المحتوى الرئيسى

الرقابة.. هل تُشهر المقص؟!! | المصري اليوم

12/14 04:56

قال لى أحد الأصدقاء إن الرقابة فى مصر تنتظر أن يمهد لها البعض بانتقاد العمل الفنى حتى تبدأ هى فى المقابل بالحذف والمصادرة باستخدام المقص الحامى والسكين المسنون، أتحدث عن فيلم «طلق صناعى» للمخرج خالد دياب، الذى وصل إلى سقف ما هو مسموح سياسيا، لدىّ ملاحظات عديدة على الفيلم، أشرت إلى بعضها أمس، ورغم ذلك أرفض تماما أن تتدخل الرقابة، لنرى لديها معيارين فى التقييم، فهى توافق على عرض الشريط السينمائى فى المهرجانات خارج مصر، ثم تتحفظ عليه داخليا بحذف مشاهد أو كلمات أو باشتراط كتابة تعليق، كما حدث مع فيلم (اشتباك) للمخرج محمد دياب، الذى افتتح به قسم (نظرة ما) فى مهرجان (كان) قبل الأخير، عند العرض فى مصر أشارت يافطة تصدرت الفيلم، لم يلحظها أحد، إلى مشروعية ثورة 30 يونيو، وهو ما لم يقترب منه أساسا مخرج الفيلم، الذى كان هو وشقيقه خالد وشقيقته شيرين الذين كتبوا السيناريو من الشباب الذين شاركوا فى ثورتى 25 و30.

أرجو أن تخيب توقعاتى، وأن نجد أمامنا رقابة تُدرك فقط أن لديها سلاح التصنيف العمرى، وهو بالمناسبة ما لا يجوز استخدامه والتوسع فيه بهذا الأسلوب العشوائى الذى رأيناه رقابيا فى العامين الأخيرين.. (طلق صناعى) لخالد دياب به قتامة وضمور فى الأمل القادم، وهو ما أشار إليه، مثلا، أستاذ علم النفس د. أحمد عكاشة فى زيادة معدلات الاكتئاب بين المصريين، وأستطيع أن أضيف من عندى كوجه آخر لتلك الحالة تراجع روح الدعابة بين المصريين، لأن تلك الروح هى دلالة على القوة النفسية للشعوب.

الفنان فى لحظات يعبر عن غضبه العارم لما وصل إليه حال الوطن، ولا يقلل ذلك أبدا من وطنيته، لديكم، مثلا، حافظ إبراهيم، فهو شاعر النيل وعاشق مصر الذى قال فى رائعته (مصر تتحدث عن نفسها) التى غنتها أم كلثوم بتلحين رياض السنباطى (أنا إن قدر الإله مماتى/ لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى/ أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق/ ودُراته فرائد عقدى)، لم يمنعه فى قصيدة أخرى عنوانها «حطمت اليراع فلا تعجبى» والتى يقول فيها (وما أنت يا مصر بدار الأديب/ ولا أنت بالبلد الطيب) وأنهاها بقوله عن نضوب العطاء فى مصر (لقد كان خصبا بجدب الزمن/ فأجدب فى الزمن المخصب).

لا يمكن أن نطلب من الفنان أن يظل على حال واحدة فى علاقته، أو بتعبير أدق إحساسه بالوطن، فى لحظات الغضب مسموح بإعلانه، ولكن ولا تشكيك فى الوطنية، المفروض ألا تتجاوز مساحة الاعتراض على الفيلم لتصل إلى الشخص. يجب ألا نفتش عن ميول سياسية غائرة فى إنسان يعبر عن نفسه بفيلم سينمائى، أكرر: لى تحفظات فكرية وفنية، ولكن لا يمكن أن نصبح نحن القضاة على الضمائر، تلك هى الجريمة التى لا تُغتفر.

وكم من الجرائم الرقابية تُرتكب حباً فى الوطن، من حق المخرج خالد دياب وحقه علينا أن يرى الناس (طلق صناعى) كاملا فى مصر كما شاهدوه فى (دبى).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل