المحتوى الرئيسى

كيف شوه الإرهابيين "الجهاد في سبيل الله" - صوت الأمة

11/29 14:03

فى ظل انتشار العمليات الإرهابية فى العديد من الدول وخاصة مصر، وبعد الحادث الإرهابى الغشيم التى شاهدته مدينة العريش بهجوم الارهابيين على مسجد الروضة وقتل المئات من الأطفال والرجال أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة الماضية، مقتنعين فى نفوسهم أن أعمالهم الارهابية تحت مظلة الجهاد فى سبيل الله، نوضح من خلال هذا التقرير مفهوم الجهاد فى سبيل الله الذى شوهه الارهابيين والذى أوضحته دار الافتاء المصرية.

أولا: معنى الجهاد في سبيل الله وشروطه

الجهاد حق وفريضة محكمة لا يملك أحد تعطيله ولا منعه، ولكنه إذا تَفَلَّتَ من الضوابط الشرعية ولم تطبق فيه الأركان والشروط والقيود التي ذكرها علماء الشريعة خرج عن أن يكون جهادًا مشروعًا، فتارة يصير إفسادًا في الأرض، وتارةً يصير غدرًا وخيانة، فليس كل قتال جهادًا، ولا كلُّ قتل في الحرب يكون مشروعًا.

فمصطلح "الجهاد في سبيل الله" هو مصطلح إسلامي نبيل له مفهومه الواسع في الإسلام، فهو يطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان، ويطلق على قتال العدو الذي يُراد به دفع العدوان وردع الطغيان، وهذا النوع من الجهاد له شروطه التي لا يصح إلا بها، من وجود الإمام المسلم الذي يستنفر المسلمين من رعيته للجهاد، ووجود راية إسلامية واضحة، وتوفر الشوكة والمنعة للمسلمين، فهو من فروض الكفايات التي يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارات المصيرية، حيث ينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صدِّ عُدوان أو دَفْع طُغيان، فيكون قرار الجهاد مدروسًا من جميع جوانبه ومآلاته دراسة علمية وواقعية فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا جبن أو خور أو ضعف، وبلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها خطام الحكمة أو زمام التعقل، وهم مثابون فيما يجتهدون فيه من ذلك على كل حال، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، وإن قصروا فعليهم الإثم، وليس لأحد أن يتورك عليهم في ذلك إلا بالنصيحة والمشورة إن كان من أهلها، فإن لم يكن من أهلها فليس له أن يتكلم فيما لا يحسن، ولا أن يبادر بالجهاد بنفسه وإلا عُدَّ ذلك افتئاتًا على الإمام، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد.

ولو كُلِّف مجموع الناس بالخروج فُرادَى من غير استنفارهم مِن قِبَل ولي الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافةً﴾ [التوبة: 122]، مع ما في هذا التصرف مِن التَّقَحُّم في الهلكة، وإهمال العواقب والمآلات، والتسبب في تكالب الأمم على المسلمين، وإبادة خضرائهم، والولوج في الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين التي تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية هذه، ومن المعلوم شرعًا وعقلًا وواقعًا أن التشتت وانعدام الراية يُفقِد القتال نظامه من ناحية، ويُذهِب قِيَمَه ونُبلَه ويشوش على شرف غايته من ناحية أخرى.

والجهاد يكون فرض عين في البلاد التي يُعتَدَى فيها على حرمات المسلمين أو مقدساتهم مِن قِبَل الغزاة البغاة، ويتعين على أهلها الدفاعُ عنها، ولا يلزم الجهاد حينئذٍ كلَّ أحد من المسلمين وإنما يصير على من كان خارجها فرض كفاية كما نص عليه الفقهاء.

الجهاد ليس معطلًا إنما هو منظم

فعُلِم من هذا أنَّ الجهاد في حق من هو خارج الأرض المعتدى عليها تابع لمدى حاجة من هم داخلها من أهلها، وأنه يلحق بهذه الأرض في وجوب الدفع عنها ما كان داخلًا في مسافة القصر من جميع أطرافها، فإن لم يَفِ ذلك أُضيف إلى هذه المسافة مثلها وهكذا.

 ولكن تنفيذ الحكم الشرعي بهذه الطريقة أيضًا لا بد فيه مِن سلوك الطرق الصحيحة التي هي مِن اختصاص الجهات المضطلعة بواقع الأمور حربيًّا وسياسيًّا وواقعيًّا والمشرفة على تقدير الحاجة من عدمها، والتي تراعي حساب المآلات والنتائج والمصالح والمفاسد المتعلق بالاعتبارات الإقليمية والمعاهدات الدولية ومعرفة موازين القوى العالمية، وكل ذلك يحتاج إلى موازنات خاصة ودراسات حربية وسياسية دقيقة يتم فيها مراعاة استنفاد الخيار السلمي الذي أشار الله تعالى إليه بقوله سبحانه: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61]، والحفاظ على أمن الدول الإسلامية ورعاياها ومصالحها من جهة أخرى، وقدرتها على المواجهة وتحمل خيار الحرب من جهة ثالثة، وليتم الأمر بشكل رسمي محدد المعالم يُؤمَن فيه على مريدي الجهاد من أن يقعوا فريسة لجهات مشبوهة تستغل عواطفهم وتوظف حماسهم لخدمة أهداف خارجية باسم الجهاد من جهة رابعة، وكلها أمور واعتبارات متعلقة بفقه الأمة ولا يستطيع الاضطلاع بها إلا الأنظمة والجيوش والكيانات الضخمة، ولا علاقة لها بفقه الأفراد ولا مجال لهم في حسم مصائر الأمم فيها، والمسئول عن ذلك هم ولاة أمور المسلمين، وحتى لو قصروا فيه فإن تقصيرهم لا يجعل فريضة الجهاد معطَّلة مع وجود تأمين الثغور وحماية الحدود، ولا يبرر بحال من الأحوال الخروج عن النظام العام لجماعة المسلمين لتصبح قرارات الحرب فردية هوجائية يذهب فيها الأخضر واليابس، فضلًا عن مثل هذه العمليات التفجيرية التي لا علاقة لها بجهاد إسلامي ولا بحرب شريفة.

ثم إن الجهاد بمعنى القتال ليس مقصودًا في نفسه، ولا قتل غير المسلمين مقصودًا في نفسه على خلاف ما تصوره تيارات البغي والإرجاف التي جعلت الأصل في غير المسلمين أنهم مباحو الدم، بينما بَيَّنَ علماء الشريعة أنه متى قام المسلمون بفرض الكفاية من سد الثغور وحماية حدود بلاد الإسلام فإن الدعوة تكفي عن الجهاد بغزو بلاد غير المسلمين، بل متى ما صلحت الدعوة لم يُلجَأ إلى الجهاد، وأن قتل الكفار ليس بمقصود، والجهاد وسيلة وليس مقصودًا بالذات، فقالوا: ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد، إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة، وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد.

ثانيًا: مفاهيم يتم تلبيسها بالجهاد

وثمة مفاهيم أخرى يراد لها أن تلتبس وتشتبه مع المعنى الجلي للجهاد، منها

الإرهاب والإرجاف: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: 60-62]، وهي كلمة لها مفهومها السيئ الذي يعني إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل باستحلال الدماء والأموال بين أبناء المجتمع الواحد تحت دعاوى مختلفة منها: التكفير للحاكم أو للدولة أو لطوائف معينة من الناس، ومنها استحلال دماء المسلمين تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو استحلال دماء غير المسلمين في بلادهم أو أولئك الذين دخلوا البلاد الإسلامية بدعوى أن دولهم تحارب الإسلام، إلى آخر ذلك من دعاوى الإرجاف التي يُسَوِّلُها الشيطان للمرجفين، والتي كان بعضها سببًا لظهور الخوارج في زمن الصحابة ومن جاء بعدهم وشُبُهًا يبررون بها إفسادهم في الأرض وسفكهم للدماء المحرمة، وحينئذٍ فإن الحكم يختلف تبعًا لاختلاف المفهوم، فما تفعله هذه التيارات في بلاد المسلمين من قتل للسائحين، أو في بلاد غير المسلمين من عمليات انتحارية، أو غير ذلك من أفعال التخريب التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة، فهذا كله حرام، وهو نوع من البغي الذي جاء الشرع بصده ودفعه، بل وقتال أصحابه إن لم يرتدعوا عن إيذائهم للمسلمين ولغير المسلمين مواطنين ومستأمنين، وتسميته جهادًا ما هو إلا تدليس وتلبيس حتى ينطلي هذا الفساد والإرجاف على ضعاف العقول، وهذا بَغْيٌ في الأرض بغير الحق يُعَدُّ أصحابُه بغاةً يُقاتَلون إن كانت لهم منعة وشوكة حتى يرجعوا عن بغيهم وإرجافهم.

أهداف الجهاد فى سبيل الله

الأول: الدفاع عن المسلمين، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾

الثاني: الدفاع عن حرية الناس في الإيمان بالإسلام أو البقاء على ما هم عليه، وهذه هي الفتنة التي أُمرنا أن نقاتل حتى نرفعها عن الناس، ليختاروا دينهم بحرية كاملة، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 193].

ومن الواضح أن الجهاد لتحقيق هاتين الغايتين لا يكون إلا ضدَّ عدو خارجى أما استعمال القتل والترويع وتدمير الممتلكات داخل المجتمع المسلم، كما هو الحال في الأعمال التفجيرية في بلاد المسلمين فيسمى عند الفقهاء بـ"الحرابة"، والحرابة بغي وإفساد في الأرض، والمتلبس بها مستحق لأقصى عقوبات الحدود من القتل والسرقة والزنا، لأنه إفساد منظَّمٌ يتحرك صاحبه ضد المجتمع. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل