المحتوى الرئيسى

مكاوي سعيد.. الموت سرًّا.. (بروفايل)

12/02 13:27

أن تكون بين الناس وفجأة تتحول إلى سر.. سر كبير.. سعى إليه السابقون وسيظل اللاحقون يسعون إلى اكتشاف سرابه.. لا يعلم أحدٌ كيف حدث ما حدث لك.. ولا يدري أحدٌ إلى أين ذهبتَ.. ولا كيف حالُك الآن.. وما الفارق الهش بين ما كُنتَه وما ستكونُه.. هذا هو الموت في أحد تعريفاته.. الموت الذي رآه هذا الصباح مكاوي سعيد، الروائي صاحب "تغريدة البجعة"..

وفي رثاء الزمن وتتبع خطاه المؤلمة ومشتملاته وتفاصيله، قد تصيبك أمراض لا يعرفها غيرُك.. لا يحس بأنفاسها سواك.. أمراض تصيب من يؤتَمنون على أسرار الحياة والألم، فلا نحتاج إلى سبب لهم لكي يفسر رحيلهم سوى هذا السبب السري والمرئي في آنٍ..

سألت أصدقاء كثيرين عن أسباب وفاة الرجل كنوع من توثيق الخبر أو إنكار الموت.. لكنهم اكتفوا بترديد "مات مكاوي سعيد"..

الرواية تبقى والراوي يستأذن في الانصراف..

عرف كل من حوله بموته لكن أحدًا لم يُلمَّ بتفاصيل الحدث.. لا يهم هنا الحدث.. تهم النتيجة.. كتبوا توديعهم البسيط على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لم يعد هناك معنى لاستخدام كلمة "تواصل" معه الآن إلا بما ترك خيالُه لنا من عالم يتحرك على صفحات روايات "فئران السفينة" و"تغريدة البجعة"، هذا العمل الذي رُشح لجائزة البوكر العربية، و"أن تحب جيهان" و"الركض وراء الضوء"، لكن يبقى في الموت سرٌّ يجب أن نتتبعه، يجب أن نكتبه ما بقينا أحياء، فهو بوابة لا يعبرها إلا من استطاع أن يرى أمامه، أما نحن، الذين نقف في الوراء، ليس لنا إلا التخيل والحلم، ليس لنا إلا أن نكمل معاركنا الحياتية التافهة والشريفة لنبحث عن مصادر الحياة ونبحث معها في الطريق عن ضحايا لنا لنزيد من تاريخ الكارثة البشرية، صحيح أن بيننا بعض المهذبين الحالمين لا يزالون بخير، يبنون ولو طوبة في جدار الحياة المتهدل، وهؤلاء بالتأكيد ندعو لهم بالتوفيق في مهمتهم المقدسة المستحيلة.

قبل موتها ترقص البجعة.. علامة أخيرة على الفراق.. فهل رقص المسافر "مكاوي سعيد" مع الملائكة قبل أن ينام ويختفي؟

قل للمسافر وداعًا، وودّع معه سره، وقل لنفسك إذ تصحو حيًّا، مثلما قال محمود درويش لنفسه وهو يتذكر رقصة البجع الأخيرة:

"ما هكذا يُخْلي المنامُ الحالمونَ،

فإنهم يتوهجون، ويكملون حياتهم في الحُلمِ..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل