المحتوى الرئيسى

الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتكفير فى الإسلام (3-5)

11/29 19:10

هل ما زلنا فى حاجة إلى الفهم؟ ولماذا تبدو المسألة عصية على القبول لدى الكثيرين إلى هذا الحد، نطرح مئات التساؤلات ولا نجد لها إجابات تشفى ما فى الصدور، وتجيب عما حدث فى مسجد الروضة بسيناء.

تقف عقول الكثيرين عاجزةً عن استيعاب المجزرة البشعة، وجريمة الإبادة التى تمت بحق مصلين يؤدون شعائر صلاة الجمعة، آمنين مطمئنين فى بيت من بيوت الله، على يد مجموعة من القتلة والسفاحين، وهم يرددون الله اكبر، ويرفعون علم داعش خوارج العصر.

لا شك فى أن الصدمة كانت قاسية ومؤلمة وجارحة، ربما لأنها الأولى من نوعها فى مصر، ولارتفاع عدد الشهداء والمصابين، ولكن الحقيقة لا شىء جديداً، إذا أمعنا النظر فى وقائع الحاضر فيما حولنا، أو عدنا لقراءة وقائع الماضى فى تاريخنا، وتجاهلنا ما اعتادت العين على رؤيته والذاكرة على تخزينه، من أن عمليات الإرهاب لا تستهدف سوى رجال الجيش والشرطة والقضاة والأقباط.

فالتفجيرات طالت عشرات المساجد فى السعودية، واليمن، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان وغيرها، ومن بينها المسجد النبوى بالمدينة المنورة، ولا يحتاج الأمر، كما أشرنا الأسبوع الماضى، حول حلقة عماد أديب مع الإرهابى الليبى، للحديث عن الإخلاق والإنسانية والضمير؛ لأنه فى الواقع هناك منهج متكامل، ونظرية شاملة لفهم الدين، تبيح لهم ارتكاب كل ما لا يمكن تصوره من جرائم، وبأبشع الوسائل بضمير هادئ مستريح، وقناعة راسخة، وإيمان لا يتزعزع، وهم يهتفون «الرواح الرواح إلى الجنة»، كما فعل أسلافهم خوارج معركة النهروان.

هؤلاء قتلوا بإيمان شديد «عمر»، رضى الله عنه، وهو يؤم المصلين فى مسجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى صلاة الفجر، وقتلوا عثمان، رضى الله عنه، وهو يقرأ القرآن الكريم، وقتلوا «على» رضى الله عنه فى فجر ليلة الجمعة وهو صائم فى رمضان، وهو ينادى الناس إلى صلاة الفجر، وذبحوا الصحابى عبدالله بن خباب، رضى الله عنه وزوجته الحامل وبقروا بطنها، وثلاث نساء، بينما اعتبروا أكل ثمرة لنخلة دون إذن صاحبها، وقتل خنزير لمستأمن فساداً فى الأرض!!!!

معركة طويلة ومريرة تنتظر الأمة الإسلامية، إذا صدقت النوايا فى مواجهة الإرهاب المستتر بالدين على أصعدة مختلفة، تدعمها قيم الديمقراطية والمواطنة والتنمية والعدالة.

واليوم تواصل «الوفد» عبر «مرصد مكافحة الإرهاب»، البحث فى الجذور التاريخية لجماعات الإرهاب والتطرف، من خلال عرض لمواجهة على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وقتاله لهم حتى قتلوه، كما نعرض أهم أفكارهم الفاسدة، وتقديم رؤية مستنيرة لمفهوم الدعوة، وبيان قواعد اليسر والتيسير التى حفلت بها الشريعة الإسلامية.

كلنا قتل إخوانكم.. ونحن مستحلون دماءهم ودماءكم

طبقاً لما روى فى أهم كتب التاريخ، بعث «على بن أبي طالب» كرم الله وجهه، أبا موسى ومن معه من الجيش إلى دومة الجندل، اشتد أمر الخوارج وبالغوا فى النكير على «على» وصرحوا بكفره، وجاهروا به وتعرضوا له فى خطبه وأسمعوه السب والشتم والتعريض بآيات من القرآن، ذلك أن علياً قام خطيباً فى بعض الجمع فذكر أمر الخوارج فذمه وعابه، فقام إليه جماعة منهم كل يقول: «لا حكم إلا لله»، فقال إن لكم علينا ألا نمنعكم مساجدنا ما لم تخرجوا علينا، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفىء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا.

وقيل إن علياً لما بعث أبا موسى لإنفاذ التحكيم، اجتمع الخوارج فى منزل عبدالله بن وهب الراسبى فخطبهم خطبة بليغة زهدهم فيها فى الدنيا ورغبهم فى الآخرة والجنة، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ثم دعاهم للخروج من الكوفة التى وصفها بأنها القرية الظالم أهلها إلى الجبال والمدن الأخرى لإعلان إنكارهم ورفضهم لهذه الأحكام الجائرة، فخرجوا إلى النهروان.

ثم خرجوا يتسللون فرادى لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضى رب الأرض والسماوات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر والذنوب الموبقات والعظائم والخطايا وأنه مما يزينه لهم إبليس وأنفسهم التى هى بالسوء أمارات.

ويروى أن علياً لما أراد الخروج لقتال معاوية، بعد ما حكم به الحكمان بخلعه، دعاهم للخروج معه معلناً أن ما حكم به الحكمان مردود عليهما، فردوا عليه قائلين «أما بعد، فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، وإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نابذناك على سواء».

ويروى أن علياً لما قرأ كتابهم يئس منهم، وخرج من الكوفة إلى النخيلة فى جيش بلغ ثمانية وستين ألفاً ومائتى فارس، فبلغه أن الخوارج قد عاثوا فى الأرض فساداً، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبيل، واستحلوا المحارم، وكان من جملة من قتلوه عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو وامرأته وهى حامل فذبحوهما وبقروا بطنها عن ولدها، فأصيب الناس بالهلع والخوف من فعلهم وخافوا على أهلهم، وأشاروا على «علىّ» بأن يبدأ بهم، ثم إذا فرغ منهم ساروا معه إلى الشام، والناس آمنون من شرهم، وتقول الروايات المختلفة «فاجتمع الرأى على هذا وفيه خيرة عظيمة لهم ولأهل الشام أيضاً، إذ لو قوى هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً، ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة ولا رجلاً ولا امرأة، لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلا القتل جملة».

فأرسل إليهم طالباً منهم تسليم قتلة خباب وغيره من المسلمين قائلاً لهم «ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم لنقتلهم بهم، ثم إنا تاركوكم وذاهبون عنكم إلى الشام، ثم لعل الله أن يقبل بقلوبكم، ويردكم إلى خير مما أنتم عليه»، فردوا عليه بقولهم المشهور «كلنا قتل إخوانكم، ونحن مستحلون دماءهم ودماءكم».

فسار «على» لقتالهم فى التاسع من شهر صفر عام 38 هجرياً، وقبل القتال دارت محاورات هامة بينهم وبين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى محاولة لنصحهم وبيان خروجهم عن صحيح الدين، فرفضوا وهم يهتفون «الرواح الرواح إلى الجنة»، وتشير الروايات إلى أن قيس بن سعد بن عبادة، قام فوعظهم فيما هم مرتكبوه من الأمر العظيم، والخطب الجسيم فلم ينفع ذلك فيهم، ثم كذلك فعل أبوأيوب الأنصارى، فقام فأنبهم ووبخهم فلم يؤثر فيهم قوله، ثم أخيرا خطب فيهم على، فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتهددهم وتوعدهم وقال لهم «إنكم أنكرتم على أمراً أنتم دعوتمونى إليه وأبيتم إلا إياه، فنهيتكم عنه فلم تقبلوا، وها أنا وأنتم فارجعوا إلى ما خرجتم منه، ولا تركبوا محارم الله فإنكم قد سولت لكم أنفسكم أمراً تقتلون عليه المسلمين، والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيماً عند الله، فكيف بدماء المسلمين»؟!...فلم يكن لهم جواب إلا أن تبادروا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيأوا للقاء الرب، عز وجل، وهم يهتفون الرواح الرواح إلى الجنة! وتقدموا فاصطفوا للقتال.

 وأمر «على» أبا أيوب الأنصارى أن يرفع راية أمان للخوارج، ويقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، إنه لا حاجة لنا فى دمائكم، إلا فى من قتل إخواننا.

فانصرف منهم ثلاثة آلاف ولم يبق منهم إلا ألف مع عبدالله بن وهب الراسبى، فزحفوا إلى على وهم يقولون: لا حكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة!، فقتلوا وقتل أمراؤهم.

ويروى أن أبا أيوب الأنصارى قال «وطعنت رجلاً من الخوارج بالرمح، فأنفذته من ظهره، وقلت له: أبشر يا عدو الله بالنار، فقال: ستعلم أينا أولى بها صلياً».

ومشى «على» بين القتلى منهم وهو يقول «بؤساً لكم، لقد ضركم من غركم»، فقالوا: يا أمير المؤمنين ومن غرهم؟ قال: «الشيطان، وأنفس بالسوء أمارة، غرتهم بالأمانى، وزينت لهم المعاصى، ونبأتهم أنهم ظاهرون»، ثم أمر بالجرحى من بينهم فإذا هم أربعمائة، فسلمهم إلى قبائلهم ليداووهم، وقسم ما وجد من سلاح ومتاع لهم.

وبحث «على» عن المخدج ذى الثدية الوارد فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فوجده فى حفرة على جانب النهر فى أربعين أو خمسين قتيلاً، قال: فلما استخرج له نظر إلى عضده، فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدى المرأة، له حلمة كحلمة الثدى، عليها شعرات سود، فلما رآه قال على: «أما والله لولا أن تتكلوا على غير العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، لمن قاتلهم مستبصراً فى قتالهم عارفاً للحق»، ثم سجد سجدة طويلة شكراً لله.

وما قتل «على» أهل النهروان، جعل الناس يقولون: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذى قطع دابرهم. فقال «على»: كلا والله إنهم لفى أصلاب الرجال وأرحام النساء، فإذا خرجوا من بين الشرايين فقلما يقاتلون أحداً إلا ألفوا أن يظهروا عليه.

ويروى أن أميرهم عبدالله بن وهب الراسبى قد يبست مواضع السجود منه من شدة اجتهاده وكثرة سجوده.

الخوارج قتلوا «على» ليلة الجمعة فى رمضان وهو صائم يدعو لصلاة الفجر

قتل أمير المؤمنين على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فى السابع عشر من شهر رمضان سنة 40 هجرياً، وتجمع الروايات التاريخية المختلفة، على أن ثلاثة من الخوارج اجتمعوا وهم عبدالرحمن بن ملجم، والبرك بن عبدالله، وعمرو بن بكر التميمى، فتناقشوا فى أمر المسلمين وحملوا ولاة الأمر أسباب النزاع، وتذكروا من قتل منهم فى معركة النهروان، فترحموا عليهم وقالوا «لو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد»!، فتعهد ابن ملجم بقتل على، والبرك بقتل معاوية، وعمرو بن بكر بقتل عمرو بن العاص، وأقسموا على عدم التراجع عن قتلهم حتى يؤدوا المهمة أو يموتوا دونها، على أن يتم تنفيذ جريمتهم فى السابع عشر من رمضان، وذهب كل منهم إلى الجهة التى يريدها.

وأتى ابن ملجم الكوفة حيث التقى بأصحاب له من الخوارج من قبيلة تيم الرباب، قتل لهم يوم النهراون عدد كبير من أهلهم وكان معهم امرأة اسمها قطام قتل أبوها وأخوها يومها، وكانت شديدة الجمال فأراد خطبتها فاشترطت عليه مهراً ثلاثة آلاف وعبدًا وقتل «على» لتشفى صدرها، فقال لها أما قتل «على» فما أراك ذكرته وأنت تريديننى، فقالت له بلى فإن أصبته شفيت نفسك ونفسى ونفعك العيش معى، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، فأجابها إلى طلبها، مؤكداً لها أنه ما جاء إلا لقتل على، فاستدعت رجلاً من قومها اسمه «وردان» لمساعدته فى تنفيذ مهمته، كما استعان ابن ملجم برجل من خوارج قبيلة أشجع اسمه شبيب بن بجرة الذى رفض مشاركته فى البداية مذكراً إياه بفضله قائلاً «ويحك! لو كان غير على كان أهون، قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه فى الإسلام، وما أجدنى أنشرح لقتله»، فرد عليه ابن ملجم بقوله أما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ قال بلى، فقال له ابن ملجم فنقتله بمن قتل من أصحابنا، وظل يشجعه ويحمسه حتى وافق.

ووافقت ليلة السابع عشر من رمضان ليلة الجمعة، وهى الليلة التى واعد ابن ملجم أصحابه على قتل على ومعاوية وعمرو، فأخذ ابن ملجم سيفه ومعه شبيب ووردان فلما خرج «على» لإمامة الناس فى صلاة الفجر، وهو صائم وينادى «أيها الناس الصلاة الصلاة»، فضربه شبيب وابن ملجم بالسيف، وابن ملجم يقول «الحكم لله لا لك يا على ولا لأصحابك»!، وتمكن المصلون من الإمساك به، بينما قتل وردان وهرب شبيب فى الزحام.

ولما طلب على إحضاره وجىء به قال له أى عدو الله! ألم أحسن إليك؟ قال بلى، فقال له على فما حملك على هذا؟ فرد عليه ابن ملجم بقوله شحذته أربعين صباحًا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، فقال على لا أراك إلا مقتولاً به ولا أراك إلا من شر خلق الله، ثم قال مقولته

فلما توفى «على» بعد ثالث يوم من إصابته، أحضر "الحسن" ابن ملجم فقال له ابن ملجم: إنى أعرض عليك خصلة.. إنى والله قد أعطيت الله عهداً ألا أعاهد عهدًا إلا وفيت به، وإنى كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بينى وبينه فلك الله على أن لم أقتله أو قتلته ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدى فى يدك، فقال له الحسن لا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله تطبيقاً للقصاص.

وأما البرك بن عبدالله، فقد انتظر خروج معاوية للصلاة، فلما خرج معاوية ليصلى ضربه بالسيف فوقع السيف فى إليته، وأمسك به قبل أن يتمكن من قتله، فقال لمعاوية «عندى لك خبر أسرك به، فإن أخبرتك فنافعى ذلك عندك؟ قال نعم، قال إن أخًا لى قد قتل عليًا هذه الليلة» فقال له معاوية فلعله لم يقدر على ذلك، فأجابه البرك قائلاً «بلى إن عليًا ليس معه أحد يحرسه، فأمر به معاوية فقتل».

وأما عمرو بن العاص فمرض تلك الليلة فلم يخرج، وأمر خارجة بن أبى حبيبة، قائد شرطته أن يخرج ليصلى بالناس، فضربه عمرو بن بكر معتقداً أنه عمرو بن العاص فقتله، فقبض وأمر به عمرو فقتل.

المجتمع الإسلامى كافر واستحلال دماء وأموال المسلمين فرض عين

بلاد المسلمين دار كفر والخروج المسلح على الحاكم واجب

مرتكبو الكبائر وصغائر الذنوب والتائبون كفار ولو أقيم عليهم الحد

من خالفهم مشرك ودماء أطفاله حلال.. وعثمان وعلى ومعاوية فى النار

شكلت آراء الخوارج الفقهية مرجعيات أساسية لجماعات التكفير والإرهاب، والتى أدت فى النهاية الى تكفير المجتمع وبالتالى استحلال الأموال والدماء، والخروج على الحاكم والسعى لإقامة المجتمع الإسلامى الصحيح، وفى ذلك مخالفة لقواعد فقهية راسخة منها أن الضرر لا يزال بالضرر، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، بينما هم فى الواقع ارتكبوا أفظع الجرائم والمنكرات لإزالة ما يرونه منكراً، وجلبوا من المضار أكثر مما أرادوا النفع، وهو ما يخالف مقاصد الشريعة، ومن أبرز هذه الآراء التى وردت عنهم ما يلى:

حيث اعتبر أغلبية الخوارج العصاة كافرين كفر ملة، أى أنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون فى النار مع سائر الكفار.

 ويقول الشهرستانى «اجتمعت الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة، ويكون مخلداً فى النار مع سائر الكفار».

وبذلك فإن تارك الصلاة فى نظرهم ومرتكب الكبائر كافر، وقالوا «إن من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وتعالى وبتلك الجهالة كفر لا بركوبه المعصية».

وذهب بعضهم لتكفير أصحاب المعاصى وصغائر الذنوب، وكفروا كذلك من ارتكب ذنباً، ولو جهل حكمه فقالوا: إن من «واقع حراماً لم يعلم تحريمه فقد كفر»، واعتبروا كل ذنب صغير أو كبير شركاً، وجميعهم من أهل النار.

أما إذا كان مرتكبو الذنوب أو الكبائر منهم فهو غير كافر، بل هو من أهل الولاية، وقالوا إن موافقيهم فى الرأى إن عذبهم الله فلعله يعذبهم بذنوبهم فى غير نار جهنم، ثم يدخلهم الجنة، بينما يقولون فيمن خالفهم فى الرأى إنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون.

وذهبوا فى تطرفهم إلى أن التائبين من الذنوب حتى ولو طبقت عليهم الحدود تطهيراً لهم مشركون كفرة، لأن الحدود عندهم لا تقع إلا على كافر معلوم الكفر، وكون التائبأاقر بذنبه وتوبته فقد علم كفره، وذلك بخلاف ما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة، من إن وقوع الحد على المذنب، خاصة التائب المقر بذنبه تجعله فى عداد التائبين الذين عفا الله عنهم، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى حق الغامدية «لقد تابت توبة لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم»

قالوا إن صاحب المعصية يخلد بالنار إذا مات عليها، وإنه فى الدنيا فى حكم المنافق، واعتبروا النفاق مرادفاً لكفر النعمة، وسموه منزلة بين المنزلتين أى بين الشرك والإيمان، وأن النفاق لا يكون إلا فى الأفعال لا فى الاعتقاد، عكس ما هو مذكور ومعروف فى القرآن والسنة بأن النفاق هو فى الاعتقاد لا الأفعال.

وكفّروا أهل الذنوب بتأويلهم لبعض الآيات والأحاديث، وتقسيمهم الناس إلى مؤمن وكافر، ومن ذلك قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، ففسروها بأنها شاملة لكل أهل الذنوب، لأن من ارتكب ذنباً لابد وأنه خالف الحكم الذى أنزله الله، وفى رأيهم من لم يحكم بما أنزل الله يجب أن يكون كافراً، وكذلك الفاسق كلاهما لم يحكم بما أنزل الله حين فعل الذنب.

وكذلك فعلوا مع الأحاديث، بتحميلها ما لا تحتمل من معانٍ لتأكيد آرائهم فى تكفير العصاة من المسلمين ومنها، قول رسول (صلى الله عليه وسلم) «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أبصارهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

حيث انتهوا إلى مفهوم أن الحديث ينفى الإيمان بالكلية عن كل من ارتكب ذنب، مما ورد به وهذا مخالف بالجملة والتفاصيل لتفسير العلماء لمقصود الحديث، حيث ذكروا أنه إما وارد فى أن من ارتكب ذلك كان مستحلاً له لا يقر بحرمانيته، أو نفى الإيمان عنه حال ارتكابه هذه الذنوب.

ويتناقض ذلك التفسير مع ما جاء فى حديث أبى ذر رضى الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «ما مِن عبدٍ قال: لا إلهَ إلا اللهُ، ثم ماتَ على ذلك إلا دخَلَ الجنةَ. قلتُ: وإن زنى وإن سَرَقَ؟.. قال: وإن زنى وإن سَرَقَ على رغم أنفِ أبى ذرٍّ».

وقال بعضهم إن من ارتكب كبيرة من الكبائر فهو موحد غير مشرك لكنه ليس بمؤمن، ويخلد فى النار خلود الكافرين إذا مات وهو على كبيرته، وهو لذلك هو كافر كفر نعمة لا كفر ملة.

أوجب الخوارج الخروج المسلح وخوض المعارك لتغيير المنكر، ولو كان السبب إهمال الإمام لسنة من السنن مهما كانت، ويقول الشهرستانى إنهم «يرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقاً واجباً»، وأرادوا بذلك حمل الناس على قبول آرائهم واعتبار كل شىء لا يوافق ما يعتقدونه منكراً يجب الامتناع عنه، ولو أدى تغيير المنكر إلى الجهاد ضد مخالفيهم، خاصة إذا كان المرتكب لذلك المنكر أحد حكام المسلمين الذى يمثل بطبيعة وظيفته الخلافة الإسلامية، ويناط به الحكم بما أنزل الله فإن الخروج عليه أوجب وأولى.

كما قالوا بكفر الرعية إذا كفر الإمام.

وروى أن نافع بن الأزرق زعيم الأزارقة كان يرى أن مخالفيهم كفار يجب جهادهم كجهاد الكفار الذين لم ينطقوا بكلمة الشهادة، ففى كتابه إلى أهل البصرة يحثهم على الخروج قال «والله إنكم لتعلمون أن الشريعة واحدة والدين واحد، ففيم المقام بين أظهر الكفار؟ ترون الظلم ليلاً ونهاراً، وقد ندبكم الله إلى الجهاد».

ويرى الشيخ محمد أبو زهرة أن موقفهم هذا «ربما كان منشؤه هوساً عند بعضهم واضطراباً فى أعقابهم لا مجرد الشجاعة». ووصفهم أحمد أمين بأنهم «أشد وأقسى وأعنف، فمتى اعتقدوا الحق فى شىء نفذوه بالسيف، ولهذا كان تاريخهم سلسلة حروب وخروجاً على الخليفة».

 ويرى ابن القيم أن الخوارج أخرجت استحلال قتال الناس فى قالب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وذلك فى قوله «وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف فى قالب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».

اعتبروا القعدة أى الذين لا يهاجرون إليهم أو يقاتلون معهم من أهل البراءة، وأنهم كفار كمخالفيهم من بقية الناس، وإن كانوا من مناصريهم فى الرأى، وقالوا «من ضعف عن الهجرة إلى عسكرهم فهو منافق، واستحلوا دم القعدة وأموالهم»، وقال بعضهم إن القعدة غير كفار ولا مشركين، وإن القعود ليس فيه بأس ما دام الشخص على عقيدة راسخة وولاء تام وكره لمخالفيهم.

وهم يتبرأون من مخالفيهم من المسلمين ولا يتولون إلا أنفسهم، يقول المبرد فى الكامل «والخوارج فى جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذى المعصية الظاهرة»، وهم يعتبرون كل من سواهم، من أصحاب المعاصى الظاهرة.

والولاية والبراءة تأتى فى الأهمية بعد التوحيد، فمن لم يوال أو يعاد فإنه لا دين له، لأن صاحب الدين لابد أن يكون إما موالياً لأولياء الله فهو مؤمن، أو مبغضاً لهم فهو غير مؤمن.

وتجب معرفة الولاية والبراءة عندهم عند بلوغ الشخص سن التكليف، و لا عذر لمن يجهلها، وتكون فى حقه فريضة من لم يعتقد فرضيتها فهو مشرك.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل