المحتوى الرئيسى

(القتل فى المحراب).. لماذا قتل الإرهابيون الخلفاء الراشدين فى المساجد؟ - صوت الأمة

12/06 11:43

حمدى عبد الرحيم (نقلا عن العدد الورقى)

أفزعت حادثة قتل المصلين بينهم أطفال بمسجد الروضة بسيناء المصريين، وقد بلغ الفزع غايته حتى تردى بعضهم فى كلام سخيف لن نعيده تنزيهًا لأرواح الشهداء واحترامًا لألم المصابين.

عندما يهدأ المصريون وهذا قادم بعون الله ولطفه، سيضعون تلك الحادثة الشنيعة فى حق موضعها، فما تلك الحادثة إلا حلقة من سلسلة سوء تريد إذلال الأمة وكسر قلبها، وما السؤال عن دين مقترفى تلك الحادثة سوى كلام مبعثر فى الهواء، الدين عند هؤلاء المجرمين ما هو إلا قتل ثم قتل ثم قتل وهم يقتلون تحت ألف عباءة وعباءة، فلماذا نشغل أنفسنا بالسؤال عن دينهم ومدى تمكن المشاعر الإنسانية من قلوبهم؟

لقد سبق هؤلاء أبو لؤلؤة المعروف بالمجوسى، الذى قتل أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب فى الشهر الحرام وبداخل مسجد الرسول وفى صلاة الفجر!

يعنى قام بانتهاك الحرمات جميعها، ولأن المسلمين أيامها كانوا نبهاء لم يشغلهم دين أبى لؤلؤة، لقد شغلهم أمر دولتهم فلم تمر سوى أيام قلائل حتى اختاروا ذا النورين عثمان بن عفان أميرًا للمؤمنين لكى تظل دولتهم مصونة مهابة.

حكم الفاروق عمر بعد موت الصديق أبى بكر، وكلنا يعرف الفاروق وعدله وكلنا نباهى به ونفاخر، وعن نفسى وقد أطلت النظر فى كتب التراجم لم أر أحدًا من الصحابة أو التابعين يقول كلمة سوء عن الفاروق عمر، فلماذا يقتل رجل العدل والحزم؟

فى اليوم السادس والعشرين أو السابع والعشرين على اختلاف الروايات ذهب عمر كعادته إلى المسجد النبوى ليؤم الناس فى صلاة الفجر، كان من عادات عمر أن يمر بين الصفوف قائلًا للمصلين: استووا.

استوت الصفوف وكَبّر عمر تكبيرة الإحرام وبدأ يتلو الفاتحة، فى الصف الأول كان يقف عبدالله بن العباس، وفى الصف الثانى كان يقف عمرو بن ميمون.

عمرو بن ميمون هذا من أكابر التابعين ومشايخهم أدرك الجاهلية والنبوة وأسلم ولكنه لم ير النبى لذلك لم يعده العلماء من الصحابة وإنما من المخضرمين من كبار التابعين.

يروى ابن ميمون تفاصيل الحادثة فيقول: إنى لقائم فى الصف ما بينى وبين عمر بن الخطاب إلا عبدالله بن عباس، فما هو إلا أن كبَّر  (أى عمر) فسمعته يقول: قتلنى -أو أكلنى- الكلب، حين طعنه، فطار العلج (الرجل الشديد الغليظ من الكفار) بسكين ذات طرفين، لا يمرُّ على أحد يمينًا ولا شمالًا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنسًا، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه.

علينا أن نذّكر أن الفاروق قتل فى أواخر ذى الحجة، يعنى فى شهر من الأشهر الحرم، وقتل وهو إمام للمسجد النبوى، وقتل وهو يصلى الفجر بالمسلمين وبينهم

كبار صحابة الرسول، فكيف دخل عليه القاتل إذا كان القاتل كافرًا؟

هناك رأيان فى أبى لؤلؤة، رأى لأهل السنة والجماعة الذين يرون أن أبا لؤلؤة كان كافرًا، ورأى لجماعة معتبرة من الشيعة الذين يقولون: كان أبو لؤلؤة «فيروز» من المسلمين المخلصين كما صرّح به علماؤنا الأبرار.

قال الميرزا عبدالله الأفندى فى «رياض العلماء»: «أبو لؤلؤة فيروز الملقّب ببابا شجاع الدين النهاوندى الأصل والمولد، المدنى قاتل ابن الخطّاب».

ثمّ قال: «اعلم أنّ فيروز هذا قد كان من أكابر المسلمين والمجاهدين بل من خلّص أتباع أمير المؤمنين عليه السّلام (يعنى عليًا عليه السلام) وكان أخاً لذكوان وهو أبو «أبى الزناد عبدالله بن ذكوان» عالم أهل المدينة بالحساب والفرائض، والنحو والشعر، والحديث والفقه».

ثم هناك مزار أو نُصّب تذكارى مقام لأبى لؤلؤة فى مدينة إيرانية ظل يستقبل الزوار لقرون حتى تم إغلاقه فى العام 2007 بعد جهود بذلها الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين.

بعيدًا عن حفاوة شيعة إيران على وجه التحديد بأبى لؤلؤة، فالرجل كان مسلمًا أو على الأقل أظهر الإسلام بلسانه، أما ما فى قلبه فيعلمه الله.

المدينة وقبلها مكة محرمتان على غير المسلمين، هذه واحدة، الثانية أن الرجل دخل المسجد النبوى وهو أشد بقاع المدينة حرمةً، وما كان المسلمون سيسمحون له بالدخول لو علموا كفره، الثالثة أن عمر بن الخطاب نفسه كان لا يسمح بوجود الأرقاء غير المسلمين بالمدينة أو مكة، فإذا أسلم الرقيق دخلهما وإلا بقى خارجهما فى أى مدينة يختار.

يبقى السؤال قائمًا، لماذا انتهك أبو لؤلؤة كل حرمة وقتل الفاروق؟

يقولون إن أبا لؤلؤة كان عبدًا للمغيرة بن شعبة، وكان المغيرة يطلب منه أن يدفع له درهمين يوميًا.

هنا نقف ونسأل هل الدرهمان من حق المغيرة؟

لو كان أبو لؤلؤة عبدًا مملوكًا فكله لا الدراهم فقط ملك المغيرة، فما معنى النص على دفع الدرهمين؟

ولو كان مكاتبًا، والمكاتب هو الذى يتفق مع سيده على أن يحصل على صك الحرية إذا دفع له كذا، مائة دينار مثلًا.

لا أعرف لماذا تضطرب الروايات فى تحديد الوضع الاجتماعى لأبى لؤلؤة، وذلك التحديد مهم لأن للرقيق المملوك أحكاما وللمكاتب أحكاما غيرها وللموالى أحكاما.

ما علينا، ونعود لسياق الحادثة، قالوا: إن أبا لؤلؤة قد شكا المغيرة لعمر، فأجزل له عمر العطاء حتى يخفف عنه عبء الدرهمين، فبلغ عطاؤه من بيت المال مائة درهم شهريًا.

طبعًا اللئيم لا يغيره المعروف، ولكن على الأقل يحجم لؤمه شيئًا ما، فلو كانت الرواية صحيحة، وهى صحيحة من ناحية السند، فإنها ناقصة مبتورة.

لنا أن نقول إن كل ذلك كان ولكن الحقيقة هناك فى مكان آخر، الحقيقة أو القريب منها أن أبا لؤلؤة ليس كافرًا مظهرًا الكفر، وهو من المتحمسين لقومه الباكين على المجد الذى أضاعه فتح عمر لفارس، كأن الرجل واحد من المغالين فى الشعوبية التى ترى العرب أحط وأقل من أن يحكموا فارس العظيمة ويجلس الواحد منهم متربعًا فى إيوان كسرى.

أنا الآن وبعد تلك القرون أرى القصة قصة عنصرية وليست شيئًا آخر، أبو لؤلؤة عنصرى هُزم قومه ولكنه لم يستسلم للأمر الواقع فقتل هازم قومه انتقامًا لمجد غابر.

إذن مات أعدل حكام المسلمين بعد رسول الله، يقول الواقدى: طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقيت من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم، سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وواحد وعشرين يوما، وبويع لعثمان يوم الاثنين، لثلاث مضين من المحرم.

استشهاد الفاروق كان أول قتل فى المسجد فى تاريخ الإسلام، وبعده سيتواصل القتل لأسباب شتى.

بعد رحيل الفاروق جاء ذو النورين عثمان بن عفان، الذى قتل وهو يقرأ القرآن فى مصلاه، أى فى غرفة من بيته خصصها للصلاة، فكأنه قتل فى المسجد أيضًا، ثم حكم من بعده الإمام على بن أبى طالب.

لا كثير كلام عن الإمام فهو فتى الفتيان وفارس الإسلام وفيلسوفه، ثم هو أخو النبى ولا فخر فوق هذا، فعندما آخى الرسول بين المهاجرين ترك عليًا دون أن يحدد له أخًا، ثم آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار وترك عليًا الذى سأله: لماذا تركتنى بدون أخ؟

فقال له الرسول الأكرم: أنت أخى فى الدنيا والآخرة.

مناقب السيد الإمام لن يحيط بها وصف فنتركها لخالقه يرفع بها له درجاته.

حكم على واضطربت عليه بعض الولايات مثل ولاية الشام التى كان على رأسها معاوية بن أبى سفيان، ورأى الخوارج الذين كانوا يكفرون كل الناس سواهم أن الفتنة سببها ثلاثة رجال هم عليّ ومعاوية وعمرو بن العاص فتعاهدوا على قتلهم جميعًا.

أنقل باختصار عن الطبرى: اجتمع ثَلَاثَةً مِنِ الْخَوَارِجِ; وَهُمْ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُلْجَمٍ الْحِمْيَرِيُّ، وَالْبُرَكُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ التَّمِيمِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ.

فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، وَقَالَ الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا.

فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا، ثمّ ضمّ إليه رجلا يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ، وَاسْتَمَالَ رَجُلًا آخَرَ يُقَالُ لَهُ: شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْحَرُورِيُّ.

فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَى سُيُوفِهِمْ، فَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِى يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيّ، فَلَمَّا خَرَجَ جَعَلَ يُنْهِضُ النَّاسَ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، فَثَارَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ بِالسَّيْفِ، فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ فِى الطَّاقِ (يعنى فى الخشبة التى تثبت الباب للحائط)، فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ، فَسَالَ دَمُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ.

وَحُمِلَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَحُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ، قَبَّحَهُ اللَّه ُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّه، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرّ خَلْقِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: لَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ، وَلَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ.

استشهد الإمام على فى ليلة الجمعة قبل الأخيرة من رمضان عام أربعين من الهجرة، كان قتله بداخل المسجد الجامع بالكوفة وكان سيؤم الناس فى صلاة الفجر، كأن حادثة مقتل الفاروق هى بعينها حادثة مقتل الإمام، القاتل أهدر كل الحرمات لسبب سياسى واضح، هو من الخوارج وعلى قاتل الخوارج وهزمهم والرجل يريد الثأر من الجميع لا من على وحده.

العجيب أن شاعرًا مطبوعًا مثل عمران بن حطان قال يمدح ضربة ابن ملجم لعلى ويمدح ابن ملجم نفسه: 

«يا ضربةً من تقيٍ ما أراد بها / إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا

إنى لأذكره يوما فأحسبه / أوفى البرية عند الله ميزانا».

أما ما هو أعجب من شعر عمران فهو عمران نفسه لأنه كان من أئمة التابعين وكان يروى الحديث عن السيدة عائشة، وله حديثان فى صحيح البخارى ولكنه كان خارجيًا متعصبًا لا يرى الإسلام إلا فى الخوارج!

مقتل الكبيرين الفاروق والإمام فى المسجد لم يحط من قدر الإسلام ولم يهدم مكانة المساجد بيوت الله فى أرضه، هذا القتل كشف عن نفسية المجرمين.

المجرم من هؤلاء، أو الإرهابى بلغة عصرنا، لا يقيم وزنًا لحرمة من الحرمات، هو ليس إنسانًا طبيعيًا يشعر بما يشعر به الأسوياء من البشر، هو باحث عن القتل لألف سبب وسبب.

فمن العيب أن ننصرف عن مواجهة هؤلاء لنبحث فى دينهم وهل هو متين أم لين، ما لنا نحن ودينهم فليكن كما يكون.

ثم من العيب أن نتركهم يفلتون بجرائمهم ثم نجلس نحن نتباحث فى أفكارهم.

كل قاتل لديه فكرة ما، فلا قتل يتم فى المطلق ولا قتل يتم بدون غطاء.

أنا وأنت رأينا الأمريكان يدفنون أسراهم من العراقيين أحياءً، هل لا تزال ذاكرتك تحتفظ بتلك المشاهد؟

هل وراء هذا القتل الخسيس فكرة؟

نعم فكرة الأمريكان أو الغطاء الذى يبررون به القتل كان نشر الديمقراطية فى العراق، أنت سمعتهم يقولون هذا كما سمعتهم أنا.

ثم أنا وأنت رأيناهم يبولون على الأفغان قبل قتلهم ويبولون على جثثهم بعد قتلهم، وكانت الفكرة / الغطاء هى القضاء على تنظيم القاعدة وتخليص أفغانستان من حكم طالبان.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل