المحتوى الرئيسى

الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتكفير فى الإسلام (4-5)

12/13 20:27

تقول العبارة الفلسفية الشهيرة «الماء لا يجرى فى النهر مرتين» أو بمعنى آخر أنك «لا تستطيع أن تنزل فى نفس النهر مرتين، لأن مياهاً جديدة تتدفق فيه»، وهو ما يعنى أن الحياة وأحداثها متغيرة وغير متطابقة رغم تشابهها أحياناً كثيرة، ولأن فى دروس التاريخ وأحداثه عبراً وعظة، يتعلم منها لتجنب أخطائها، وتعظيم فوائدها، ولكن تاريخ جماعات الإرهاب والتكفير فى الإسلام، يمضى عكس الاتجاه، بل تكاد تتماثل الوقائع والتصرفات والأفكار رغم ما بينها من عقود طويلة.

فمنذ أيام قتل على عبدالله صالح الرئيس اليمنى السابق وعدد من مرافقيه، على يد حلفائه من ميليشيات الحوثيين، بدم بارد برصاصة فى رأسه، ووصف زعيمهم عبدالملك الحوثى، اغتيال حليف الأمس بـ «اليوم الاستثنائى والتاريخى»، والحوثيون أو حركة أنصار الله، أو كما كانت تسمى بحركة الشباب المؤمن تنتمى إلى المذهب الزيدى، وتوصف بأنها منظمة إرهابية.

تسعى مثل غيرها من جماعات التطرف إلى إعادة إحياء الإمامة الزيدية فى اليمن، وأنه يجب أن يكون هاشمياً، ويتبنون فكرة الخروج المسلح على الحاكم الظالم، واتهمهم عدد من فقهاء الزيدية باتباع بعض بدع الاثنا عشرية، أو أنهم زيدية متطرفون، وأنهم «مارقون وملاحدة وليسوا من الزيدية فى شىء».

والزيدية هم القائلون بإمامة زيد بن على بن الحسين عليه السلام، وقد خرجوا على الدولة الأموية وقاتلوها، وكذلك على الدولة العباسية، وكفروا أبوبكر وعمر وعثمان والصحابة جميعاً، ويدعون أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، نص على على بن أبى طالب بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الإمام من بعده، وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ويرى المؤرخون أن الزيدية انقسمت إلى ست فرق هى الجارودية والسليمانية والبترية والنعيمية واليعقوبية والجريرية، وأن الجارودية نفسها انقسمت إلى ثلاث فرق.

فما أشبه الليلة بالبارحة.. فهل ما زلنا فى حاجة إلى الفهم وتفسير ما يحدث من حولنا بما فى ذلك اغتيال «صالح» غيلة وغدراً من أصدقائه وحلفائه...؟

تروى كتب التاريخ والعقائد أن انشقاق نافع بن الأزرق عن المحكمة الأولى، كان بداية فتح أبواب الخلاف بين الخوارج، الذين انقسموا بعدها إلى ست عشرة فرقة تعتقد كل فرقة منها أنهم أهل الاستقامة، حيث انشقت عن المحكمة الأزارقة، وعنهم النجدات، وعنهم النجدات العطوية، وعنهم العجاردة وهكذا، وأنهم قتلوا بعضهم بعضاً، وكفرت كل فرقة الفرقة الأخرى على أقل خلاف، وأن الصراع السياسى والقبلى لعب دوراً مهماً فى انقساماتهم ومعركتهم الداخلية، وأنهم خانوا كل العهود والمواثيق فيما بينهم.

واليوم تواصل «الوفد» عبر «مرصد مكافحة الإرهاب»، البحث فى الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتطرف، من خلال عرض لأهم فرق الخوارج ومجمل أفكارهم الفاسدة، وتقديم رؤية مستنيرة لمفهوم الدعوة، وبيان قواعد اليسر والتيسير التى حفلت بها الشريعة الإسلامية.

المحكمة الأولى.. دعوة حق يراد بها باطل

ويطلق اسم المحكمة الأولى على الذين خرجوا على الخليفة على بن أبى طالب، ورفعوا شعار «لا حكم إلاّ لله» والتفوا حوله، وقد اجتمعوا على تكفير علـى وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومـن رضى بالتحكيم، وصوب الحكمين أو أحدهمـا.

وسبب تلقيبهم بذلك اعتراضهم على قضية التحكيم؛ حيث قالوا: «أتحكمون فى دين الله الرجال؟» إن الحكم إِلا لله». وحاول علـى بن أبى طالب إقناعهم بأخطائهم، ولكنهم فى النهاية تآمروا عليه وقتلوه، قادوا عدة ثورات فى عهد معاوية، ثم بعد ذلك انفرط عقدهم إلى عدة فرق.

قال الحافظ ابن كثير فى ذكره لخروج الخوارج: «وذلك أن الأشعث بن قيس مَرَّ على ملأ من بنى تميم، فقرأ عليهم الكتاب، فقام إليه عروة ابن حدير من بنى ربيعة بن حنظلة، فقال: «أتحكمون فى دين الله الرجال؟»، ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث، فغضب الأشعث وقومه، وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من أصحاب على من القراء وقالوا «إن الحكم إِلا لله»، فسموا المحكمية.

ويقول «الشهرستانى»، وكانت البداية بخروجهم على أمير المؤمنين على رضى الله عنه، حين جرى أمر المحكمين، واجتمعوا بحروراء بالقرب من الكوفة، وعلى رأسهم عبدالله بن الكواء، وعتاب بن الأعور، وعبدالله بن وهب الراسبى، وعروة بن جرير، ويزيد بن أبى عاصم المحاربى، وحرقوص بن زهير البجلى المعروف بذى الثدية، وكانوا يومئذ فى اثنى عشر ألف رجل أهل صلاة وصيام.

وتشير الروايات التاريخية، إلى أنهم انتهوا إلى أن على أخطأ فى قبول التحكيم، إذ حكم الرجال ولا حكم إلا الله، رغم أنهم هم الذين أجبروه على قبول التحكيم، وفرض عليه أن يمثله فيه أبوموسى الأشعرى، رغم رغبته فى أن يمثله عبدالله بن عباس، كما أن تحكيم الرجال جائز، وروى عن على رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه لما سمع مقالتهم «لا حكم إِلا لله»، قال «كلمة حق أريد بها باطل»، وتطور موقفهم بعد ذلك من التخطئة إلى التكفير، وقال «الأشعرى»، فى سبب تسميتهم بذلك: «إنكارهم الحكمين، وقولهم لا حكم إِلا لله»، وكانوا أول من قال بالخروج على السلطان الجائر، وتكفير مرتكب الكبيرة ومن خالفهم.

وفيهم قال النبى صلى الله عليه وسلم: «تحقر صلاة أحدكم فى جنب صلاتهم، وصوم أحدكم فى جنب صيامهم، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم»، وهم المارقة الذين قال فيهم عن ذو الخويصرة «سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».

ولذلك يعتبر المحكمة الأولى وأفكارهم، أساس البداية والمرجعية الدينية والفكرية لجميع فرق الخوارج التى توالى ظهورها بعد تشتتهم، ويروى أنهم حينما خرجوا إلى حروراء، كانوا يعاملون المسلمين الذين يخالفونهم فى الرأى أبشع المعاملات وأقساها.

ويصفهم أبوالحسين المالطى الشافعى، فى كتابه، «التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع» بقوله: «فأما الفرقة الأولى من الخوارج فهى المحكمة الذين كانوا يخرجون بسيوفهم فيمن يلحقون من الناس، فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا، وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم، أى يخرج يحمل سيفه ثم يخرج منادياً فى الناس: لا حكم إلا لله لا يرجع أو يقتل فكان الناس منهم على وجل وفتنة».

وأول من بويع من الخوارج بالإمامة هو عبدالله بن وهب الراسبى فى منزل زيد بن الحصين، والذى قاد معركة النهروان ضد على بن أبى طالب وقتل فيها هو وأصحابه، ويروى أنه نجا منهم عشرة فقط، فر منهم اثنان إلى عمان، واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى اليمن، حيث نشروا أفكارهم فى هذه البلاد.

ومن أبشع جرائمهم قتلهم عبدالله بن خباب ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن حدثهم بحديث يوجب القعود عن الفتن، فذبحوه على حافة النهر، وبقروا بطن امرأته وكانت حبلى، وكان الذى تولى قتله - فيما يذكر الأشعرى.

ويقال إن أول سيف سل من سيوف الخوارج سيف عروة بن حدير، وقد عرف بكثرة صيامه وصلاته، وقد نجا من حرب النهروان، وبقى إلى أيام معاوية، ثم أتى إلى زياد بن أبيه ومعه مولى له، فسأله زياد عن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، فقال فيهما خيراً، وسأله عن عثمان فقال كنت أوالى عثمان على أحواله فى خلافته ست سنين، ثم تبرأت منه بعد ذلك للأحداث التى أحدثها، وشهد عليه بالكفر، وسأله عن أمير المؤمنين على رضى الله عنه، فقال كنت أتولاه إلى أن حكم الحكمين ثم تبرأت منه بعد ذلك، وشهد عليه بالكفر، وسأله عن معاوية فسبه سباً قبيحاً، ثم سأله عن نفسه فقال أولك لزانية وآخرك لدعوة، وأنت فيما بينهما بعد عاص ربك، فأمر زياد بضرب عنقه.

ثم دعا مولاه، فقال له صف لى أمره واصدق فقال أأطنب أم أختصر، فقال بل اختصر، قال ما أتيته بطعام فى نهار قط، ولا فرشت له فراشاً بليل قط، هذه معاملته واجتهاده، وذلك خبثه واعتقاده.

النجدات.. هاجموا المدينة وأجازوا قتل المسلمين وسبى نسائهم

ينتسبون إلى نجدة بن عامر الحنفى، وهم الذين خرجوا عن نافع بن الأزرق لتشدده، وذهبوا إلى اليمامة والتقوا بنجدة وبايعوه وبايعوه وسموه أمير المؤمنين، وسيطروا على البحرين وشواطئ الخليج، وعمان وبعض أجزاء من اليمن.

وتشير كتب تاريخ الفرق، إلى إنكارهم على الأزارقة تكفير القعدة منهم ممن لم يهاجر إليهم، بل وكفروا نافع نفسه ومـن قال بإمامته، واعتبروا القعدة منافقين، وليسوا مشركين كما قال الأزارقة، ولكنهم استحلوا دماء القعدة وأموالهم فى دار التقية، كما خالفوهم بقولهم إن التقية جائزة فى القول والعمل.

ويروى فى كتب الفرق، أن سبب اختلافهما أن نافعاً قال التقية لا تحل، والقعود عن القتال كفر واحتج بقول الله تعالى: «إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ»، وبقوله تعالى: «يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ»، بينما قال نجدة التقية جائزة، واحتج بقول الله تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً» 3 وبقوله تعالى: «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»، وقال: القعود جائز، والجهاد إذا أمكنه أفضل، لقوله تعالى: «وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا».

وقال نافع: هذا فى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حين كانوا مقهورين، وأما فى غيرهم

واخذو بالعذر بالجهل، حيث بعث ابنه مع جيش إلى أهل القطيف فقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم وقوموهن على أنفسهم، وقالو إن صارت قيمتهن فى حصصنا فذاك، وإلا رددنا الفضل، ونكحوا النساء وأكلوا من الغنيمة قبل القسمة، فلما رجعوا لنجدة وأخبروه بذلك، قال لم يسعكم ما فعلتم؟، قالوا لم نعلم أن ذلك لا يسعنا، فعذرهم بجهالتهم، واختلف أصحابه بذلك فمنهم من وافقه وعذر بالجهالات فى الحكم الاجتهادى، كما أغاروا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقالوا إن من نظر نظرة، أو مـن كذب كذبة صغيرة أو عمل ذنبـاً صغيراً فأصـر على ذلك فهو كافر مشرك، وكذلك أيضاً فى الكبائر، وأن من عمل الكبائر غيـر مصر عليها فهو مسلم غير مشرك، وإن زنى وسرق وشرب الخمر، وأن أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفاراً لعل الله تعالى يعفو عنهم، وإن عذبهم ففى غير النار ثم يدخلهم الجنة، وأما أصحاب الكبائر من غيرهم فهم كفار، وأنه يجوز أن يعذب الله المؤمنين بذنوبهم، ولكن فى غير النار، واسقطوا بعض الحدود كالأزارقة مثل حد الخمر.

ونتيجة الصراعات والاختلافات بينهم انقسموا إلى ثلاث فرق هى النجدية والعطوية والفديكية، ويروى أن أكثر أتباعه لما نقموا عليه بعض ما أحدثه، قالوا له اخرج إلى المسجد وتب مما فعلت ففعل ذلك، ثم عاد بعضهم وأعلنوا ندمهم على استتابته، وقالوا له أنت الإمام ولك الاجتهاد ولم يكن لنا أن نستتيبك فتب عن توبتك واستتب الذين استتابوك وإلا نابذناك، ففعل ذلك أيضاً فخرج عليه بعض أصحابه وخلعوه من الإمامة، حتى قتل على يد أبوفديك غيلة، والذى بويع مكانه.

الأزارقة.. قالوا بكفر مخالفيهم وأباحوا قتل أطفالهم ونسائهم

ينتسبون إلى نافع بن الأزرق بن قيس، وكان أول من أحدث الخلاف بين جماعة الخوارج فنتج عن هذا الخلاف الذى يذكر سببه الإمام الأشعرى، وهو أن امرأة خارجية من أهل اليمن تزوجت مولى من الخوارج فلما عيرها أهلها فعرضت على زوجها ثلاثة خيارات، إما الهجرة إلى معسكر الخوارج، وإما أن يخبئها عن قومها، وإما أن يفارقها فاختار زوجها فراقها، فزوجها أهلها لابن عمها، فلما علم الخوارج بذلك اختلفوا بينهم وكان رأى نافع أنه كان من الواجب عليها الخروج واللحاق بمعسكر الخوارج، وأعلن براءته ممن قال بالتقية وأجاز لهما القعود.

ويقال عنه إنه أول من خالف اعتقاد أهل الاستقامة وشق عصا المسلمين وفرق جماعتهم، وحرم زواجهم وذبائحهم وموارثتهم، وابتدع الهجرة وسبى أهل القبلة وغنم أموالهم وسبى ذراريهم.

وقاد نافع جماعة الأزارقة من البصرة إلى الأهواز وسيطروا عليها وعلى ما وراءها من بلاد فارس، وانضم إليهم خوارج عمان واليمامة فصاروا أكثر من ثلاثين ألفًا وسفكوا الدماء وقتلوا الأطفال وروعوا سكان هذه الأماكن، ودخلوا فى معارك مع عمال عبدالله بن الزبير، وقتل فى معركة «دولاب» وخلفه قطرى بن الفجاءة، واشتهروا بالعنف والقسوة والبطش والبأس والقتل والنهب والسلب، وشنت عليهم جيوش الدولة الأموية حملات عنيفة خلال عهودها، حتى إن المهلب بن أبى صفرة بقى فى حربه لهم تسع عشرة سنة.

وكفروا عثمان وعلى وطلحة والزبير وعائشة وعبدالله بن عباس- رَضِى الله عَنْهُمْ وسائر المسلمين معهم وحكموا عليهم بالخلود فى النار، طبقاً لتأويلاتهم الفاسدة فى تفسير القرآن، زعموا أن الله أنزل فى شأن على وأسباب النزول قوله تعالى «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»، وأن قاتله ابن ملجم نزل فيه قوله تعالى «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ».

فالآية الأولى نزلت فى الأخنس بن شريق الذى أظهر الإسلام وأبطن خلاف ذلك، وعن ابن عباس أنها نزلت فى نفر من المنافقين، وأما الآية الثانية فنزلت فى صهيب الرومى، وذلك عندما أسلم وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله فأعطاهم ماله وعرفوا بأفكارهم المتشددة ضد مخالفيهم من المسلمين الذين اعتبروهم مشركين، وأن دارهم دار كفر، وأباحوا قتل أطفالهم ونسائهم، هم ومن وصفوهم بالقعدة، أى الذين قعدوا عن نصرة على وعن مقاتلته بعد التحكيم، أو اعتزلوا أحداث الفتنة وأوجبوا امتحان من قصد عسكرهم مدعياً أنه منهم، وذلك بأن يدفعوا إليه أسيراً من مخالفيهم، ويأمروه بقتله، فإن قتله صدقوه فى دعواه أنه منهم، وإن لم يقتله، قالوا هذا منافق ومشرك وقتلوه واستباحوا قتل نساء مخالفيهم، وقتل أطفالهم وزعموا أن الأطفال مشركون، وقطعوا أن أطفال مخالفيهم مخلّدون فى النار، وأن من أقام فى دار الكفر كافر لا يسعه إلا الخروج.

ويروى أنه جاء مولى لبنى هاشم إلى نافع فقال له: إن أطفال المشركين فى النار، وإن من خالفنا مشرك، فدماء هؤلاء الأطفال لنا حلال. قال له نافع: كفرت وأدللت بنفسك. قال له: إن لم آتك بهذا من كتاب الله فاقتلنى «وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ أن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا»، فهذا أمر الكافرين وأمر أطفالهم، فشهد نافع أنهم جميعاً فى النار، ورأى قتلهم وقال الدار دار كفر إلا من أظهر إيمانه، ولا يحل أكل ذبائحهم، ولا تناكحهم، ولا توارثهم، وهم ككفار العرب لا نقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.

وقالوا إن كل كبيرة كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة وصاحبها مخلد فى النار مع سائر الكفار، واستدلوا بكفر إبليس، وقالوا ما ارتكب إلا كبيرة حيث أمره بالسجود لآدم عليه السلام فامتنع، وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى.

وأن التقية غير جائزة فى القول أو العمل ولو أدى ذلك إلى هلاك صاحبه، وأسقطوا حد الرجم عن الزانى المحصن بحجة أنه لم يرد نص عليه، وحد القذف عمن قذف المحصن من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء، تمسكاً فى زعمهم بما ورد فى القرآن، وقالوا بقطع يد السارق فى القليل والكثير من غير اعتبار لنصاب الشىء المسروق وأن القطع يكون من المنكب، وأوجبوا على الحائض الصلاة والصوم فى حيضها، وقال قسم منهم لا يجب ولكن تقضى الصلاة إذا طهرت كما تقضى الصيام، واستحلوا نقض الأمانة التى أمر الله سبحانه بأدائها، وقالوا «قوم مشركون لا ينبغى أن تؤدى الأمانة إليهم».

ووصفهم الإمام البغدادى عليهم بقوله: «إنهم أكثر فرق الخوارج عدداً وأشدهم شوكة»، ولهذا فقد كان الناس منهم على وجل وفتنة لأنهم كانوا يتابعون عليهم الغارات فى كل مكان لا يعرفون الهدوء ولا السلم.

الإباضية.. أنكروا الأذان وصلاة الجماعة والخطبة فى الجمعة

يعود انتساب الإباضية إلى عبدالله بن إباض، الذى تتفق أغلب المراجع على أنه كان مع نافع بن الأزرق، ثم انشق عنه وفارقه، بينما يعتبر البعض أن جابراً بن زيد، هو فقيه الإباضية والمؤسس الحقيقى لمذهبهم، وهو من التابعين، وكان تلميذاً لعبدالله بن عباس، وإن كان يروى أنه تبرأ منهم.

وانطلقت دعوتهم من البصرة، وما زالت موجودة حتى اليوم فى دول شمال أفريقيا، ورغم أفكارهم المتطرفة ينظر إليهم البعض بأنهم أكثر الخوارج اعتدالاً، وتبدو أهم ملامح عقيدتهم فى تكفير مخالفيهم من المسلمين، حيث يرون أنهم ليسوا مؤمنين، ولا مشركين ولكنهم كفار، ويعتبرون أن دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلاّ معسكر السلطان فهو دار بغى، لذا يقبلون بالزواج منهم والتوارث معهم، ويحرمون قتلهم أو سبيهم فى غيلة، ولكن يستحلون غنيمة أموالهم عند الحرب، بعد إقامة الحجة عليهم، ومنهم من ينكر الأذان وصلاة الجماعة وخطبة فى الجمعة، ويقولون إنها بدع، وأجمعوا على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر النعمة لا كفر الملة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل