المحتوى الرئيسى

الشناوى وفاضل | المصري اليوم

12/13 03:01

أصبح ما تبثه القنوات التليفزيونية من مسلسلات يثير سخط وغضب واستنكار كثير من جمهور المشاهدين لمستواها الهابط لما يدور فيها من العنف والابتذال فكثرت الشكاوى وقام عدد من كبار الكتّاب بكتابة مقالات يستنكرون فيها ما يحدث ويطالبون بالتدخل لإيجاد حل يرحمهم من هذا الإسفاف، ولكن لا مغيث، واستمر أصحاب هذا الإسفاف والسخف فى غيهم، خاصة أن هناك من يشجعهم من ضعاف العقل ويمنحون العاملين فى هذه المسلسلات الجوائز والتكريمات وكأن الموضوع هو مؤامرة على المواطن المصرى لإفساده وتشويه قيمه التى تعد مصدراً أساسياً للسلوك وتوجيهه، وذلك من أجل العمل على انهيار النظام الاجتماعى.

فالقيم، حسبما يقول أحد علماء الاجتماع، هى تصورات لتوضيح وتوجيه سلوك الأفراد فى الموقف الانفعالى تحت حكم القبول أو الرفض، وتنبع من التجربة الاجتماعية وتتوحد بها الشخصية وهى عنصر مشترك فى تكوين البناء الاجتماعى والشخصية الفردية.

وتقوم عدة جهات فى عملية النشأة الاجتماعية ابتداءً من الأسرة، فالمدرسة، فجماعة الأصدقاء والمؤسسات الدينية وصولاً إلى وسائل الاتصال الحية وأبرزها التليفزيون الذى نحن بصدد ما يبثه، مما يثير هذا الانزعاج وهذه الشكاوى، وربما هذا هو ما دفع الدولة إلى شراء معظم القنوات التليفزيونية للقضاء على هذا العبث والإسفاف، فهى تحاول بناء المواطن السليم فى حين تقوم هذه المسلسلات بتدميره. وهذا ما دفع الأستاذ مكرم محمد أحمد، رئيس المنظومة الإعلامية، إلى التفكير أو بمعنى أدق إلى العمل على تطهير هذه الشاشات من هذا الوباء المستفحل تحت اسم الدراما التليفزيونية. فاهتدى إلى تكوين لجنة يرأسها المخرج الكبير محمد فاضل فأحسن الاختيار وذلك ليقوم بتقويم هذا العبث والانحطاط لإعادة الانضباط إلى هذه الشاشات وحماية جمهور المشاهدين مما يشاهدونه ويتمثل به الشباب والنشء.

وقد لقى هذا الأمر الارتياح والاستحسان من الجماهير، ماعدا الصديق العزيز طارق الشناوى، خشية أن تصبح الدراما على حد قوله «دراما شرعية»، وهو اصطلاح غريب فى الفن، فنحن نعرف أن هناك فى النظم الشمولية ما يعرف بأنه فن توجيهى، أى يحمل كل توجهات النظام الذى تسير عليه الدولة، ونحن بالطبع لا نطيق هذا ولكن نطيق إصلاح ما فسد من أجل تقديم فن راقٍ حتى لو كان من صلاحيات هذه اللجنة ناحية رقابية تخلصنا من هذا الإسفاف والضحالة الفكرية بعد أن تحول الأمر وأصبح أشبه بالمؤامرة على معنويات المواطن المصرى.

ولست أعتقد أن مخرجاً كبيراً فى حجم محمد فاضل «وهو بالمناسبة ليس مخرجاً تليفزيونياً كبيراً فقط، لكنه أيضاً مخرج سينمائى كبير أيضاً»، إذا رفض عملاً متدنياً فهذا لا يعنى أنه رقيب فقط، وإنما هو يعمل على تقويم تلاميذه وتلاميذ تلاميذه الذين أشار إليهم الصديق طارق الشناوى، وهذا لا يعيب الأمر فى شىء، لذلك سوف أذكر واقعة شهيرة ربما لا يعرفها الصديق طارق لأنه لم يدرس الأدب الإنجليزى، فقد كتب الشاعر العظيم ت. س. إليوت أشهر قصيدة فى القرن العشرين «أرض الضياع» وأعطاها للشاعر والناقد الكبير عزرا باوند ليقرأها ويراجعها، فقام عزرا باوند بحذف أكثر من ثلث القصيدة حتى أصبح لها بناء أقوى ورؤية أكثر وضوحاً فلم يعترض إليوت وإنما نشر القصيدة بعد التعديل مسبوقة بإهداء باللغة اللاتينية ليقول «إلى الصانع الأمهر عزرا باوند»، وهذا الأمر معمول به فى معظم الإنتاج الأمريكى فى السينما والمسرح والتليفزيون.

أعاتب الشناوى لمعايرة الفنانين بأعمارهم المتقدمة، وأنهم أصبحوا الآن على الخط، أى لا يستطيع الواحد أو الواحدة منهم دخول معترك الإبداع وفقاً لقانون العرض والطلب، فأى عرض وأى طلب من هذا النوع الهابط من المنتجين التجار الذين سيطر عليهم مجموع من أطلقوا على أنفسهم النجوم والنجمات، وأصبحوا هم الذين يختارون المؤلفين والمخرجين وهم بلا ثقافة أو خبرة أو إدراك، ويجب أن يعلم الصديق طارق أن معظم عباقرة الأدب والفن قدموا أعمالهم العظيمة بعد أن جاوزوا مثله سن الستين.

وعندما يقارن طارق الشناوى جيل المخرجين العظام مثل يحيى العلمى وإسماعيل عبدالحافظ وأحمد توفيق وإنعام محمد على وإبراهيم الصحن ورباب حسين بأسماء مثل كاملة أبوذكرى ومحمد ياسين وتامر محسن ومحمد شاكر خضير وبيتر ميمو «الذى لا أعرفه»، فهى مقارنة لا تليق بمخرجين قدموا أعمالاً خالدة- مازال الناس يقبلون على مشاهدتها ويستمتعون بها- بمخرجين لم نشاهد فى أعمالهم أى تميز، وهم على الأقل لا يدركون الفرق بين الوسيط السينمائى والوسيط التليفزيونى وأن لكل منهما لغته الخاصة به فى الأجرومية الفنية وليس الموضوع كما يعتقد الصديق طارق الشناوى. فإن استخدام العدسات يختلف وأحجام اللقطات تختلف والإضاءة تختلف والأهم من كل هذا أن للسينما موضوعاتها وللدراما التليفزيونية موضوعاتها، بل إن مواعيد عرض كل منهما يختلف كل عن الآخر وغيرها من الفروق التى لا يتسع لها المجال هنا.

ولكن أريده أن يعلم أيضاً أن ما يشاهده من تطور فى الصورة هو تطور قام به المصورون، لا هؤلاء المخرجون الذين ذكرهم، فقد أصبح تحت أيدى هؤلاء المصورين من التقدم التكنولوجى فى الكاميرات وأجهزة الإضاءة والمعدات الحديثة ما يساعدهم فى تحقيق الصورة التى يراها. وربما لو قام الأستاذ طارق باختبار أحد المخرجين الذين ذكرهم عن هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة لوجد أن معلوماته لا تختلف عن معلوماته هو شخصياً، ولو دقق الشناوى فى تكون وإضاءة الصورة فى عدد من المسلسلات لوجدها متشابهة مع اختلاف السادة المخرجين الذين ذكرهم، وأن الفضل يرجع إلى مستوى التصوير وليس الإخراج.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل