المحتوى الرئيسى

خبراء حماية المستهلك يحذرون: 70 % من المعروض فى الأسواق إنتاج مصانع «بير السلم» ولا يصلح للاستهلاك الآدمى - صوت الأمة

12/01 13:39

صاحب أكبر مصنع غير مرخص: إحنا بنشتغل أيام معدودة فى السنة 

- بنجيب العمال من الأرياف.. ومعندناش وقت للشروط الصحية

المستشار وليد الكومي: مصانع بير السلم يتخطى عددها 2.5 مليون

- يجب البحث عن سبل لتطويرها

«حلوى المولد» هى السم فى العسل، وموسم التخلص من كل المنتجات الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية وجنى الأرباح بالملايين، والحال كما هو، لا تغيره السنين، والحقيقة المرة التى نكشفها فى هذا التحقيق، أن ٪70 من الحلويات المعروضة بالأسواق من إنتاج مصانع «بير السلم» غير المرخصة والتى لا يتوافر فيها أدنى الشروط الصحية لتصنيع وإنتاج المواد الغذائية، فيما يقدر خبراء الاقتصاد والصناعة أن عدد المصانع غير المرخصة والمخالفة يتخطى 2٫5 مليون مصنع تعمل فى الخفاء، دون اهتمام بتصحيح أوضاعها، أو وضع رقابة على منتجاتها.

الحلوى، حسب آراء خبراء الصحة والتغذية، تعمل على إمداد الجسم بالبروتين والدهون «أوميجا»، وتسهم فى رفع الكوليسترول الحميد، الذى يحتاجه جسم الإنسان وخفض نسبة الكوليسترول الضار، و«السودانية والحمصية»، تحتوى على نسبة كبيرة من البروتين، والكربوهيدرات، والحديد، والزنك، والكالسيوم، والفوسفور وهى مواد غنية بالطاقة.

 ورغم كل هذه الفوائد، هل يمكن تخيل أن تلك الحلوى التى يتهافت عليها الكبار والصغار، قد تكون سببا فى الإصابة بالعديد من الأمراض، فى حال تصنيعها فى مصانع «بير السلم» وبالمخالفة للمواصفة القياسية المصرية، برقم 464-2 / 2006 والتى وضعت تحت مسمى«حلوى السكر ومصنعاتها»؟

«صوت الأمة» تكشف فى هذا التحقيق، الذى تم من خلال مغامرة صحفية، لكشف كواليس، هذ العالم السرى المرعب، الذى تتخطى استثماراته ملايين الجنيهات، أباطرة صناعة «حلوى المولد»» فى مصانع بير السلم، والمراحل التى تمر بها، حتى يتم طرحها فى الأسواق بأسعار مخفضة، قبل أيام قليلة من الاحتفال بالمولد النبوى، رغم شن الجهات الرقابية ممثلة فى مباحث التموين، حملات مكثفة لضبط المصانع المخالفة فى جميع محافظات الجمهورية.

الضوابط التى وضعتها هيئة المواصفات والجودة، والاشتراطات البيئية والصحية التى لا بد من توافرها، فى الأماكن التى تصنع المنتجات الغذائية، أهمها اختيار مبان بعيدة عن مصادر التلوث والأدخنة والروائح الكريهة والمناطق الآهلة بالسكان، وأن تكون ذات أرضية ملساء سهلة التنظيف، ولها أبواب بسيطة التصميم منعا لتراكم الأوساخ، وتتوافر فيها الإضاءة المناسبة، ومجالات التهوية الطبيعية المناسبة وتتمتع مخازنها بدرجة حرارة مناسبة للتخزين.

كما حددت وزارة الصحة مجموعة من الاشتراطات الواجب توافرها فى العاملين بمجال الصناعات الغذائية، وأهمها الالتزام بالملابس الوقائية منعا لانتقال العدوى، والحصول على شهادات بالتحصينات ضد بعض الأمراض.

وطبقا للضوابط الاسترشادية التى حددها جهاز حماية المستهلك فى بيان سابق له، ليسترشد المستهلكون بها، فإنه يجب الشراء من المحلات والأماكن المرخص لها ببيع وتداول الحلوى الموثوق فيها، والتى تتوافر بها الشروط الصحية عند عرض الحلوى، وضرورة وجود هذه البيانات: «تاريخ الإنتاج،  انتهاء الصلاحية، اسم المنتج، اسم المصنع» مدونة على الحلوى.

 كما شدد الجهاز على عدم وجود رائحة «تزنخ»، أو تغير فى اللون أو الطعم فى المواد الداخلة فى تصنيع الحلوى (السمسم، الحمص، الفول السودانى، وغيرها)، وعدم شراء الحلوى من المصانع أو الأماكن غير المرخصة والتى لا تخضع لرقابة صناعية أو صحية، وغالبا تباع بأرخص الأسعار.

وأضاف الجهاز: أنه عند عرض وتداول وتخزين الحلوى تجب مراعاة أن تعرض وتتداول الحلوى مغلفة داخل فاترينات عرض زجاجية مخصصة لذلك بعيدا عن أشعة الشمس المباشرة، ويجب توافر المظهر المناسب والشروط الصحية فى البائعين، وتخزين الحلوى فى أماكن صحية جيدة التهوية بعيدا عن الحرارة والرطوبة والحشرات ويفضل تخزينها بوضعها فى الثلاجة وذلك للمحافظة على فترة صلاحيتها المدونة عليها.

 بالإضافة إلى عدم شراء الحلوى المكشوفة والمعرضة للأتربة والجراثيم، مشددًا على ضرورة التأكد من سلامة الحلوى قبل شرائها على أن تكون طازجة تتميز بالليونة واللون المشرق، وضرورة الابتعاد عن شراء الحلوى الجافة التى فقدت رطوبتها نتيجة التخزين لفترات طويلة وتأكسدها، لأنه فى هذه الحالة سيلاحظ تغير لونها وميلها إلى اللون الأصفر الداكن، وظهور بعض الفطريات ذات اللون الأبيض على سطحها، ونصح الجهاز باختيار الحلوى «السادة» لأنها أفضل من المحشوة لضمان عدم تلفها أو تعرض المكسرات للتلوث والفطريات.

كما طالب الجهاز المستهلك بضرورة التأكد من نظافة المحل قبل الشراء منه، ويمكن الحكم على ذلك من مستوى نظافة الأرفف والأرضيات، فإن كانت متسخة ومهملة فالمخازن لدى هذا المحل ووسائل النقل لديه متسخة ومهملة أيضا، وحينها على الفور يجب البحث عن محل آخر يعتنى بما يقدمه للمستهلك.

كما نصح بعدم شراء الحلوى من الباعة الجائلين التى تباع على عربات وبخاصة المنتشرة بجوار المدارس والجامعات، لأنها حلوى غير معروفة مكوناتها ولا تخضع للمواصفات القياسية وتحتوى على مواد مختلفة غير مصرح بها أو منتهية الصلاحية أو فاسدة وهى تؤدى إلى الإصابة بالعديد من الأمراض.

«حلوى المولد فى مصانع بير السلم»

 خلال شهر نوفمبر فقط شنت مباحث التموين، حملات مكثفة، قامت خلالها بغلق 10 مصانع غير مرخصة فى عدد من المحافظات منها الفيوم، والقليوبية، والجيزة، والقاهرة، وعلى الرغم من تعدد البلاغات والإجراءت التى يتم اتخاذها فإن هناك عددا من هذه المصانع ما زال يعمل فى الخفاء بعيدا عن الجهات الرقابية، ويتخطى عددها 11 مصنعا غير مرخص فى عدد من المحافظات منها القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، والقليوبية، وسوهاج، وبنى سويف، وبورسعيد.

 ورغم تعدد المحاضر التى تم تحريرها، ضد أصحاب المصانع المخالفة، فإن هناك عددا كبيرا من المصانع ما زال يعمل فى الخفاء، ولم تطله يد الرقابة بعد، ومن بينها المصنع الذى تمت فيه هذه المغامرة فى منطقة بولاق الدكرور.

أقيم المصنع فى إحدى المناطق المتطرفة، ويمكن الوصول إليه بعد تجاوز عدة شوارع وممرات ضيقة مظلمة لا تحمل أى أسماء، وتنفتح فجأة على ساحة واسعة مزينة بالعديد من الكشافات والأضواء المبهرة، وعلى يمينها تقع ثلاثة محلات تعرض فيها الحلويات التى يتم إنتاجها فى المصنع الذى يقع فى نهاية الساحة، والذى تم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء، الجزء الأول عبارة عن غرفة ضيقة يتم الصعود إليها عبر عدة درجات مهشمة تحتوى على العديد من القاذورات على الجدران وأرضيتها، تزدحم بالعديد من العمال بملابس متسخة، وفى أحد جدرانها تتدلى العشرات من الحبال علقت بها «عين الجمل» التى يتم إنزالها فى إناء متوسط الحجم به سائل عسلى اللون تتم تغطية حبل المكسرات به بواسطة عصا خشبية، لإنتاج الملبن.

 أمام هذه الغرفة هناك غرفتان وضع بهما عدد من الأدوات البدائية، التى تستخدم فى صناعة بقية المنتجات فى الغرفة الأولى ويقع فى المدخل عدد من «الصاجات» يوضع عليها بعض المنتجات الساخنة بدون غطاء، وبعد السير عدة خطوات على الأرضية الملوثة بكافة أنواع القاذورات وبقية الأطعمة التى تراصت عليها براميل زرقاء غير محكمة الغلق تعلوها عدة صاجات بها قطع غير مكتملة للمنتجات، التى يعاد تدويرها واستخدامها مرة أخرى.

وفى نهاية الغرفة هناك ثلاثة قدور كبيرة تشعل تحتها النيران لضمان سخونة السائل الذى تمتلئ به، وباستمرار يقف أمامها عامل تنحصر مهمته فى إعادة السائل الذى يقع على الأرض أو يسيل على الحافة إلى القدور مرة أخرى.

 الغرف الأخرى يتم استخدامها لتعبئة المواد والحلوى المنتجة بواسطة عدد من العاملات والصبية صغار السن، الذين يعلمون بملابس متسخة وأيديهم عارية وبعضهم مصاب بجروح وتقيحات من لسعات القدور والمنتجات الساخنة، ويتم وضع المنتجات فى علب تحمل اسم المصنع فقط، دون تدوين تاريخ الإنتاج والصلاحية.

«المصنع بتاعنا أشهر مصنع فى الحتة وبنوزع إنتاجنا على المحلات كلها».. هكذا بدأ أحد أقدم العمال فى المصنع حديثه لـ«صوت الأمة» قائلا إن سبب شهرة المصنع هى رخص أسعاره وجودة إنتاجه مؤكدًا: «الناس بقت تهمها الأسعار.. الزبون دلوقتى بقى يدور على المكان الرخيص ويروح له، ورغم ذلك احنا ملتزمين إننا نقدم للناس أحسن حاجة».

أضاف العامل : «منتجات المصنع يقبل عليها العشرات من المحلات الشهيرة التى تقوم بشراء المنتج بكميات كبيرة، ثم تقوم ببيعها بأسعار مضاعفة، بعد أن تقوم بتعبئتها وتغليفها بورق يحمل اسمها وشعارها لخداع المستهلكين»، وهو ما عبر عنه بقوله: «ناس بتدفع الآلاف لشراء الحلويات من المحلات الكبيرة لمجرد الاسم وما يعرفوش إن كل ده من إنتاجنا احنا وكام مصنع تانيين زى حالاتنا فى باب البحر وغيره».

غياب الاشتراطات الصحية داخل المصنع يبرره صاحبه بقوله : «فيه موسم ورزق وطلبيات بالآلاف، مش هينفع نعطلها للبحث عن غطاء يد للعاملين أو مسح الأرضيات»، متابعا: «يا عم ده احنا بنشتغل من السنة لـلسنة وبنبعت نجيب عمال من الأرياف.. علشان نوفى الطلبيات.. ادعيلنا بس نخلصها ونسدد فلوس الناس».

 فيما يقول عامل آخر من عمال المصنع، مدللًا على حرصهم على نظافة المكان: «احنا شغالين 24 ساعة علشان الموسم بس فى نهاية يوم العمل مع بدء الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، يتم كنس ورش الشارع بأكمله، ونمسح الشارع كله، وبنرجع كل حاجة زى ما كانت، يعنى لو عديت الصبح مش ممكن تتخيل إن فيه مصنع هنا».

« أكبر كارثة تهدد الاقتصاد والصحة العامة».. هكذا بدأ المستشار أمير الكومى رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك حديثه عن مصانع حلويات بير السلم غير المرخصة قائلا لـ«صوت الأمة»: «رغم عدم وجود إحصائيات رسمية بعدد هذه المصانع لأنها تعمل بعيدا عن أعين الدولة والأجهزة الرقابية، إلا أن البعض قدرها بـ 760 ألف مصنع عام 2009 ولكن يعتقد أن تلك المصانع قد زاد عددها فى السنوات الأخيرة لتصل إلى 2.5 مليون مصنع تعمل بدون اشتراطات صحية أو ضوابط للتصنيع، وهو ما يعمل على تدهور صحة المواطنين خاصة إذا ما كانت تعمل فى الصناعات الغذائية.

أضاف الكومى: «غالبية هذه المصانع تتمركز فى بعض قرى الجيزة، والفيوم، بالإضافة إلى البساتين، وبولاق الدكرور، والقليوبية، ويجب تغيير آلية تعامل الدولة مع هذه المصانع، واتباع سياسة تختلف عن سياسة الغلق، لأن صاحب المصنع يعيد افتتاحه مرة أخرى، اعتقادا منه بأن الدولة تريد محاربته وتحميله بالضرائب فقط، دون أن يدرى أنه يعمل على إيذاء وتدهور صحة المجتمع من خلال تجاهل الاشتراطات الصحية فى الصناعة، لذلك يجب مساعدته من خلال قروض ميسرة دون فائدة لتحديث وتطوير صناعته.

وأشار الكومى إلى أنه رغم الجهود التى تبذلها الأجهزة الرقابية، فإنها لا تستطيع ملاحقة كل المصانع التى تعمل فى الخفاء بسبب عددها الكبير وتمركزها فى محافظات ومناطق مختلفة، لافتًا إلى أن الجهات الرقابية لا تُحكم قبضتها سوى على الأماكن التى تعمل بشكل رسمى والتى يسهل تعقبها.

أضاف: أصبحنا أمام واقع نجد فيه جزءا كبيرا من الصناعة غير منظم، والحل فى هذه الحالة هو إنشاء هيئة سلامة الغذاء التى يعمل من خلالها الجميع بشكل منظم، مع توفيق أوضاع تلك المصانع العشوائية وتدريب العاملين فيها، وهو ما اتبعه عدد كبير من الدول، ومنها سنغافورة وماليزيا التى تحولت من مجرد دول مقلدة للصناعة، إلى دول منتجة ومصدرة للتكنولوجيا. فيما قالت سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك: «طالما استمر عمل مصانع ومعامل حلويات بير السلم، دون عقاب رادع، سيظل الوضع كما هو، لأنه وسط حالة الغلاء التى ضربت كل السلع، لم يعد المستهلك يجد ما هو فى متناول يده، لذلك يتجه تلقائيا لشراء المنتجات المضروبة كبديل بأسعار زهيدة لتلبية احتياجاته الأساسية».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل