المحتوى الرئيسى

قدس السينما

12/09 21:41

التفكير فى مقاطعة الفيلم الأمريكى كوسيلة ضغط وتعبير عن الرفض لقرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس ليس حلا، لكن السينما نفسها هى الحل، كونها ورقة الضغط الإنسانى الذى يمكنها أن توقظ الضمير وتؤثر فى الوجدان، وتصحيح مسار لتاريخ زائف تشبعت به اجيال فى الغرب.

فمثلما لعبت السينما دورا محوريا فى سياسة الدعاية الصهيونية بجانبها الوثائقى والروائى، لتطيح ببشر ووطن، لخدمة أهداف كل مرحلة من مراحل الصراع العربى الصهيونى، وحاولت باستماتة هوية المواطن الفلسطينى وجذوره، يمكنها ايضا ان تعيد طرح الوقائع وتهدم ما هو زائف عبر قصة الشعب والأرض، يمكن للسينما العربية ان تلعب دورها وتعيد الإنسانية إلى الالتفاف حول مائدة الحق والتعاطف مع شعب سلبوا منه الأرض والعرض.

الحقيقة المؤلمة ان دور السينما العربية غائب، والمخرجون الفلسطينيون باتوا فى سبات عميق مستسلمين لأفكار التعايش والسلم مع صاحب الحق المعتدى، وهنا أعنى قضية القدس.. واتساءل اين كانت تلك القضية من السينما العربية، وإلى أى مدى كان تأثير الأعمال القليلة التى تطرقت لها على الشعوب.. بالتأكيد كانت محاولات هشة ترقص على السلم، وإن بعضها خان القضية بحكم وقوعها تحت براثن وشروط وخبث الإنتاج المشترك.

على صفحات الشروق كتبت مقالا عن كيف تفكر السينما الإسرائيلية، وقلت إنها تدعو للاستسلام للأمر الواقع وهو ان يعيش الشعبان ــ الإسرائيلى والفلسطينى ــ تحت سقف واحد لبيت كبير بالطبع واجهته إسرائيل، وانغمسوا فى تشابك قصص حب مشتركة، وهو المشهد الخبيث الذى هدأت به وفيه نبضات عزيمة الدفاع عن وطن ضد محتل، بل ومررت الافلام الاسرائيلية الفكرة المباركة امام العالم مستغلين القوة الناعمة وتأثيرها الكبير أفضل استغلال، فى التسلل لوجدان الناس، بأنهم كـ«مواطنين» لا مشكلة مع نظرائهم الفلسطينيين، وان المستقبل هو ان يقبل الجميع بعضه، وأنهم «كلا الطرفين» عليهم مواجهة سياسة التفرقة، هذا هو العسل الذى تريد به السينما الإسرائيلية محو آثار سم قاتل.

والمؤسف أن الأمر نفسه انسحب على صناع السينما الفلسطينية الذين باتت القضية لا تشغلهم سوى فى احاديث الشو الاعلامى، بينما أعمالهم رضخت لمعايشة سلمية مع الكيان الصهيونى، والأمثلة كثيرة من بينها فيلم «زرافاضا» للمخرج رانى مصالحة والذى دارت حكايته على خلفية قصة تجرى أحداثها فى حديقة حيوانات قلقيلية، حينما تقتل الغارة الإسرائيلية إحدى الزرافتين، وتجنبا لموت الأخرى حزنا، يصير لزاما على الطبيب وصحفية اجنبية جلب زرافة أخرى ولو من حديقة حيوان إسرائيلية فينجح الطبيب البيطرى وابنه المحب للحيوانات من انقاذها من الموت وان كان الحل من إسرائيل.

هناك أفلام تم إنتاجها داخل فلسطين لكن دون أن يسمع فيها صوت فلسطينى واحد، إذ بقى الفلسطينيون مجرد خلفية للحدث الرئيسى وهو المستوطنات اليهودية، ولم يستطع السينمائيون استخدام السينما من اجل الترويج لعدالة قضيتهم امام الاعلام العالمى بل واعتمد إنتاج عدد من الأفلام الروائية الفلسطينية الطويلة فى السنوات الماضية على التمويل الإسرائيلى من خلال صناديق السينما الإسرائيلية (درب التبانات، عطش، بدون موبايل وغيرها) ولم يتحرر المبدع السينمائى فى عمله مثل «يد إلهية، وفيلا توما» وايضا «عربانى» الذى اعتمد فيه المخرج عدى عدوان على صناديق التمويل الإسرائيلية فى إنتاج فيلمه الذى خرج من دائرة الأفلام التى تتناول القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلى ورصد فى فيلمه قضية الحرمان الذى يقع على ابن من أبناء الطائفة العربية الدرزية وقضية الانتماء والهوية.

فى عام 1992 الذى كان عنوانا للمباحثات السرية التى توجت باتفاق أوسلو، وإنشاء السلطة الوطنية ووزاراتها ومن ضمنها وزارة الثقافة. بدأ السينمائيون الفلسطينيون بالسعى للحصول على تمويل من جهات مختلفة كان منها ما هو إسرائيلى، وبدت فى الأفق أعمال لميشيل خليفى، وإيليا سليمان وهانى ابواسعد ومى مصرى وعلى نصار ورشيد مشهراوى ليقدموا سينما ما بعد الثورة لكنها باتت فى مجملها جهودا فردية لم تشكل فى يوم من الايام سوقا للسينما الفلسطينية بقدر القضية.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل