المحتوى الرئيسى

شادية.. «ح تروح من قلبى فين؟»! | المصري اليوم

11/30 05:31

اعتزت بمشوارها الفني لأنه كان حقا يستحق الاحترام، فباتت في قلوب الناس أيقونة، على مدى تجاوز 30 عاما كانت تراها الدائرة القريبة منها (الحاجة شادية) أو فاطمة والدلع (فتوش)، وكانت تراها دائرة الملايين من عشاقها الفنانة المحترمة شادية، لم تتنكر أبدا لماضيها الفني، صحيح أنها اعتزلت رسميا عام 1986، ولكن لم تنقطع عن التواصل، وبين الحين والآخر كانت تتصل بفنان لتثني على أدائه في فيلم أو أغنية .

آخر مرة استمع الناس إلى صوت شادية عندما كرمها المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت عام 2014 بجائزة عيد الفن، ومزجت كلمتها المسجلة صوتا بين عشقها لمصر واعتزازها بالمشوار الذي قطعته بكل هذا الفيض من الحب مع الملايين.

أكثر فنانة تعرضت لشائعات الموت على مدى ثلاثين عاما هي شادية، وفي كل مرة كنا نأمل أن تُصبح مجرد شائعة، حتى جاء مساء يوم الثلاثاء الحزين، ومع الأسف ولم يتم تكذيب الشائعة، اختارت شادية توقيت ارتدائها الحجاب واعتزالها الفن بمحض إرادتها وذلك عام 1986، كانت قد قدمت أغنية (خذ بإيدي) واعتبرتها (مسك الختام)، لم تكن الأغاني الدينية بعيدة عنها فلقد استمع إليها الناس في الخمسينيات وهى تغني في بداية المشوار، واحدة من أوائل أغنيات الموسيقار كمال الطويل (قل ادعو الله أن يمسسك ضُر) .

هناك شخصيات اختصها الله بأن تُصبح هي البلسم الشافي للناس تُسعد أرواحهم وتدفئ قلوبهم ومن هؤلاء أو بتعبير أدق العنوان هي شادية.

اختارت «شادية» دائماً الهدوء وابتعدت، عامدة متعمدة عن أجهزة الإعلام، وليس هذا الأمر مرتبطاً فقط بقرار الاعتزال، ولكن كانت دائما خارج نطاق الحروب الكلامية، ولن تجد في رصيدها الكثير من الأحاديث، المقروءة والمسموعة والمرئية، رغم أن لها دائرة واسعة من صداقات لكبار الصحفيين بحجم مصطفى أمين وأحمد رجب وأنيس منصور ومحمود عوض وغيرهم، ولكنها لم تجر أبدا اللقاءات الصحفية أو التليفزيونية إلا في القليل النادر، التقيتها مرة واحدة قبل اعتزالها بعام أو عامين في منزل الموسيقار الكبير محمود الشريف الذي كانت تُطلق عليه لقب (خوفو الموسيقي)، وكانت تعتبره بمثابة الأب الذي تلجأ إليه في العديد من أمورها الشخصية، كان اللقاء في بروفات أغنية (غربتني الدنيا عنك)، ولكن شادية لم تسمح بكتابة أي شيء وقتها متعلقا بهذه الأغنية، والغريب أنها اعتذرت عن غنائها لأسباب لم تفصح عنها وقتها وسجلتها ياسمين الخيام، وإن كنت أنا قد منحت الإذاعة المصرية شريط بروفة بصوتها، أهداه لي الموسيقار محمود الشريف في برنامج (من تسجيلات الهواة) للإذاعية مشيرة كامل.

«يا حبيبتى يا مصر» كانت هي الأغنية التي صاحبتنا منذ هزيمة 76 ورافقتنا في انتصار 73 وظلت هي أيضا صوت الثورة المصرية في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث ردد الشباب أغنية «شادية» وظلت النغمة الدائمة في كل الميادين وحتى الآن لا تزال هي أغنيتنا الأولى.

«شادية» استطاعت عبر رحلتها أن تجمع بين العديد من الأنماط والألوان الغنائية والدرامية، وحققت نجاحاً ملفتاً في كل ما قدمته للناس، بالتأكيد تأتي على القمة في بداية المشوار، أغاني خفيفة مثل «يا دبلة الخطوبة» أو «يا دنيا ذوقوكي بالعز والهنا»، ثم نستمع إليها وهي تغني كلمات مليئة بالشجن مثل «ليالي العمر معدودة» أو وهي تردد «يا حبيبتي يا مصر» أو «يا أم الصابرين» أو «عبرنا الهزيمة» أو «الدرس انتهى لموا الكراريس» بعد حادث الاعتداء الإسرائيلي على أطفال مدرسة (بحر البقر).

هي أكثر مطربة شاركت كبار المطربين في أفلامهم «محمد فوزي»، «فريد الأطرش»، «عبدالحليم حافظ»، «كمال حسني» والحقيقة أن «صباح» أيضاً كانت مثل «شادية» حيث شاهدناها مع «فوزى» و«فريد» و«عبدالحليم» ولكن صباح لم تُقدم (دويتو) مع عبدالحليم، كما أن «شادية» هي المطربة الوحيدة التي قدمت ثلاثة أفلام مع «عبدالحليم»، بل عندما شاركته أول أفلامه «لحن الوفاء» كانت هي الأكثر نجومية لأنها سبقته فنياً ورغم ذلك تحمست للفيلم ومشاركته البطولة وغنت معه أكثر من دويتو غنائي، ووافقت على أن يسبقها في «تترات» الفيلم لأنها شعرت أن عليها دفعه للمقدمة، وفي آخر لقاء لها مع «عبدالحليم حافظ» في فيلم «معبودة الجماهير» تأليف «مصطفى أمين» أوعز البعض لعبدالحليم معاتباً كيف يقبل أن يقدم فيلماً عنوانه «معبودة الجماهير» في حين أنه الأحق بهذا اللقب، ولهذا استغرق تصوير الفيلم أشهر عديدة، ظلت شادية تحتفظ بمساحة في قلبها لعبدالحليم حافظ، وتروي أنها عندما استمعت إلى صوته في الإذاعة سألت عنه كمال الطويل ثم شاهدته في معهد الموسيقى العربية واستوقفتها ملامحه وجسده النحيل وقبل كل ذلك حضور عبدالحليم الطاغي وتوقعت له مبكرا أن يمكث على العرش بين المطربين الرجال من جيله، وإن كان هذا لم يمنعها من أن تقف بطلة أمام منافسه كمال حسني في فيلم (ربيع الحب) وتغني معه أيضا دويتو شهير (لو سلمتك قلبي واديتك لك مفتاحه) بعد عام واحد من غنائها مع عبدالحليم (لحن الوفاء)، كما أنها من الذين دفعوا بهاني شاكر في بداية المشوار، حيث كان البعض وقتها يعتبره منافسا لعبدالحليم.

«شادية» لم تتنازل عن القمة، الصحيح أن تقول إن القمة هى التي تمسكت بها ورفضت أن تتخلى عنها، وكانت دائماً تقول إن الفنان ينبغي أن يختار موعد الاعتزال قبل أن تودعه الأضواء يودع هو الأضواء.

وتزوجت من اثنين من كبار النجوم «عماد حمدي» و«صلاح ذو الفقار» وقدمت العديد من الأعمال التي دخلت ذاكرة الناس ومن بينها «أغلى من حياتي» حيث شاركت «صلاح ذو الفقار» البطولة، وقدما دوري «أحمد» و«منى» وانتقل هذان الاسمان من الشاشة إلى الشارع، ودائماً ما يردد الناس في الشارع تعبير «أحمد ومنى» كدلالة على عمق المشاعر.

طموح الممثلة «شادية» لم يعرف حدوداً.. كل المطربين والمطربات الذين سبقوها كانوا حريصين على أن تتخلل أفلامهم أغنيات، ولكن «شادية» في العديد من الأفلام استطاعت أن تحطم هذا القيد، وهكذا شاهدناها في فيلم «اللص والكلاب» للمخرج «كمال الشيخ» تمثل فقط، كان الكاتب الكبير نجيب محفوظ متوجسا في البداية، كيف لهذه النجمة التي لقبوها بالدلوعة تؤدي دور بنت البلد ولكنها بعد ذلك صارت هي نجمته المفضلة، وأثنى بقوة على أدائها دور (حميدة) في (زقاق المدق) وأكد أنها تفوقت حتى على خياله.

مع كمال الشناوي لعبت بطولة 33 فيلماً وهو يعد الدويتو الدرامي الأكثر عددا في تاريخ السينما المصرية وأيضا الأكثر تأثيرا، مثل «المرأة المجهولة»، «وداع في الفجر»، «الروح والجسد» وأهم تجربة جاءت في «المرأة المجهولة» عندما أدت دور أم لشكري سرحان.. وقال لي «كمال الشناوي» إنه ظل حتى سنواته الأخيرة يتلقى خطابات من معجبين يسألونه عن «شادية» باعتبارها زوجته لأنهم صدقوا ما تقدمه الشاشة، والغريب أن «كمال» كان قد تزوج في الواقع من (عفاف شاكر) شقيقة «شادية».

وكان «كمال» قد أعد مشروعاً يجمعه مجدداً مع «شادية» وكتب معالجة درامية لعمل فني يبدأ مع نهاية أي فيلم قديم لهما أبيض وأسود عند زواجهما ثم يكتب على الشاشة مر 25 عاماً ليقدم جزءاً ثانياً من الأحداث وتحمست «شادية» للفكرة، ولكن جاء قرار اعتزالها بعد مسرحية «ريا وسكينة» التي حققت نجاحاً ساحقاً لتجهض المشروع حيث رفض «كمال الشناوي» أن يستبدل «شادية» بأي فنانة أخرى، وقال لى: الناس كانت تصدقنا معاً ولا يمكن أن يقتنعوا بأي فنان آخر.

ابتعدت «شادية» عن الفن ولكنها لم تجرمه أو تحرمه مثل العديد من الفنانات اللاتي أعلن ذلك، وأتذكر عام 1995 أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قرر تكريم «شادية» ووافقت بعد أن اتصل بها «سعد الدين وهبة» رئيس المهرجان، وكان «وهبة» قد شارك في كتابة العديد من السيناريوهات التي لعبت بطولتها شادية مثل «زقاق المدق» و«مراتي مدير عام».. أبدت «شادية» موافقة مبدئية ولكن في اللحظات الأخيرة تراجعت وتردد وقتها أن الشيخ «محمد متولي الشعراوي» الذي كان قريباً منها هو الذي أقنعها بعدم الذهاب إلى حفل التكريم ووجه لها «وهبة» نداء صباح يوم افتتاح المهرجان يطلب منها الحضور، من خلال برنامج (صباح الخير يا مصر) ولكنها لم تستجب وأخذت درع التكريم نيابة عنها «مديحة يسري».. ولم تعقب «شادية» أو تبرر أو تفسر حتى رحيلها سر اعتذارها المفاجئ وآثرت الصمت.. إلا أنها في الحد الأدنى وافقت على أن تتسلم مديحة يسرى درع تكريمها ولو كانت لديها اعتراضات لقالت مباشرة لا أريد الجائزة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل