المحتوى الرئيسى

التراث المسموم | المصري اليوم

12/04 05:41

للمرحوم الأستاذ حسين أحمد أمين مقال بجريدة «الحياة»، منشور بتاريخ 4 أغسطس 2004، يتناول موضوعاً شغلنى كثيراً وكتبتُ فيه أكثر من مرة، وهو: هل نحتاج إلى هزيمة بالضربة القاضية تجعلنا نفيق وننفض ركام الماضى الجاثم فوق أنفاسنا، ذلك أن الهزائم بالنقط أثخنتنا وأدمت أجسادنا، لكنها لم تدفعنا للغضب الذى يضع حداً لخيبتنا وهواننا؟!. كتب حسين أمين: «أذكر أننى أثناء عملى وزيراً مفوضاً بالسفارة المصرية فى ألمانيا، قمت بزيارة لمدينة آخِن عاصمة إمبراطورية شارلمان ولجامعتها الشهيرة. وإذ دخَلْتُ مع مدير الجامعة فى حوار طويل قلت له أثناءه إننى لاحظت فى عجب ودهشة كيف أن بناتى الثلاث اللواتى تلقين تعليمهن منذ روضة الأطفال فى المدارس الألمانية فى الدول التى عملت فيها دبلوماسياً، لم أرَهُنّ يوماً فى أى مراحل الدراسة يشرعن فى حفظ قصيدة لجوتة أو شيلر أو هاينى، أو يقرأن كتاباً لنيتشه، أو مسرحية لهاوبتمان، فى حين تحرص المدارس الفرنسية والإنجليزية أشد الحرص خارج فرنسا وبريطانيا على ربط تلاميذها بثقافتَى هاتين الدولتين وحضارتيهما، وترى فى الأدب خصوصاً أنجع وسيلة لتحقيق تلك الرابطة!، أجاب بقوله: إن النخبة الألمانية بعد هزيمة هتلر عكفت جادة على دراسة الأسباب التى أدت إلى ظهور النازية فى ألمانيا واحتضان الشعب لها، فقادها البحث إلى نتيجة مذهلة، هى أن منابع الثقافة الألمانية بأسرها منابع مسمومة، كان لابد أن تسفر فى النهاية عن ظهور هتلر ورفاقه وحزبه، وأن هذا السم ليس مقصوراً على أمثال شبنجلر وفاجنر ونيتشه، وإنما يتعداهم إلى جوته وهاينى وباخ وبيتهوفن وكانط وشوبنهاور وسائر أعلام الأدب والفنون والفلسفة فى التاريخ الألمانى، حتى إن بدا الكثيرون من هؤلاء أبعد الناس عن احتضان الأفكار الفاشية وأقربهم إلى الروح الإنسانية والفكر الديمقراطى، لذا فقد مالت المدارس والجامعات إلى أن تضرب بمثل ذلك التراث عرض الحائط وأن ترميه وراء ظهرها، وإلى أن يكون تركيزها فقط على العلوم والرياضيات.

ويتابع حسين أمين: «أسائل نفسى الآن وقد قفز إلى ذاكرتى حديثى مع مدير جامعة آخِن: هل يمثل تراثنا أيضاً وثقافتنا بمختلف عناصرهما ينابيع مسمومة على نحو الصورة التى صوّرها الأستاذ الألمانى للثقافة الألمانية؟ وهل تشمل تلك الينابيع المسمومة حتى مَن نعتبرهم من أعلام حضارتنا السالفة من أصحاب الفكر الحر، مثل ابن رشد والجاحظ وأبى حيان التوحيدى وإخوان الصفا؟ وهل نحن فى حاجة من أجل التحرر من ربقة تلك القيود والتخلص من هذه السموم إلى كارثة من نوع كارثة الهزيمة الألمانية المروعة عام 1945.. كارثة من نوع ما حل بأفغانستان فالعراق.. كارثة ملموسة مفاجئة حالّة، لا كتلك الكارثة البطيئة الممتدة وشبه الخفية التى نعيش اليوم فى ظلها من دون أن ينتبه إلى أبعادها غير القليلين من مفكرينا؟».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل