المحتوى الرئيسى

"محمد إبراهيم".. رجل حرم من الذرية فكان له فضلا على آلاف الأبناء في بلدته (صور)

12/13 15:35

- نجل شقيقه: أطفال القرية اصطفوا له في ممر شرفي أثناء تشييع جثمانه

- معلم: هذا الرجل صاحب فضل على العديد من أبناء مدينة القرنة

- رئيس جمعية أهلية: نقدم جوائز سنوية باسمه للمتفوقين تكريمًا له

"المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، ومن حرم من إحداهما، ما انتقص من رزقه شيئًا، لأن لله حكمة في ذلك، لتكون الباقيات الصالحات خير عند المولى عزل وجل ثوابًا وخير أملا في الدار الآخرة.

وعلى عكس كثير مما ابتلائهم الله، بالحرمان من الذرية، ولم يحمدوا، كان هذا البلاء، سببًا في دعاء كثيرُ من الناس لرجل صار صاحب فضل على أجيال سابقة، وأجيال لم تأتي بعد.

"محمد ابراهيم سليمان" أحد أبناء عائلة العوصة بمدينة القرنة غرب محافظة الأقصر، والذي ولد عام 1906، وسط أسرة مكونة من أب وأم و6 أبناء، كان هو أصغرهم، وأفاء الله عليه بالثروة، وهو في ريعان شبابه، كما كان يتمتع بالذكاء والفطنة، وحب الناس، ليتم اختياره في العقد الثالث من عمره بإجماع عائلته كشيخ لها. 

ويروي محمود سليمان، نجل شقيق "إبراهيم"، لـ"الفجر" أن الشيخ محمد ابراهيم، لم يرزقه الله بذرية، فحمد ربه على ذلك، دون أن يبحث عن الزواج من سيدة أخرى، أو يلقي بالًا لهذا الأمر، فكان ينفق ثرواته على أفعال الخير. 

وأوضح أن حب "إبراهيم" لأفعال الخير والأطفال، جعله ينظر إلى البلدة ليرى ما يحتاجه أبناءها، وكانت الهيئة العامة للآثار في الستينات من القرن الماضي، تضع يدها على جميع الأراضي بالبلدة، فقرر حينها إنشاء أول معهد للتعليم الأزهري بجوار أقدم مسجد في القرية، والذي أسس منذ عام 1800 وقام بتطويره هذا الشيخ فيما بعد. 

وأشار "سليمان" إلى أن الشيخ ابراهيم، وجد قطعة أرض فضاء بجوار المسجد، مساحتها تصل إلى نحو نصف فدان، فأنشأ عليها بعض الحجرات، وقدم له مفتشًا من الآثار، لوقف البناء، ولكن اعترضه الشيخ حين ذلك، الأمر الذي أدى إلى قيام المفتش بتحرير محضر ضده. 

وتابع نجل شقيق الشيخ، أنه باستدعاء شرطة السياحة والآثار لـ"ابراهيم"، عن المخالفة التي قام بها، ووضع أمامهم ثلاث خيارات، ببيع الأرض، أو استئجارها، أو استبدالها بقطعة أخرى من أملاكه، فقام قطاع الآثار بالأقصر، بنقل تلك المطالب إلى الهيئة العامة بالقاهرة، وكان ردهم رفض مطالبه لأنهم ليسوا ذو صلاحية بتحقيقها، ولكن يمكنه أن يقوم بجصها على نفقته الخاصة للتأكد من خلوها ممتلكات أثرية في باطنها، وإن وجد بها، فما دفعه يعد تبرعًا منه، وإن لم يوجد، فيتم تسليم الأرض لهيئة الأملاك ويتخذ معها الإجراءات اللازمة لشرائها. 

واستطرد بالفعل قامت هيئة الآثار بجص قطعة الأرض على نفقة الشيخ، ولم ترى هناك شواهدًا على وجود آثار بها، فتم تسليمها للأملاك، وقام بشرائها بعد ذلك رسميًا بمساحة نصف فدان.

وأضاف محمد سيد، رئيس مركز ومدينة البياضية، وأحد أقارب الشيخ، أن "ابراهيم رأى في ذلك الوقت أن البلدة محرومة من التعليم الأزهري، فقام بإنشاء عدة فصول مسقوفة بالخشب، وبالتواصل مع الإدارة الأزهرية التي كانت متواجدة في محافظة قنا، ذلك الحين، وعاينوا المبنى، وأقروا بموافقتهم ليكون أول معهد ابتدائي أزهري بمدينة القرنة عام 1969. 

وتابع بامتداد الدراسة لمدة عامين في المعهد، تواصل مع الإدارة مرة أخرى للاتفاق على احلاله وتجديده، بالخرصانة المسلحة، ونقل التلاميذ لحين الانتهاء من أعمال الانشاءات في مضيفة خاصة بعائلته، وأنشأت لهم بها فصول بالأخشاب لمدة عام، وعودتهم له مرة أخرى. 

وأوضح "سيد" أنه بعد تطوير المعهد، وكثرة تقديم الطلاب كانت تعاني البلدة من نقص المدرسين، وعدم رغبة قدوم معلمين من محافظات أخرى، ولذكائه وفطنته، ومعرفته بعدد من قيادات الأزهر، الذين استضافهم كثيرًا، حين زيارتهم للمدرسة، سافر إلى القاهرة قبل صدور حركة التعيينات، ووجد أن رغبات الموظفين الجدد الخدمة في محافظاتهم، مما جعله يطالب مدير عام الأزهر، بإلغاء الرغبات واعطاء الصعيد نسبة لحين تخريج دفعات جديدة، من أبناء الأقصر وتعيينهم فيها، فكان الرد عليه، بعدم توافر سكن للمعلمين، وهنا وعد بتوفير مسكن خاص لمعلمي معهد القرنة على نفقته الخاصة، الأمر الذي أدى إلى قبول طلبه. 

وأكد أن الشيخ إبراهيم قام بإنشاء سكن خاص للمعلمين بالمجان على نفقته الخاصة، بالقرب من المعهد، يحتوي على 4 شقق، تتضمن كل واحدة من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ، مشيرًا إلى أن المعهد ألحق به بعد ذلك فصول للتعليم الاعدادي، والثانوي، قبل أن تحدث طفرة في مجال التعليم الأزهري بإنشاء عدة معاهد أخرى حديثه، ويصبح هذا المعهد للفتيات في الوقت الحالي.

وذكر أنه في بداية انشاء المعهد لم يكن التيار الكهربائي وصل إلى البلدة، وكان وقتها شريكًا في معدية الأهالي بنهر النيل التي تنقل المواطنين إلى شرق الأقصر وغربها، وتعمل بمولد كهربائي، فاقترح حينها شراء مولد لإنارة المدرسة والمسجد المجاور لها، وسكن المعلمين، حتى دخول الكهرباء بعد ذلك بسنوات، بجهوده ومعه كبار وشيوخ العائلات بالقرية التي صارت مدينة الآن.

وبزيارة بوابة "الفجر" لمعهد فتيات القرنة الابتدائي "معهد القرنة الابتدائي الإعدادي سابقًا"، تحدث لنا صلاح أحمد علي أحد المعلمين، حيث أوضح، أنه تلقى تعليمه به، في المراحل الابتدائية والإعدادية، وما ان تخرج من الجامعة، عاد إليه مرة أخرى كمعلمًا، لافتًا إلى أن الشيخ محمد ابراهيم كان له فضلًا على العديد من أبناء البلدة، بإنشائه هذا الصرح التعليمي، الذي أخرج أطباءً، ومهندسين، ومعلمين، وغيرهم في شتى المجالات. 

كما أشار حسان الناصح، وكيل المعهد، الذي تلقى تعلميه به أيضًا في بداية انشائه، إلى أن الشيخ محمد ابراهيم كان يحفز المعلمين الذين يقيمون في مسكنه الخاص بالمجان، مما جعل المعهد شغلهم الشغال، إلا أنه بعد سنوات بدأ يشهد معلمين من المحافظة بنسبة ضئيلة، حتى تخرجت الدفعات التي تلقت مراحل تعليمها الأولى بداخله، ليصبحوا معلمين فيه، ويخرجون منه أطباء ومهندسين ومدرسين كما حدث معهم سابقًا، لتصبح هناك طفرة في التعليم الأزهري بالبلدة وعلى مستوى المحافظة حيث أمد مدارس أخرى بمعلمين أيضًا، ليعود الفضل بعد الله لهذا الرجل، وحتى الآن لم ينكر الأهالي هذا الفضل، بدعواتهم له. 

وأضاف خليل محمود المصري، أحد أبناء عائلة العوصة المنتمي لها الشيخ محمد ابراهيم، أنه رفض كتابة المعهد الأزهري الذي أنشأه على اسمه، ليكون باسم البلدة كاملة، ولكن اطلق اسمه على المسجد الذي قام بتطويره، بعد ان ضم للأوقاف، مؤكدًا أنه حبه لفعل الخير كان خالصًا لله. 

وعن حبه للأطفال، أوضح محمود العزب أحد الأهالي، أنه كان يشهد في صغره الشيخ محمد ابراهيم، يجلس بالقرب من المدرسة لمشاهدة التلاميذ أثناء ذهابهم وايابهم، وكان يحمل دائمًا حلوى في جيبه ليوزعها عليهم، بالإضافة إلى حمل عملات ورقية فئة 5 و10 قروش لتوزيعها على الأطفال في الأعياد والمناسبات الكبرى كالمولد النبوي، فكانوا دائمًا يتهافتون عليه عند رؤيته. 

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل