المحتوى الرئيسى

«اضربوهن».. عقاب شرعي للمرأة أم فهمٌ خاطئ للدين؟

11/29 00:04

آمنة نصير: اضربوهن بمعنى اتركوهن.. وتفسير بعض الآيات خرج عن مراد الله

أمين الفتوى بدار الإفتاء: طالبنا بقانون يمنع الضرب.. والآية وردت في سياق مختلف

مسئول شكاوى المرأة: معظم السيدات يعتقدن أن الدين يحلل العنف ضدهن

هدى زكريا: المرأة أحيانا تتقبل العنف ضدها خوفا من الغضب المجتمعي

أحمد زايد: الخطاب الديني لم ينصف المرأة.. بينما أنصفها الدين

لمعت عيناها وهي تتذكر المرة الأولى التي تلقت فيها صفعة على وجهها.. فاجأها أخوها الأكبر بها عندما سألته.."واشمعنى إنت تخرج وأنا لأ؟!"، كان سؤالها مؤشرًا إلى تمرد على عادات راسخة، فالنساء في قريتها الحدودية لا يسألون، هن فقط لخدمة المنزل، وعقابهن حق لولي أمرهن بداية من الأب والأخ وصولا للزوج.

"أمي قالتلي وماله لما أخوكي يضربك.. ما كل البنات بيضربوا.. إنتي هتعمليلنا شرع لوحدك؟!". تتذكر أمل ردّ أمها وكأنه صفعة جديدة على وجهها.. تتعجب من خضوع أمها حتى لأولادها، فبعد موت الأب تنتقل التبعية لأكبر الأبناء.

"كنت صغيرة يدوب بلغت.. حسيت بالقهر.. مرار في حلقي مش قادرة أتحمله.. مقدرتش أتحمل الإحساس ده.. مكنتش باكل.. وطول فترة مراهقتي كنت عيانة.. وميعرفوش عندي أيه.. كان الخوف هو المرض الحقيقي عندي!".

ما يقرب من نصف النساء فى مصر يتعرضن للعنف الأسري على يد الأب أو الأخ أو الزوج سواء كان عنفا بدنيا أو نفسيا أو جنسيا، ويكلف الدولة أكثر من ملياري جنيه سنويا، كتكلفة للعلاج من آثار العنف أو كأعباء إضافية لتفكك الأسرة، وذلك وفقا لدراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ذكرت من ضمن توصياتها أن الفهم الخاطئ لعقاب المرأة يتسبب في عواقب وخيمة، تمتد آثارها إلى المجتمع ككل.

استندت معظم الفتاوى التي تتحدث عن عقاب المرأة إلى الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء، تحديدًا في قوله تعالى "وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" ووضع البعض شروطا مختلفة للضرب، فمنهم من أفتى بأن يكون للتعزير فقط وليس عقابا بالمعنى المعروف ولكنه لإظهار الغضب والضيق، ويكون ضربا خفيفا بالسواك أو باليد.

لكن بعض المفسرين جعلوا للضرب شروطا أكثر تحديدا، فلا يضرب الرجل الوجه، ولا يزيد فى الضرب عن عَشْر ولا يكسر عظمًا، أو يقطع لحما أو يفقأ عينا.. بل ضرب تحتمله المرأة، وبرروا ذلك التفسير بأن واجب الزوجة أن تطيع زوجها، وإن عصته ينبغي تأديبها.

وتمادى البعض في إظهار الضرب وكأنه من مظاهر إكرام الله للمرأة، معللا ذلك بالشروط التي قيدته، وأهمها الحرص على ألا يصيب الوجه وألا يصاحبه السباب والإهانة.

العِشرة بالمعروف تتنافى مع تحليل الضرب

د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة والنائبة بالبرلمان قالت إن بعض الآيات لم يرقَ المفسر فى التعامل معها بالدرجة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لها، فالعشرة بالمعروف التي أمر الله بها تتنافى تماما مع الأمر بالضرب بالمعنى المعروف لدينا، "كيف أكون معكِ في عِشرة بالمعروف وأضربك؟ فالنص القرآنى يتسق مع التفسير اللغوي لكلمة "واضربوهن" التي تعني الترك والمغادرة، والمقصود بها فى الآية أن يترك الرجل البيت بعد أن ينصح زوجته، وهجرها في المضجع، ثم لم يجد حلا إلا أن يترك البيت ويرحل، لتشعر المرأة أن الحياة أصبحت مهددة، وعلى الطرفان أن يعملا على تماسك الأسرة التي أنشأها الله على المودة والرحمة كشرط أساسي.

وتضيف نصير أن اللغة تعزز ذلك التفسير، فالضرب يأتي بمعنى الترك، ومثال لذلك عندما نقول ضرب عمرو في البيداء أي خرج وذهب إلى مكان بعيد. فالرسول صلى الله عليه وسلم ما ضرب امرأة ولا طفلة ولا خادمًا، وأيضا قوله صلي الله عليه وسلم "أعجب لرجل يضرب زوجته بالنهار ثم يأتي بالليل ويضاجعها".

أمنية فتاة فى منتصف العقد الثاني من عمرها، استمر زواجها ثلاثة أشهر فقط، حملت خلالها بفتاة دفعت معها ثمن رفضها للعنف، "قالي إنتي هتكوني مَلِكة متوجة.. والستات عندنا بنشيلهم فوق راسنا" ردت بسخرية عندما سألتها عن أسباب طلاقها، "عمرى ما كنت أتخيل إني هتمدّ على رجلي في أول شهرين جواز، الملكة المتوجة كانت فى نظره امرأة لا تناقش في أي شيء ..تأكل وتشرب وتشوف طلبات بيتها وطلبات جوزها.. غير كده لأ".

رجعت أمنية إلى بيت والدها بعد أن تأكدت أن أفكاره من المستحيل تغييرها، فهو لا يشعر من الأساس أن ضربها إهانة، أثناء الخلافات أرسل لها كتابا دينيا بعنوان "زوجك جنتك" ليؤكد لها أن من حقه عليها أن تطيعه ولا تناقشه في شيء وإلا فعقاب الدنيا يتبعه عقاب الآخرة".

في رحلتها للحصول علي الطلاق أحالها القضاء للجنة تحكيم من الأزهر، كإجراء وضعته المحكمة لسماع الطرفين ولتحديد حقوقها في النفقة والمتعة ونفقة ابنتها.

"قالولي يمكن كان بيهزر! انتي ليه واخدة الأمور بالشكل ده؟.. أيه يعني ضربك مرّة.. ما الستات عندنا في البلد بيضربوا ويعيشوا!".

لم تغير أمنية موقفها من طلب الطلاق، واكتفت لجنة التحكيم بإعطائها نصف حقوقها بعد أن أصرت على إنهاء عشرتها ولم تستمع لنصحهم. "رفضت أرجع.. وأنا حامل.. وحتى بعد ما خلفت بنتي، مكنتش عايزاها تشوفني وأنا بضرب واتهان.. وهي كمان تطلع متعودة على الإهانة".

فسرت نصير تقبُّل بعض رجال الدين لفكرة العقاب ضد المرأة بتأثرهم بالموروث الثقافي خلال العقود السابقة، وقالت نصير "يؤسفنى أن أقول إن مصر نُكبت بهذا الفكر المتطرف المتشدد والجامد، وبثقافة غير ثقافتنا، وأن كثيرًا ممن سافروا إلى دول الجوار عادوا بفكر غير الفكر وثقافة غير الثقافة، وأكثر من دفع فاتورة ذلك هي المرأة المصرية".

أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع، ذكر أن الثقافة التقليدية القديمة التي تميز ضد المرأة والتنشئة الاجتماعية الذكورية والأبوية تخلق لدينا تناقضًا بين القول والفعل بخصوص المرأة، فنحن نربي البنت على أنها تابعة ونقول إننا نساند المرأة ولكننا نستعبدها وماتزال المقولات القديمة بأن المرأة في الداخل والرجل في الخارج ورجال الدين وغيرهم يساهمون في نشر هذه الثقافة.

لماذا تَرضى بعض النساء بالعنف؟

"لو غلطت، من حق جوزي يأدبني، زي أبويا وأخويا" ردت أحلام بصوت قوي ودون أدنى شك، مستشهدة بالآية الرابعة والثلاثين وتحديدا بلفظ "اضربوهن" وكانت قناعتها مبنية على حرص الشرع على حفظ الأسرة، فالضرب في نظرها أفضل كثيرا من الطلاق.

لو اشتكيت لأبويا هيضربني ويقولي حافظي على بيتك، واسمعي كلام جوزك، ومتعمليش راسك براسه!".

هدى زكريا، عضو المجلس الأعلى للإعلام وأستاذ الاجتماع تفسر قبول المرأة لممارسة العنف ضدها بأن المرأة في المجتمع مندوبة النسق القيمي الذي يضعه المجتمع ولا تستطيع مخالفته.

"المجتمع يقذف في حجرنا بمجرد لما بنتولد شيلة كده نوصلها للأجيال، للرجال صورة الرجل وللنساء صورة المرأة، ومالم تتمثلي صورة المرأة، (بمعنى تتوحدي مع الصورة اللي رسمهالك المجتمع وباعتبارها نموذجًا مثاليا) فأنتِ مهددة بالغضب الاجتماعي الذي يظهر في شكل الطلاق والنفي الاجتماعي وإساءة السمعة" وأضافت أننا إذا أردنا أن نغير ما تعتقده النساء فعلينا تغيير القيم السائدة أولا.

يفسر د. زايد تقبُّل بعض النساء بالعنف ضدهن بقناعة كثير من النساء، أنه في الأصل الديني هي تابعة للرجل والخطاب الديني يؤكد ذلك وليس الدين.

وتؤكد ذلك هناء رفعت، مسئول مكتب شكاوى المرأة بالمجلس القومي للمرأة والتي تؤكد أن معظم الشكاوى التي يتلقاها المكتب تكون بسبب العنف خاصة من الزوج والأب والأخ.

"كتير من الستات بيقولولنا إن ربنا قال كده، وإن من حق جوزي أو أبويا أو أخويا إنه يضربني. فليه إنتم بتقولولنا اشتكوا؟، وأضافت أن تأثير رجل الدين بالنسبة لهن كبير للغاية وأن كلامه غير قابل للنقاش خاصة فى القرى والريف.

تصحيح الخطاب الديني كأداة للوقاية من انتشار العنف ضد المرأة كان من أهم المحاور التي وضعها المجلس القومي للمرأة ضمن استراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة التي بدأت منذ عامين وتستمر لعام 2020.

وكان لوزارة الأوقاف دورٌ هامٌ في تنفيذ أنشطة توعوية لتصحيح المفاهيم الخاطئة من خلال خطب الجمعة والندوات التي تعقدها الوزارة.

وبالبحث في أكثر من مئة وخمسين خطبة جمعة منذ وضع الاستراتيجية وحتى الآن جاء الحديث عن المرأة في أقل من 10 خطب، ولم يأتِ تفسير كلمة الضرب بشكل صريح بل جاءت أغلب الخطب لتأكيد مكانة المرأة في الإسلام أو لدورها في بناء الأسرة والمجتمع وتكرر ذلك فى كل عام، ضمن مناسبات محددة، إما ضمن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة وإما أثناء عيد الأضحى ضمن الحديث عن خطبة الوداع التي أوصت في معظمها بالنساء.

تؤكد هدي زكريا أن الخطاب الديني الهادم أخطر من الجريمة وأنه آن الأوان لنتصدى لذلك الخطاب واستبداله بآخر يقودنا للتقدم.

"لما بيقعد الخطيب يحرض الشباب علي الكاسيات العاريات، ولا يدعوهم لغض البصر مثلا أو عدم التحرش فهذا خطاب منحطٌ.. ويحاول أن يكسوا أفكاره طابعا دينيا لكي لا يقاومه الناس، فهو خطاب يدعو لظلم المجتمع لنصفه الآخر".

يقول أحمد زايد، أستاذ الاجتماع وعضو لجنة تطوير الخطة الدعوية، إننا نحتاج إلى أن نقدم الإسلام بشكل مختلف للناس ليس من خلال تغيير نمط الخطابة فقط، إنما بتغيير نمط التدين الشكلي والاهتمام بالأمور المجتمعية ومنها تغيير النظرة للمرأة وأن ذلك لن يتم إلا من خلال جيل جديد من الدعاة.

موضحا: "نشتغل مع الدعاة وندربهم ونجيب ناس متنورين بيفكروا خارج الصندوق قرأوا في علم النفس وعلم الاجتماع وعندهم ثقافة علمية، وللأسف هذا الجيل من الدعاة معظمهم لا تتوفر فيهم هذه الصفات فغالبيتهم موظفون بياكلواعيش وبيكرروا ما يقال لهم، والشغل مع الدعاة يحتاج ليس فقط لتوحيد الخطبة ولكن لتأهيل الخطيب".

خالد عمران من أمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية قال إن وضع المرأة تغير، ولا بد من خطاب يقابل ذلك، وذكر أن النساء هن الأكثر طلبا للفتوى نتيجة تعرضهن للعنف والضرب.

"دايما بيسألوا أنا ليه بيتعمل معايا كده؟ وهل ده من الدين؟ ونرد على من يسأل عن حكم ضرب زوجته.. إنت كده متبقاش راجل أصلا!".

ويفسر عمران كثرة السؤال عن الضرب بأن بعض الرجال وصلت إليهم فتاوى ملوثة تحرضه على ضرب المرأة وأن تلك الفتاوى ليست فهما خاطئا للدين فقط، لكنها جزء من الثقافة الموروثة، مؤكدا أن الخطاب الديني الأزهري داعم لقضية المرأة دائما.

وبالنسبة لتفسير الآية الرابعة والثلاثين قال "من زمان والعلماء يطالبون بتحريم الضرب، وأن نمنع أي فتوى تحرض عليه وأن نوضح أن الضرب ده حالة استثنائية في عصر آخر، وأنه في عصر من العصور كانت تلك الثقافة السائدة وكانت بالسواك وأن الرسول لم يضرب امرأة وهذا هو الخطاب الديني الأصيل المستمد من السنة والواجب ترويجه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل