المحتوى الرئيسى

الأفلام السينمائية والسلوك | المصري اليوم

12/06 11:41

قد أصبحت الأفلام السينمائية أحد الأشكال الأساسية للتسلية فى حياة الشعوب، وفى نفس الوقت تحولت منذ زمن فى بعض الدول إلى صناعة عملاقة ذات رأس مال هائل، خاصة فى أمريكا والهند، فهما تنتجان مئات الأفلام المختلفة الأنواع.

وقد توافق مع هذا النمو الضخم للإنتاج السينمائى أن الأفلام السينمائية قد أصبحت من أكثر المؤثرات على حياتنا المعاصرة، وذلك بتلمسها للتجارب اليومية لملايين من الناس، وذلك بطريقة محببة وجذابة، فمن الطبيعى إذن أن يعتبرها العديد من الناس أنها ذات تأثير قوى وناجح على السلوك، ويكشف التمعن فى قراءة ما يدور كتابته فى هذا الموضوع البالغ الأهمية أن هناك نقصاً فى الإجماع على طبيعة هذه المؤثرات على السلوك.

فهناك العديد الذين يعتبرون الأفلام السينمائية كمحسنات للشخصية الصلبة فى الحياة الحديثة، والتى تخلو من المرونة اللازمة للتكيف مع ما يواجهها من مشاكل الحياة، ويرى البعض أنها تعتبر وسيلة رئيسية لإضفاء الخيال على عالم كئيب، وذلك بإضافة تعويض لرتابة الحياة المعتادة.

ويعبر عما يدور من خلافات بالنسبة لتأثير الأفلام السينمائية بشكل دائم، ولكن بطريقة أكثر عملية علماء النفس ودارسون آخرون للسلوك الإنسانى، حيث يقومون بالتصريح بأن هذه الأفلام السينمائية هى وسيلة للإرضاء - بشكل بديلى ودون ضرر - دوافع مكبوتة، وإلا فمن المحتمل إن لم يكن من المؤكد أن تأخذ طريق تعبير أكثر خطورة. فعن طريقة تخفيف أى نوع من التوتر وعن طريق إحداث نوع من التطهير العاطفى فإن الأفلام السينمائية تلعب دوراً مفيداً بشكل أصيل. ويبدو هذا أكثر وضوحاً فى حالة الأطفال رغم أنهم لا يشاهدونها بشكل دائم مثل من هم أكبر سنا، ويختلف تأثيرها فى المشاهد العصيبة خلال عرض الفيلم إلى الكوابيس والأحلام المرعبة.

والأفلام ذات المشاهد الدرامية العالية للغموض والجريمة والقتل والألم مثل معظم الأفلام المصرية السائدة فى دور العرض الآن تساعد أساسا على إحداث هذه الأنواع من التجارب.

وهناك نوع آخر من السلوك نتيجة مشاهدة نوع معين من الأفلام يطلقون عليه الاستحواذ العاطفى، فمن خلاله وعبر إثارة عواطف مشاهد الفيلم السينمائى يفقد الفرد السيطرة على مشاعره. ومن هذا النوع بعض ما تعرضه أفلامنا من إثارة مبالغ فيها. ويشير الاستحواذ العاطفى إلى تجارب تثار بقوة رغم أنها فى معظم الأوقات يتم كحبحها بشكل عادى، وفى هذه الحالة العاطفية المتأججة يعانى الفرد من فقدان جزئى للسيطرة العادية على مشاعره وأفكاره وأفعاله.

وتنتج هذه الحالة عادة من استغراق جاد بأحد الموضوعات المكتوبة أو البصرية مثل السينما والتليفزيون. وفى حالة هذين الوسيطين يتماثل الفرد بدقة شديدة مع حبكة الفيلم أو المسلسل التليفزيونى حيث يذوب على سبيل المثال فى الفيلم حتى إنه يبعده عن النزوع المعتاد للسلوك، وفى هذه الحالة يثبت عقله على صور معينة وتؤجج دوافعه عادة أو تظل تحت تأثير زائد مكبوح، ولكنه مهدد بشكل قوى بأن يعبر عن نفسه حتى يشعر بالارتياح أو العودة إلى الاتزان. وقد تقبض هذه الحالة العاطفية بقوة على الفرد حتى إن محاولاته تخليص نفسه منها بالتعاقل مع نفسه لا تجدى شيئاً. وعادة ما تكون هذه الحالة قصيرة الأجل، ومع ذلك فأثناء ممارستها يصبح الدافع حراً وتقل السيطرة على النفس. ونلاحظ هذه التأثيرات من خلال تكرارها واكتشافها بالمتابعة فتجربة الخوف والرعب أو الألم نتيجة مشاهدة أنواع معينة من الأفلام السينمائية شائعة بالنسبة لعلماء النفس عن تقاريرهم عن ملاحظات الأطفال وتلاميذ المدارس الثانوية وطلبة الكليات الجامعية، وتشير هذه التقارير إلى الشحنة المعبرة بشكل قوى نتيجة الأفلام السينمائية، حيث تكون ضارة للغاية خاصة على حياة الشباب.

وهناك اعتقاد شائع بعلاقتها القوية بالنسبة للجريمة والإهمال الأخلاقى. بل فى الواقع بالنسبة لما يفترض أنه ضعف شخصى عام للمستويات الأخلاقية والتأثيرات المشتتة والملحة فى المراقبة بمعنى من المعانى قد يتم تفسيرها كتعبير عن هذا الاعتقاد.

ورغم كل ما يقال من وجهات النظر مما عرضناه، فنحن نقول إن الفن الجيد أو الفن الراقى له هو الآخر التأثير الإيجابى وإثارة المشاعر الراقية فى نفس المتلقى. ولكن الشىء المؤسف أن هذا النوع من الفن قد أصبح حدوثة من الصعوبة والندرة بمكان فإن ما يحدث فى السينما المصرية الآن من شرور وانحطاط يفوق كل ما كان المرء يتخيله. فقد أصبحت الشوارع فى الأفلام وقد تحولت إلى ميادين لمعارك البلطجية ورجال العصابات ومهربى المخدرات بأحدث الأسلحة أو البطل الفرد الذى يقف عارى الصدر وهو يحمل سلاحاً آلياً يحصد به أرواح العشرات من خصومه بعد أن فشل القانون فى رأيه بأن يعيد إليه حقه المسلوب، وإلى جانبه الراقصة التى تتلوى بجسدها بحركات الإثارة والمطرب الشعبى الذى يغنى أغنيات تافهة المعانى.. هذا بالطبع إلى مشاهد الفراش الساخنة مما يثير بالطبع عواطف وغرائز الجمهور الذى أغلبه من الشباب، والغريب أن يجرى كل هذا تحت ادعاء الواقعية، والواقعية براء من كل هذا العبث والانحدار، فالواقعية اختيار وتدقيق فى هذا الاختيار ومحاكاة إبداعية لمشاكل حقيقية وتسليط الضوء عليها ليتولاها بعد ذلك المصلحون وعلماء الاجتماع، وليس هذا العبث يقع تحت حماية من ينادون بحرية التعبير وهم لا يدركون أن بمناداتهم هذه يقومون بحماية حرية التدمير. ونحن هنا نخشى على الجمهور من شباب المولات حيث ينفقون فى داخلها الكثير، حتى ينتهى طوافهم داخل المول فى النهاية إلى شراء تذكرة فى سينما المول، يدفع فى ثمنها أكثر من ثلاثين جنيها، فربما هذا النوع من الشباب لديه ما يقاوم به ما يراه من انحطاط وفساد وفجور على الشاشة ولكن ماذا عن أمر الشباب الذين ليس بمقدورهم أن يقتربوا حتى من المولات ودور السينما ويكتفون بالمشاهدة من خلال ما تعرضه القنوات الفضائية التليفزيونية من هذه الأنواع من الأفلام السينمائية التى يتنافس البعض منها فى عرضها كاملة وربما حتى إعادة اللقطات التى قامت الرقابة بحذفها من قبل، وماذا عن البرامج التى تشجع على الشذوذ الجنسى والرذائل الأخرى وذلك تحت مسمى الديمقراطية وحرية التعبير؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل