المحتوى الرئيسى

.. وكأن القرار صدر فجأة! | المصري اليوم

12/08 05:01

قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب لم يصدر فجأة، وكان يمكن أن يكون كذلك إلا أن القرار سبقه تمهيد واسع، كان آخره تصريحات أمريكية رسمية بأن الرئيس سوف يصدر يوم الأربعاء المقبل (أمس الأول) قراراً بهذا الشأن، قبل ذلك كان هناك للأسف تمهيد فى عدد من العواصم العربية، على المستويات الرسمية أحياناً، والإعلامية أحياناً أخرى، ومستويات النخبة فى أحيان كثيرة، فيما بدا أن هناك تنسيقاً بين هذه العواصم بعضها البعض، وربما ما هو أكثر من ذلك.

فى مصر على سبيل المثال خرج من يقول إن المسجد الأقصى الموجود فى القدس ليس هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، ليس هو المذكور فى القرآن الكريم، حتى وصل التشكيك إلى ثوابت الدين المتعلقة بهذه القضية ومن بينها حادثة الإسراء والمعراج، فى إحدى دول الخليج نشطت الكتائب الإلكترونية فى الآونة الأخيرة تُروِّج لأهمية العلاقات مع إسرائيل، ولتذهب القضية الفلسطينية إلى الجحيم، مصادر أمريكية كشفت أيضاً عن ضغوط من إحدى العواصم على الرئيس الفلسطينى محمود عباس للقبول ببلدة أبوديس، الواقعة على أطراف القدس، كعاصمة للدولة الفلسطينية، فى الوقت نفسه أصبحت معظم البلدان العربية تزحف نحو إسرائيل سراً وعلناً.

القرار الأمريكى لم يكن أبداً وليد الأربعاء الماضى، فقد كان أحد أهم محاور البرنامج الانتخابى للرئيس الأمريكى، حتى بعد إعلان نتيجة الانتخابات مباشرةً أكد مراراً ذلك الهدف، الذى لم يجد أى رد فعل عربى آنذاك، على اعتبار أن الجميع يخطبون ود الوافد الجديد، المتحفز للنفط العربى والمال العربى، بل لكل ما هو عربى، حتى إنه أصدر قراراً بمنع مواطنى ٦ دول عربية من دخول الولايات المتحدة، دون أن يحرك ذلك ساكناً أيضاً، ثم بعد ذلك ربط بين الإسلام والإرهاب فى معظم أحاديثه، أيضاً لم يتحرك أحد.

الأهم من ذلك أن الرأى العام العربى أصبح مهيأً لما هو أكثر من ضياع القدس، وذلك بعد الترويج لما يسمى صفقة القرن، على الرغم من غموض تفاصيلها، إلا أنها أصبحت مشوبة بضياع حلم الدولة الفلسطينية ككل، أيضاً المواقف العربية تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية واعتبارها فصائل إرهابية قضت على ما تبقى من النضال الفلسطينى لصالح المبادرات الورقية والمفاوضات المتوقفة والاتفاقيات التى أصبحت من الماضى، مما جعل القضية أشبه بجثة هامدة، لم تعد تفلح معها أى محاولات للإنقاذ.

الغريب أنه بمجرد توقيع ترامب على القرار، انتفض الجميع بتصريحات الشجب والاستنكار، على الرغم من أن الرجل أيضاً قام بإبلاغ معظم القادة العرب هاتفياً قبل التوقيع، رغم ذلك لم نسمع صوتاً لأحد، بعضهم أصدر بيانات تتحدث عن اعتراض هاتفى، والبعض الآخر تحدث عن الرفض، والبعض الآخر التزم الصمت فيما يفيد الموافقة، إلا أن أى تلويح بأى قرار لم يصدر من هنا أو هناك، وحتى بعد صدور القرار لم يقدم أحد على رد فعل بمستوى الحدث، وهو ما يشير إلى الموافقة الضمنية على أقل تقدير، انتظاراً لاجتماعات على المستوى الإسلامى أو العربى، تستخدم عدداً من التعبيرات الساخنة، كما جرت العادة دائماً وأبداً.

المثير للانتباه أن قضية القدس أصبحت قضية مواقع التواصل الاجتماعى أكثر منها قضية رسمية، «الفيسبوك» أصبح زاخراً بالمواقف الوطنية باستثناء تلك التراشقات الخليجية الموجهة، كما «تويتر» أصبح متخماً بالتندر على المواقف الرسمية، كما تصريحات التنظيمات الفلسطينية والقوى السياسية العربية أصبحت تجد متنفساً على هذه المواقع أكثر من وسائل الإعلام الرسمية فى معظم البلدان العربية، والتى تخضع عادة فى مثل هذه الظروف إلى توجيهات تراعى مشاعر العم ترامب وأبناء العم سام عموماً، وربما العم نتنياهو والصهيونية العالمية، بعد أن تداخلت المصالح واختلط الحق بالباطل إلى هذا الحد.

من السذاجة أن يتصور أحد أن القرار فردى أو شخصى لترامب، القرار أمريكى من أقصى البلاد إلى أقصاها، قرار الدولة الأمريكية بكل ما تحوى من دبلوماسية وأجهزة مخابراتية وأمن قومى وجماعات ضغط صهيونية، كلها استغلت التوقيت الصحيح المتعلق بالاهتراء العربى على كل المستويات، وإلا لكانت إسرائيل هى التى طلبت تأجيله، إلا أن كل الدراسات بالتأكيد تكهنت بردود الفعل العربية التى يدركونها جيداً، والتى لن تزيد على هذا المستوى الفيسبوكى، وبعض الاجتماعات الرسمية ذراً للرماد فى العيون، وربما يكشف المستقبل عن أسرار مشينة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل