المحتوى الرئيسى

"في سوريا".. حصار الثورة في "مطبخ وقبو"- ريفيو

12/01 13:08

بعيون امتلأت بالدموع وتجمعت حولها تجاعيد صنعها الزمان، تابع الجد ما يحدث خارج شرفته، راقب عدة أشخاص يجتمعون حول بائع متجول، يحمل على عربته الصغيرة ما تيسر من الخضار، حتى فرقهم الرصاص فيهرول كل منهم في اتجاه باحثان من ملجا للنجاة من موت محتوم.

يعود الكهل إلى مقعده وترتسم على وجهه ملامح الحزن وخيبة الأمل على وطنِ طحنته الحرب الأهلية، وقضت على الأخضر واليابس، لنبقى جميعا مع الجد وعائلته في بيتهم في حي المزة في فيلم "في سوريا" أو " insyriated"، الذي يشارك في المسابقة الرسمية بالدورة الـ39 بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

وعلى مدار الأعوام الأخيرة الماضية، كانت الأفلام وسيلة الصحفيين والمخرجين في توثيق الأحداث دائما، سعيدة كانت أم مأساوية، وكان للأزمة السورية نصيب الأسد في ذلك، إذ اهتم العديد من صنّاع الأفلام بتسجيل أحداثها، وهناك أعمال سينمائية، وثائقية وروائية، منها ذهبت إلى مهرجانات دولية مرموقة، وحصلت على جوائز رفيعة، منها فيلم "الخوذ البيضاء" الذي حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي العام الماضي.

إلا أن فيلم "في سوريا " كان مختلفا عن غيره من الأعمال السينمائية التي تناولت الأزمة، فيوم واحد وبيت واحد كانا كافيين لتجسيد معاناة ملايين السوريين، هؤلاء الذين استيقظوا من نومهم، فوجدوا أنفسهم محاطين بالحرب والدمار. أصوات القصف والأعيرة النارية تنغص عليهم احلامهم، وتجهض آمالهم.

تدور أحداث الفيلم في شقة بحي المزة، من الواضح أن قاطنيها ميسورو الحال، وهو أحد ضواحي مدينة دمشق الحديثة تقع في الجهة الغربية الجنوبية للمدينة على سفح جبل المزة، ونعرف من خلال الأحداث، أنه يبعد عن المنطقة الآمنة في العاصمة السورية بعدة أمتار، إلا أنه محاصر، ويعاني أهله بعد قطع الطرق، واستمرار القصف في سمائه.

قرر المخرج والمؤلف والمصور البلجيكي فليب فان ليو عرض جزء بسيط من الحياة التي يعيشها السوريون، دون الخوض في تفاصيل سياسية، أو توجيه اتهامات إلى جهة أو أخرى، ولكنه اكتفى بإبراز حالة انسانية، وغزل قصة واقعية من شؤون صغيرة، وتمثل ذلك في مجموعة من المشاهد التي استعرضت كيف يتكيف المواطنون مع ظروف الحرب، سواء في سوريا أو غيرها من الدول، بتخزين المياه، والتعامل مع هذا المخزون بقدر عالِ من الحذر، ووضع المؤن والأغطية في خزانة صغيرة في أكثر المناطق أمانا في المنزل، حتى يلجأ إليه أهل الدار حال وقوع قصف أو اقتحام.

وكان لتصوير أحداث الفيلم بأكملها داخل مكان واحد، تأثيره النفسي على المشاهدين، فنقل إليهم حالة الضيق التي يعيشها هؤلاء الأشخاص، وجعلهم يشعرون بأنهم محاصرون مثلهم، ويزداد الضيق مع مرور الوقت، وكلما سمعوا صوت قصف، يختبئوا جميعا في أصغر وأضيق مكان في البيت وهو "المطبخ"، وعندما زادت خطورة الأمور، دخلوا إلى غرفة أصغر وأصغر، أشبه بالقبو، وضعت بها الخادمة السيرلانكية طعام وشراب وأغطية، حتى يلجأوا إليها إذا اقتحم مسلحون البيت، كما فعلوا في الطوابق الأخرى بالبناية.

ويعتبر الفيلم تحية للمرأة السورية، وإثناء على ما فعلته خلال الأزمة، ومن خلال الشخصيات النسائية في الفيلم يلتقي المشاهد بالأم التي تبذل كل ما في وسعها من أجل حماية من تحب، والسيدة القوية التي تتعامل مع أشد الأهوال برباطة جأش، وصبر، تتولى مسؤولية بيت وعائلة، وتخلق حولهم درعا لتقيهم من الهجمات، من رصاص قناصين، ووحشية مغتصبين، وقصف جوي لا يرحم.

أم يزن، التي تجسد دورها الفلسطينية هيام عباس، الشخصية الرئيسية في الفيلم، والمحرك الرئيسي للأحداث، سيدة أربعينية، تصدر الأوامر طوال الوقت، حرصا على أمن وسلامة كل المتواجدين بالمنزل، تحاول ألا تفقد أعصابها، والمحافظة على هدوئها الذي يستمد منه كل من في البيت قوتهم، خاصة أبنائها الثلاثة "عليا ويارا ويزن"، تعمل على تسيير أمور المنزل، حتى يعود زوجها، المتغيب من أول الفيلم، فلا نعلم إلى أين ذهب، أو ماذا يفعل.

وهناك "حليمة"، التي تؤدي شخصيتها اللبنانية دياماند أبوعبود، الشابة الجميلة المتزوجة من شاب على ما يبدو أنه مُعارض سوري أو شارك في الثورة، ويستحي من فكرة مغادرة البلاد خجلا من ترك شيئ عظيم بدأه مع زملائه، تضحي حليمة بنفسها وتعرض حياتها للخطر أكثر من مرة، من أجل حماية العائلة التي تستضيفها، بعد نهب المسلحين منزلهم، وسرقة كل الأشياء الثمينة التي يملكونها.

طوال أحداث الفيلم، يحاول الأبطال التمسك بلحظات جميلة من الماضي، فحليمة ما تزال تستيقظ يوميا وتشاهد صور حفل زفافها، وأم يزن تتحسس قطع الأثاث القديمة في بيتها، وكأنها تتشبث بجذورها، وتلتصق بوطن تحاول جاهدة ألا تفقد معالمه بعد كل ما جرى. وهناك الجد، الذي يقضي ساعات طويلة أمام مكتبته ينظر إلى المراجع والكتب التاريخية، وكأنه يسترجع تاريخا كانت فيه بلاده من أعظم البلدات.

استمر العمل على الفيلم لسنوات، وتم تصويره في العاصمة بيروت، وقال مُخرج الفيلم إنه اختار لبنان لقربها من الناحية الجغرافية، والثقافية من سوريا، واستعان بالعديد من الأبحاث والقراءات، حتى يستطيع توصيل احساسه عبر صورة خالية من مشاهد الدم، أو الملابس العسكرية.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل