المحتوى الرئيسى

محمد وليد بركات يكتب: مدينة الإنتاج الإعلامي الفاضلة! - E3lam.Org

12/11 13:05

لماذا نلوم تاجر المخدرات ولا نلوم المدمن؟ لماذا نلوم البَغيّ ولا نلوم زائرها؟

هذا لأننا مجتمع يدّعي الفضيلة، ويقبل الخطأ طالما أنه غير معلن، ويسمح بالتجاوز بشرط ألا يعرف به أحد، وبنفس الكيفية نلقي باللائمة دومًا على الإعلام والإعلاميين، والصحافة والصحفيين، بدون أن نلقي اللوم على أنفسنا ولو مرة واحدة !

من الرئيس إلى الخفير.. الكل يشكو الإعلام، الكل يعيش مظلومية “الإعلام صابني ورب العرش نجاني”، ولا أحد ينظر إلى تعامله مع الإعلام كمستهلك للرسائل الإعلامية أولا، وكمنتج لها ثانيا، قبل أن يُقيّم غيره ويطلق عليه النار.

الجمهور يلهث خلف برامج النميمة، والفضائح، و”النفسنة”، وتكبير الثديين، والمقالب المبتذلة، والفنون الهابطة، والرقص الخليع على الهواء مباشرة، والخرافات والشعوذة، والدجل والهبل، وفي الأعياد يشاهد آلاف المراهقين أفلاما تافهة، مفرغة المضمون، ويتفاعلون بكل حرفية مع أغاني المهرجانات، غناء ورقصا، نفس ذلك الجمهور هو الذي يتابع برامج “التوك شو” ويعطيها اهتمامه ومشاهداته، فتبيعه القنوات للمعلنين بدون أن يشعر، وتقبض الثمن، البرامج والقنوات نفسها تتصارع عليه، تمام كما تتصارع الثعالب على نعجة بلهاء أو تيس ضال !

نرشح لك: سندي رويال تنصح بتدريس نموذج “فيس بوك” لطلاب الإعلام

ننتقل إلى النخب.. التي ترفض قطاعات واسعة منها التعامل أصلا مع وسائل الإعلام، أساتذة جامعات وخبراء متخصصون في شتى المجالات، يرفضون الإدلاء بمعلوماتهم إلى رجال الإعلام، ويضنون بتقديم الرأي ووجهة النظر والتحليل، فيفرز ذلك ظاهرة الضيف المتكرر، الذي ينتقل من قناة إلى أخرى ليل نهار، بنفس الكلام وذات الرؤى، بما يُسطح الرأي العام، ويزيده جهلا على جهله!

أما المصادر الرسمية.. فحدث ولا حرج.. تريد الإعلام أداة دعائية، وركوبة سهلة تمتطي ظهرها المهني، تريد الأخبار مكيفة على هواها، تبرز الإيجابيات وتخفي السلبيات، تحت شعارات براقة كـ”دعم التنمية” و”نشر التفاؤل”، وفي الجانب الآخر من المشهد ترفض تقديم المعلومات، أو تقدمها ببطء بعد فوات الأوان، ولا تعي أن الوقت عامل حاسم في مهنة البحث عن المتاعب.

أضف إلى ما سبق ما ينشره الجمهور والنخبة سواء بسواء على مواقع التواصل الاجتماعي مع شائعات، وأخبار مفبركة، ونكات مبتذلة، وما يخوضانه من معارك كلامية، وما يزورانه من مواقع إباحية، وما يعلقان به من سِباب حاد وقاس على أي خبر وكل خبر بشكل يشعرك أن هذا المجتمع “فقد عقله”..!

حتى الرئيس.. شكا مرارا وتكرارا من الإعلام ورجاله؛ لأنهم يبلبلون الرأي العام ولا يتحرون الدقة، ولكن الرئيس نفسه لم يُهيئ الرأي العام – بالمعلومات الموثقة – قبل بعض قراراته الصادمة، كاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، المعروفة إعلاميا بـ”تيران وصنافير”، فأحدث هزة عنيفة، وتصدعا في مجتمع متصدع بطبيعته، وأسهم – بدون أن يقصد – في انتشار الشائعات!

يتكامل مع كل ما سبق تراجع مستوى تعليم الإعلام والتدريب عليه سواء في الأكاديميات الجامعية أو في المؤسسات الإعلامية، وتراخي الجماعات المهنية عن القيام بدورها تجاه المهنة، وضعف العائد المادي للمهنة بشكل عام، والضغوط السياسية والقانونية، والتحديات الاقتصادية والتكنولوجية التي تواجه المشتغلين بها.

هل يعني ذلك أن إعلامنا على خير ما يُرام؟ هل إعلامنا ضحية ومجني عليه لا جان اقترف إثما؟!

نرشح لك: 7 ملاحظات على حملة “إنترنت يستحمل” لـ أورانج

إعلامنا يمارس ألوانا من اللاموضوعية، والتلوين للأخبار، والاجتزاء للحقائق، والإثارة السياسية والرياضية والجنسية، واللهاث خلف السبق على حساب الصدق، والحوار المبتذل، والخوض في الأعراض، وانتهاك حرمة الحياة الشخصية، وغيرها الكثير من المخالفات المهنية التي يرقى بعضها إلى الجرائم.

هل لدينا أفضل جمهور لننتظر أفضل إعلام؟

Comments

عاجل