المحتوى الرئيسى

جريمة فوق النيل.. لماذا أعادت الحكومة «الصنادل النهرية» بعد حادث الوراق؟!

11/29 19:38

- «صنادل الموت» تسير فى النيل بلا رقيب

- رئيس «النقل النهرى»: عقوبات رادعة تجاه الصنادل المخالفة

- رئيس «شئون البيئة»: ننسق مع «الرى» لتغليظ عقوبة تلويث نهر النيل

- مسئول حكومى: مضطرون إلى العمل بالقانون القديم.. وأرسلنا للنواب المشروع الجديد

من بعيد تأتى، وبالتحديد فى أقصى الجنوب، من المدينة الساحرة ليلا «أسوان»، إلى قلب عروس المتوسط «الإسكندرية» والعكس، ذهابا وإيابا، مرات عديدة، محملة بأطنان من «السموم»، تارة الفوسفات، وفى أحيان أخرى مواد البناء، تسير بصمت لثقلها، وتفضل الليل لهدوئه، تلك هى «صنادل النيل».

و«الصندل» هو قطعة نهرية طويلة، تحمل مواد ثقيلة، وتنقل البضائع من منطقة إلى أخرى للتخفيف عن الطرق البرية، وتسهيل الوصول من أقصى الجنوب إلى الشمال والعكس، وضمان توافر عنصرى السرعة والأمان فى نفس الوقت.

وفى تصميمه، يُصنع «الصندل» من مواد فولاذية شديدة المتانة، ويعتنى مصنعوه بحوافه جيدا، نظرا لكون سطحه مصمما لحمل البضائع، كما يزود بمحركات شديدة القوة لطبيعة عمله الشاق.

توقف عمل «الصنادل النيلية» فى يوليو 2015، بعد حادث غرق «مركب» اصطدم بصندل بالوراق، وخلف وراءه 50 ضحية على الأقل، واتخذت الدولة آنذاك قرارا بوقف سير الصنادل النيلية فى النيل.

ولكن.. سرعان ما أعادت الدولة الأمور إلى ما كانت عليه حين سمحت للصنادل بالسير فى النيل، ولكن فى وقت متأخر، لتفادى حدوث تصادمات مع المراكب النيلية، والتسبب فى كوارث وأزمات جديدة.

«الصنادل عادة تحمل الموت على متنها، والخوف أن يتسرب ما تحمله إلى مياه النيل»، يقول غالى شحاتة، صياد ببرج مغزل فى كفر الشيخ، لافتا إلى أن السبب الأساسى فى كارثة نفوق الأسماك والتى حدثت منذ عامين، هو الصنادل التى تلقى مخلفات فى مياه نهر النيل.

وأكد شحاتة لـ«اليوم الجديد»، أنه طالب هيئة السلامة البحرية والتفتيش البحرى بوضع الصنادل النهرية تحت المراقبة الدقيقة لأنها تعرض المياه إلى خطر كبير مستشهدا بما يحدث من تسرب للمواد التى تحملها تلك الصنادل من وقت لآخر.

وقال: «منذ عامين حدث نفوق جماعى للأسماك بنهر النيل، وظل النفوق لمدة عامين متتاليين، وكان السبب الأساسى هو تسرب الفوسفات فى مياه النيل عن طريق الصنادل، لم يكن الصرف الصحى الذى يلقى فى النهر وحده هو السبب».

وأوضح شحاتة أن قرية «برج مغيزل» فى محافظة كفر الشيخ تعرضت للعديد من الحوادث النهرية، وتسبب ذلك فى نفوق أطنان من الأسماك فضلا عن إصابة المواطنين بالأمراض، لافتا إلى أن هناك صرفا صحيا فى مجرى نهر النيل يتم تحت أعين وسمع المسئولين وعلى رأسهم المحافظ.

بدأت تجربة نقل البضائع عن طريق الصنادل بالتحديد فى عام 2009، بعدما استشعرت الحكومة خطر النقل البرى، فضلا عن كمية المشكلات الكثيرة التى تحدث من المقطورات الثقيلة، ووجدت فى النقل عبر نهر النيل وسيلة «سهلة ورخيصة» فى الوقت ذاته.

وفى السياق، قال اللواء كريم أبو الخير، رئيس وحدة نقل البضائع النهرية بوزارة النقل، إن الصنادل صممت للنقل الليلى، غير أنها ولكثرة مشكلاتها ألزمتها الحكومة للعمل بالنهار، لافتا إلى أنه فى الآونة الأخيرة سمحت الحكومة بأن تسير ليلا مرة أخرى لكن بشروط.

وأكد «أبو الخير» إلزام الشركات المالكة للصنادل بتركيب كشافات فى المقدمة والجوانب، لتفادى الاصطدام بالمراكب العبارة، لافتا إلى أن «هناك إجراءات عديدة تمر بها مرحلة إصدار ترخيص للصندل، خاصة بعد غرق مركب الوراق».

وأوضح أن الهيئة تحرص على السلامة النهرية، وضمان عدم وجود أذى من جانب الصنادل على المياه وحياة المصريين، فى الوقت نفسه تستغل النيل كوسيلة آمنة وسريعة فى نقل البضائع من الشمال إلى الجنوب والعكس، مضيفا: «الصنادل المخالفة لا يسمح لها بالسير مطلقا فى المياه».

وأشار «أبو الخير» إلى أن الهيئة بصدد اتخاذ إجراءات عقابية رادعة تجاه الصنادل المخالفة لكثرة حوادثها، لافتا إلى أن العقوبات تصل إلى الحبس والغرامة، متابعا: «لن نتسامح فى تعريض المجرى النهرى للخطر، وليس لدينا نية حاليا لتوقف عمل الصنادل مرة أخرى».

وأضاف: «فكرنا فى إعادة الصنادل لعملها بعد توقفها لعدة أسباب أهمها هو أن هناك رغبة فى زيادة الحركة والنقل النهرى، إضافة إلى التخفيف عن الطرق والازدحام، واستغلال الموارد المتاحة لدينا، ولا نتهرب من الاعتراف بوجود تجاوزات، لكننا نعالجها فورا».

وشهدت قناطر أسيوط منذ أيام واقعة غريبة حين جنح أحد الصنادل النهرية، وكاد يتسبب فى كارثة لكونه كان يحمل كميات كبيرة من الفوسفات، لكن أجهزة وزارة الرى سيطرت على الموقف بعدما دفعت بأحد الصنادل الجديدة ونقلت حمولة الفوسفات من الصندل المصاب إلى الصندل الجديد.

«واقعة أسيوط» لا تعد الأولى من نوعها، إذ سبق وأوقفت شرطة المسطحات المائية فى أبريل الماضى، 3 صنادل فى الأقصر كانت فى طريقها إلى القاهرة، وذلك لزيادة حمولة الفوسفات عن الحد الطبيعى.

وفى أبريل 2015، تعرض أحد صنادل الفوسفات إلى الغرق فى محافظة قنا، وكان متجها إلى القاهرة قادما من أسوان، وتسبب ذلك فى هلع داخل الحكومة وأجهزتها، وحاول وزير البيئة، خالد فهمى، السيطرة على الوضع ودفع بالعديد من الصنادل لانتشال كمية الفوسفات الضخمة الغارقة فى النيل.

وقال محمد عبد الوهاب، الرئيس التنفيذى لجهاز شئون البيئة، إن نهر النيل تعرض لإساءة بالغة طوال السنوات الماضية، لافتا إلى أن البيئة تتعاون مع «الرى» فى إعداد قانون الرى الجديد والذى يتضمن تجريم إلقاء المخلفات فى النيل فضلا عن عقاب المتسبب فى تلوث النهر.

واعتبر عبد الوهاب أن السماح بمرور صنادل نيلية غير مؤهلة يعد جريمة فى حق النهر، لافتا إلى أن «الييئة» قدمت مقترحا بفرض عقوبات على الشركات المالكة للصنادل فى حال عدم التزامها بالمعايير البيئية، وسلامة المجرى النهرى.

وأوضح رئيس جهاز شئون البيئة، أن الصنادل النهرية خطر كبير فى حال كان الصندل ضعيفا، لكونه يحمل حمولة ثقيلة جدا، مطالبا شركات التصنيع بصيانة الصنادل دوريا، محملا فى الوقت نفسه الشركات المالكة للصنادل المسئولية عن تلوث نهر النيل بالمواد الخطيرة وعلى رأسها الفوسفات.

ويُنتظر أن يتضمن قانون «الرى الجديد» المقرر عرضه على البرلمان خلال أيام لإقراره، بنودا تجرم تلويث المجرى النهرى بأى طريقة، ومن المتوقع أن تبدأ شركات تسيير الصنادل النيلية فى تغيير استراتيجيتها بعد إقرار القانون، خوفا من التعرض للمساءلة أو الغرامة.

وبجانب وقائع «التسمم» التى أحدثتها الصنادل فى الماضى، هناك خطورة من استمرار وجودها بدون ضوابط عمل، وهو ما قد يتسبب فى العديد من المشكلات، فطبقا لإحصائية «غير رسمية»، فإن عدد الصنادل فى مصر تجاوز الـ70 ألف صندل، أكثر من نصفها تقريبا تعمل بدون ترخيص.

وفى السياق السابق، يقول نسيم بدر الدين، رئيس نقابة الصيادين المستقلة، إنه لا توجد إحصائية رسمية محددة بعدد الصنادل النهرية فى المحافظات أو البحيرات، لافتا إلى أن عددها يقدر بالآلاف، فضلا عن أن الكثير منها غير مرخص ويعمل فى الخفاء.

وأشار بدر الدين لـ«اليوم الجديد»، إلى خطورة الصنادل غير المرخصة، وإمكانية استغلالها فى التهريب، مستشهدا بالصنادل الموجودة فى بحيرة المنزلة، والتى تنقل المواطنين من المطرية إلى بورسعيد، متابعا: «استخدمت فى تهريب البضائع واستغلها المهربون جيدا».

وطالب رئيس النقابة المستقلة للصيادين، الدولة، بوجود قانون لتقنين استخدام الصنادل، وتحديد فترات عملها، وإنشاء خط سير محدد لها، لافتا إلى أن البرلمان مطالب بإعداد قانون ينظم عمل الصنادل، وإلا فالأفضل أن يتم إيقافها جميعا والاعتماد على النقل البرى.

من جانبه، قال أحمد فتحى، مسئول بهيئة النقل النهرى، إن الهيئة تعطى تراخيص لجميع الصنادل الراغبة فى توفيق أوضاعها، مشيرا إلى أن هناك كشفا شهريا يصدر بعدد الصنادل التى يتم تكهينها، وتلك التى تأخذ تصريحا.

وأوضح «فتحى» أن قانون عمل الصنادل موجود حاليا فى مجلس النواب لمناقشته، نافيًا وجود أى اعتراضات عليه من جانب النواب، مضيفا: «ما زلنا حتى الآن نعمل بالقانون القديم، وننتظر إقرار الجديد بعد أن انتهت منه وزارة النقل بالتعاون مع الرى وأرسلته إلى مجلس النواب».

وأشار إلى أن الهيئة تحظر تماما سير الصنادل النهرية بعد الساعة الخامسة مساء، لأن الكثير منها «قديم» ولم يراع فى تصميمه أن يسير ليلا، لافتا إلى أن الصنادل الجديدة مجهزة للعمل الليلى وهناك كشافات على جانبيها، لكن لا يمكن السماح لها حاليا لأن الهيئة تسير بالقانون القديم.

وتهدف وزارتا «النقل والرى» من وراء القانون الجديد إلى تقنين عمل الصنادل النهرية، لتفادى مشكلاتها الكثيرة، ولضمان سلامة المجرى المائى، وفى الوقت نفسه، تخفيف الضغط على الطرق البرية، باستعمال النقل النهرى.

-       (2009).. بدأت تجربة العمل بالصنادل النهرية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل