بمرض الإيدز؟

تلك التجربة هى ما تعرض لها طارق عبدالوهاب، ٢٣ عامًا، الذى يقطن فى حى المنيل بالقاهرة، ويعمل بإحدى الشركات التجارية الشهيرة، الذى روى، لـ«الدستور»، تفاصيل أسبوعين، اضطر فيهما إلى التعايش مع المرض اللعين.

قال طارق: «عقارب الساعة توقفت عن الدق، وعشت أيامًا طويلة مع الخوف القاتل.. تركت عملى.. واعتزلت كل الناس، حتى أشقائى وأصدقائى، خوفًا من أن ينتقل إليهم مرضى، ولو بالصدفة». قصة طارق بدأت، كما يروى، عندما قرأ منشورًا على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» يعلن وجود مريضة فى أحد المستشفيات بمنطقة مصر الجديدة، تحتاج حالتها إلى تبرع عاجل بالدم، قائلًا: «أنا متعود أعمل كده.. فروحت على طول للتبرع».

بعد إجراء الفحوص المعتادة، وترك بياناته كاملة فى مركز التبرع بالدم، لدى المستشفى، تقدم طارق مع آخرين، للتبرع إلى السيدة، ثم عاد إلى منزله، بعد أن انتهى الأمر.

بعد مرور أسبوع على التبرع، تلقى طارق اتصالًا هاتفيًا من أحد العاملين بالمستشفى، تأكد فيه من صحة معلوماته وهويته المذكورة فى الأوراق، لكن الغريب أن المتصل طلب منه أن يجرى بشكل عاجل تحاليل جديدة، فى أحد معامل التحاليل الخارجية.

يقول عن ذلك: «كان الطلب غير معتاد.. ولما استفسرت عن السبب، قال لى: أصل إحنا يافندم شاكين فى حاجة كده.. سألته: يعنى إيه حاجة كده، فكان الرد: إحنا شاكين إن عندك HIV يافندم».

وأضاف: «أنا ما فهمتش يعنى إيه الاسم الغريب ده، قلت مثلًا يكون فيروس سى، ولا بكتيريا، ولا وباء، فسألت العامل لحد ما قال لى: دا الإيدز يافندم».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل