المحتوى الرئيسى

عشق طه حسين و سوزان

12/08 13:04

وفد ( طه )الطالب الضرير ، الى عاصمة النور و الثقافه و الفن، حافظا لكتاب الله، في قلبه ، حاملا علما غزيرا ، و املا في عقله ، يحلم بغد ، ينير له ظلمة لياليه ، كان الفتى الشاب، يتحسس خطاة و يتعرف على العالم بعصاه، و يدة و جميع حواسه ، فباتت تلك الحواس ،بغاية الدقة و الرهافه، فقد كان يرى باذنه ، و انفه و يدة ، غير انه في يوم من الأيام رأي بقلبه ، حين رأي (سوزان ) صدفه مع والدتها و تعارفا و أصبحا صديقين مقربين .

كانت (سوزان ) تزوره بين الحين ، و الاخر تقرأ له و يتحدثان في أمور الأدب و الثقافه و اللغات و نشأ ذاك القرب الإنساني الرائع ، بتلاقي الأرواح ، حتى ان أستاذا للغة الايطاليه كفيفا ايضا و زميلا لطه في الجامعه همس في أذنه يوما : " ان تلك الفتاة سوف تكون زوجتك " ، غريب ذاك التوقع ، و لكنه ذو اثر حلو في النفس ، فجميلة هي الأحلام المستحيله و مشوقة و محفزه لاصحاب الإرادات القويه و الأحلام الكبيرة.

ذات يوم عرضت والدة (سوزان ) على طه ، ان يستأجر غرفة عندهم ،في منزلهم، و بهذا يستطيعون العنايه بامورة أكثر ، و ايسر ، وكان لطه موظفتين ، من الجامعه ،احداهما تقرا له و الاخرى توصله الى الجامعه ، و مع الأيام أخذت سوزان تقوم بالدورين ، و كان لصوتها العذب ،و حضورها المميز، وقع خاص على قلب طه ، فعشق الصوت ، و صاحبته ، لكن خجلة ،ذاك الشرقي الريفي ،منعه من مصارحتها، و لم يكن الخجل هو المانع الوحيد ، و بالفعل انتظر حتى يعود لوطنه في اجازه ، و بعث اليها بخطاب يائس ، يخبرها فيه ، بانه يعلم ان حبه مستحيل، و صعب و لكنه يحبها حقا ، و وصل الخطاب لِيَد (سوزان ) ،التي استغربت كثيرا، و ربما غضبت ، ما الذي جعله يفكر بها كحبيبه ؟!؟ و كفرنسية حقيقية ( ليس للمجاملات في حياتها نصيب ) ردت بأنها ، لا تحبه على هذا النحو و لكن ...

(سوزان ) فتاة في مقتبل العمر ، جميله و عصرية قرأت الكثير ،الكثير من الكتب ، لكبار الأدباء و الفلاسفه و بلغات عدة ، ترى ايكون تفكيرها عاديا اعتياديا !!؟فتحلم بشاب وسيم، مفتول العضلات ،فرنسي الملامح و الطباع !!؟ما المثير اذا ؟! و أين التحدي و أين الجديد ، و لكن هذا ال (طه ) القادم من بلاد بعيدة ، بلاد الشرق العتيدة ، كل شي به مختلف جديد، و مثير ، كفاحه ،اجتهاده ، تحديه ثباته ، جبروت ارادته ، و اخيرا بل اولا، احساسه الرائع بها ، و بأنها حلم صعب المنال ، ( ذاك الشعور هو أغنى و اثرى شعور، تشعره المراه على الإطلاق ) و في المقابل ، تكون على استعداد، بتحد الكون و ليس فقط قبول الحبيب ، و قبلت (سوزان ) حب (طه)

و بالفعل ، كان عليها ، تحدي كونها الصغير ، (اسرتها التي فزعت من نبأ عزمها الزواج من طه ). اذ قالوا : " جنت سوزان " ، كيف تحب ضريرا، شرقيا و مسلما ، لكن كان هناك عّم لها قسا و كانت سوزان تحترمه كثيرا ، و حدث ان تحدث هو وطه لساعات طوال ، و بعد تلك الجلسة ، مع (طه) قاهر الظلام و الساعي لتحقيق الأحلام ، اثنى العم الطيب على طه قائلا لسوزان : "انك لن تضيعي أبدا برفقة رجل كهذا ".

بهذا أخذت (سوزان) بركة قلبها و قريبها و تحولت الصداقه و التقاء الأفكار ، الى حب ، و ود كبيرين ، خطبا لمدة عامين ، و أنهى (طه ) بعثته في فرنسا و جاء موعد الرجوع ، الى مصر المحروسه ، ركبا سفينة الى الشرق ، سفينة تبحر بهما وحيدين ، هي غريبه و هو يسبح في غربة فقدان البصر ، يمسكان بيد بعضهما البعض ، يستقويان بحبهما ، فيكون طوَّق النجاة ،وسط الامواج العاصفة ، امواج الدنيا و تغير الأحوال و تبدل الصعاب و الاهوال.

يستقر بهم الحال ، في حي السكاكيني في القاهرة ، تعيش سوزان الفرنسيه مع الدكتور (طه حسين ) حياة بسيطة، فقد كانا في البدايه و البدايات دائماً صعبه و لكنها ممتعه ، و شيئا فشيئا ، تتحسن الأحوال و يتبدل الحال بالحب ، و الارتباط الذي كان محال ، و ينجبان طفلين امينه و مؤنس ، و يزداد ارتباط العاشقين.

عاشا حياة طويلة ، برفقة بعضهما البعض ، حدث فيها الكثير ، ولاقا بها الكثير ،المثير ، كان هناك الترقي و العلو و رفعه المكانه ، و مقابلة و التعرف على مشاهير الأدب و الثقافه و السياسه في العالم و كان في طيات الأيام كذلك حروب و صعاب و اتهامات ل (طه) بالتكفير و الارتداد ، و أشياء اخرى ، عصيبة مريرة و كان دائما (طه حسين ) في اروع منظر و أبهى طله ، و اجمل تألق ، كانت دائما تتأبط ذراعه تلك السيدة الرائعه، التي صنعت مجده معه و التي طالما تأثرت بأفكاره، و دافعت عنها و عنه ، فكانت عصاه التي يهش بها على جميع صعابه و نكباته و كبواته ، كانت عينه، بها يرى و بها يعيش ،،فعندما تعشقك امراه جميله ذكية و تدعمك على الملا و تعلن حبها و دعمها ، فانت اذا اسعد الرجال حظا و أوفرهم رزقا، و هكذا كان حال طه حسين مع سوزان .

هو ايضا كان عاشقا رائعا ، فقد كان يخبر حبيبته كل حين ، بحبه لها و أهميتها في حياته ، و كيف ان عالما دونها لا يكون شيئا ، كان يخط لها الرسائل الطوال عندما تفرقهم السفرات القصيرة ، و كانت هي تقرا رسائله ، و تستمد منها طاقة جبارة ، تجترها معه لإكمال الطريق الطويل الجميل.

توحد الحبيبان ، حتى تداخلت و تشابكت أرواحهما و زادها قوة و دعما امتداد الفترة التي جمعتهما و التي قاربت الستون عاما و كان التفاني و الإخلاص و الحب و التحدي ، هي أدوات عشقهما، كل منهما أراد إظهار أروع ما عنده ، للاحتفاظ بالحبيب ، هو كان ممتنا شاكرا و لعطفعا و عنايتها ذاكرا ، و هي كانت تتحدى العالم به ، تثبت لنفسها و للدنيا يوميا ، ان اختيارها كان صائبا ، و في محله ، كانت تتلقى نجاحه ، تلقيها لنجاحها الشخصي ، و هو بالفعل كذلك ، فما قامت به سوزان ، في حياة (طه حسين ) اعجاز ، لا يقل اهميه ، عن إعجازه الأدبي ، فقد تحملت مزاج كاتب و أديب و مبدع و ما أصعبها تقلبات مزاج الأدباء !!! فهم يحييون بالعاطفه ، فتعطيهم من فيضها، و ترهقهم بفيضانها ،أضف الى هذا ، نوبات اليأس و الاحباط من معارك و معتركات الحياة العامة و المنصب الوزاري ، الذي تقلده (طه حسين ) ، كلها أمور مرهقه صعبة التحمل و لا يسهلها الا حب جارف و رغبة في العطاء المتناهي .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل