المحتوى الرئيسى

عن الواقع العربى المهين.. و«حلم» المستقبل الأفضل

12/05 21:26

من اليمن إلى ليبيا، مرورا بالعراق وسوريا فلبنان الذى يهتز ولا يسقط، فإلى مصر التى تعانى من إرهاب القتل، فإلى تونس التى تكافح للاستقرار فى قلب ماضيها، يتبدى الوطن العربى عالما من الفوضى التى تتهدد مستقبله بالضياع.

لا أحد يملك تصورا للغد، لا مشروع تغيير جدى، لا قوى سياسية مؤهلة كبديل يُنهى حالة الفوضى الدموية القائمة.

تكاد الفوضى الدموية تدمر الحاضر وتهدد المستقبل.

بات «العربى» على اتساع أرض «الوطن العربى» يهرب من هويته، يتنصل من ذوى قرباه، مستعد لأن يقبل أى هوية يمكنه الحصول عليها بالثمن، ومستعد لأن يركب مخاطر الغرق فى البحر للنجاة بنفسه وبعائلته، مستعد لأن يعمل فى أى مجال يقبله بطعامه ومأواه، ولو بلا ضمان.

هان على الإنسان العربى انتماؤه القومى، هان عليه أهله، هانت عليه قضاياه المقدسة بعنوان فلسطين... صار همه الحصول على جنسية أخرى بالثمن، على وطن بديل بالمهانة والإذلال.

لم تعد أرضُه أرضَه. فقد اعتداده بالانتماء إليها. لم تعد دولتُه دولتَه. بات إحساسه بأنه فاقد الكرامة فيها، مُهان ومُهدد دائما.

صار الماضى عبئا عليه، يهرب منه ويكاد ينكره. يشعر بأنه ضئيل إزاء ما يسمعه عن أيام زمان، أيام الشعارات التى كانت تملأ الميادين هتافا بالأمل. أيام كان له عدو يهدد وطنه وحياته فيه ويستعد لمواجهته لكى يحرر نفسه قبل أرضه.

هى لغة قديمة هذه التى يرطن بها الآن. الحرية، التحرر، تحرير الأرض والإرادة، الكرامة الوطنية، الوحدة العربية، تحرير فلسطين.

كم أرضا عليه أن يحرر الآن بدءا باليمن؟.

قبل ذلك: ما دخله باليمن البعيد خلف الصحارى البلا حدود وخلف البحار التى باتت تحت عين العدو الإسرائيلى... صحيح أن غارات الطيران الحربى الشقيق المتحالف مع الكوليرا يهدد الملايين من أهلها، لا سيما الأطفال، لكن مندوب الأمم المتحدة يروح ويجىء فلا يتوقف القتل اليومى ولا يجد المرضى الدواء.

ثم ما دخله بالعراق والحرب على «داعش» والخلافات بين السنة والشيعة، والنفوذ الإيرانى والوجود الأمريكى الذى كان «احتلالا واستعمارا» فصار نجدة كريمة لتخليص أرض الرافدين من الإرهاب الإسلامى..

وما دخله بسوريا التى طالما لعبت دور المحرض على المقاومة بمواجهة الاستعمار القديم، ثم بالتصدى للاستعمار الجديد ممثلا بالعدو الإسرائيلى ودولته الأم (الولايات المتحدة الأمريكية).. إن سوريا مهددة، الآن، فى كيانها ذاته وليس فى دورها باعتبارها محرضا على الوحدة العربية وداعية للاشتراكية والتى لا يكاد شعبها يخرج من الشارع حتى يعود إليه، ولا يتأخر عن نجدة مصر بل والتطوع للذهاب إلى القتال ضد المستعمر الفرنسى فى الجزائر الذى حاول أن يلغى هويتها الأصلية وانتماءها العربى؟

ما دخله بليبيا التى تلاعب معمر القذافى بوحدة شعبها، وفضل التعامل مع القبائل، وركبه غرور الغنى المستغنى عن الآخرين بثروة بلاده فى نفطها وموقعها و«غياب» المحيط؟.

ما دخله بتونس التى بشر شعبها بالثورة عبر شهيدها الصارخ فى البرية محمد البوعزيزى فى 17 ديسمبر 2010، والتى سرعان ما ضربها الخدر فعادت إلى أفياء البورقيبية كما فى الخمسينيات والستينيات؟.

ثم ما دخله بجزائر عبدالعزيز بوتفليقة الذى يحكم بلد المليون شهيد،ويخرج مليون جزائرى جديد من الشباب مستقبلين رئيس دولة الاستعمار الفرنسى الذى استطال فيها لمدة مائة وخمسين سنة هاتفين: فيزا، فيزا... لأنهم يريدون الذهاب إلى بلاد مستعمرهم السابق ليعملوا فى تنظيف الشوارع والمجارير وسائر ما يأنف من القيام به الفرنسيون؟

أما المغرب فقد أبعد نفسه منذ زمن بعيد عن «الشرق» وقرر بعض حكامه الابتعاد عن السياسة ومشكلاتها،مع الاحتفاظ بعلاقات مع اسرائيل . اما مصر التى يضربها الإرهاب مرارا وتكرارا، مُضيفا إلى مشاكلها الكثيرة، من التزايد الهائل فى عدد السكان الذى يلتهم الدخل القومى فيلجئها إلى الاستدانة ، فتذهب بقيمة العملة متسببة فى المزيد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.. ومعها جميعا أو فوقها مشكلة سد النهضة فى إثيوبيا الذى يهدد أهل مصر بالعطش وسدها العالى بافتقاد وظيفته ومواسم أرضها المعطاء بالبوار..

ولقد كان لبنان المثقل بنظامه الطوائفى يحاول حماية ذاته بشعار «النأى بالنفس»، وهو شعار كاريكاتورى فى ظل الصراع العربى ــ العربى الذى أهمل فلسطين وتحول إلى صراع بين من كانوا أهل الثورة ومن صاروا أهل الثروة، وهو صراع يتجاوز الأخوة وموجباتها، إلى مشاريع الهيمنة وتحكم الأغنياء بالفقراء، والأجنبى حاضر دائما، وإسرائيل لا تتعب من جنى الأرباح نتيجة هذه الخلافات التى تضرب بالحائط روابط الأخوة ووحدة المصير، وتخلخل قانون الجاذبية فيطمع الصغير بأن يستتبع الكبير باستغلال حاجته، خصوصا أن هذا الصغير الغنى بأكثر من قدرته على التصرف بثروته قد أسقط الحواجز مع الأعداء جميعا من «الإمبريالية» التى تعينه وتحميه بالثمن الباهظ، إلى إسرائيل التى تحاول استدراجه بوصفها أقوى قوة فى «المنطقة»، وبالتالى فهى ملجأ الأمان واستقرار استمتاعه بالثروة بعيدا عن الأشقاء الفقراء وبينهم الطامع والحاسد والمتسول وعارض الخدمات لحماية الأخ الأغنى وتأمين رخائه.. من موقع الجند المرتزقة!

الصورة كالحة السواد، فى هذه اللحظة.. فالدول الفاعلة فى المنطقة العربية مُغيبة بحروبها ضد الإرهاب، وبين مشتقاته وأخطرها الفتنة التى كادت تفتك بكل من سوريا والعراق، سواء تحت عنوان «داعش» أو غيرها من العصابات المسلحة بالشعار الإسلامى وجميع أنواع السلاح الفتاك... بل هى قد تمددت فضربت فى مصر ضربات موجعة، وهددت استقرار لبنان بالفتنة، واستفادت من فوضى السلاح العارمة فى ليبيا، خصوصا وقد وجدت دولا عربية تشجعها فتسلحها وتمولها فتتخذ منها متكأ للمشاغبة على مصر، وإشغالها بنفسها عن دورها الذى لا تعوضه فيه دولة أخرى، ومحاولة استرهانها بالمساعدات المشروطة.. والتى لا تكفى، حتى لو قبلت، لبناء الدولة التى تريدها مصر، ويريدها سائر العرب لمصر..

قد تكون صورة الواقع العربى قاتمة، وسوادها يظلل المستقبل ويحجب عنه أضواء الأمل.

لكن للشعب العربى فى كل قطر من أقطار هذه الأمة إرادته وقدراته المعطلة والتى يشهد لها التاريخ القريب (الخمسينيات والستينيات) باستعدادها للبذل والعطاء حتى إسقاط المستحيل، بشهادة مصر، وحتى سوريا والعراق..

إن هذا الشعب العربى لا يبخل حتى بالروح حين يسمح له بأن يمارس وجوده الفاعل، ويعيش فى مناخ من الحرية والإحساس الثابت بالكرامة واحترام إرادته..

وهذا شعب مصر قد أثبت إرادته مرارا، من خلال مقاومة العدوان الثلاثى فى العام 1956، ثم فى مواجهة آثار النكسة فى يونيه 1967، ثم فى الحرب المجيدة التى اغتيلت نتائجها قبل الوصول إليها، فى أكتوبر 1973.

كذلك شعب سوريا الذى قاتل عدوه الإسرائيلى بكفاءة كلما تمكن من ذلك بشهادة حرب أكتوبر ذاتها 1973.

وشعب العراق قد انتصر على الفتنة التى أريد له أن يندفع إليها، بذريعة الثأر من الظلم، لا سيما أيام صدام حسين..

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل