المحتوى الرئيسى

وكم فى مصر من «الموالد».. ولكنها «فرصٌ مهدرة»!

11/28 21:58

من النسخة الورقية لجريدة «اليوم الجديد»

موالد مصر.. فرص ضائعة لتنشيط السياحة

تجمعات بالملايين من الصوفيين والمريدين فى القاهرة والمحافظات تستحق نظرة سياحية

مولد «الحولية» بالسودان يقصده ربع مليون سائح أجنبى.. و«الشاذلى» فى مصر «حرام» بأوامر وزير الأوقاف

أثرى: الوزارة لم ترد على عرض من الطريقة الرفاعية بالإشراف على أنشطتها وتحويلها إلى «مزارات» للجميع

أمين عام تجمع «آل البيت»: قدمنا دراسة لاستغلال الموالد سياحيًا بعوائد تبلغ مليارى دولار سنويًا

فى مصر موالد كبرى يتجمع فيها الصوفيون وعشرات الآلاف من المواطنين من جميع المحافظات طوال أشهر السنة المختلفة. خُذ عندك على سبيل المثال لا الحصر، مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، فى القاهرة، ومولد سيدى أحمد البدوى بطنطا، وإبراهيم الدسوقى فى دسوق، والمرسى أبو العباس بالإسكندرية، وعبد الرحيم القنائى «القناوى» بالصعيد.

فى هذه الموالد، وخلال لياليها الروحانية، يستمتع الزائرون بالبيع والشراء وتناول الأطعمة ونوعيات معينة من الحلويات، وممارسة بعض الألعاب للكبار كرفع الحديد والنشان والألعاب النارية وألعاب الصغار المتمثلة فى المراجيح التى يصطف حولها الأطفال بنين وبنات، كلٌ ينتظر دوره ليرتفع ببهجة إلى السماء.

وبدلا من أن يظل هذا المشهد محتفظًا برونقه وجماله، وبدلا من أن يتم التفكير فى استغلاله سياحيًا كمورد للسياحة الداخلية وربما الخارجية، أُهملت لتصبح مرتعا للإهمال والقمامة والجهل والعادات السئية واللصوص، حتى تحول المولد من حدث روحانى اقتصادى اجتماعى إلى حدث جاذب للصوص والمتسولين الذين يفسدون فرحة رواده الذين جاءوا من جميع أنحاء الجمهورية، بل ويفسدون أيضًا الأحوال على سكان المنطقة التى ينظم فيها المولد فباتوا ينتظرون انتهاؤه ورحيل المريدين بفارغ الصبر.

لكن فى دول أخرى نلاحظ العكس تماما، فرغم أنها لا تملك ما نملكه من أضرحة، تتحول الموالد هناك إلى حدث سياحى ضخم يأتى إليه الصوفيين من جميع أنحاء العالم ليتحول المولد من حدث يخص مجموعة من الأفراد إلى مورد من موارد الدخل القومى للبلاد.

ففى السودان، هناك مولد «الحولية» الذى يقام بالخرطوم للاحتفال بمولد مؤسس الطريقة البرهامية الشيخ محمد عبده عثمان، ويحضره ما يزيد على المليون شخص، أكثر من ربعهم سائحون من أوروبا.

كذلك الطريقة «الحبيبية» لديها معتنقون من جميع أنحاء العالم حتى بأمريكا والأرجنتين، وعندما يتوجه شيخها المهندس محمد عبد الباقى الحبيبى للمغرب يستقبله الملك شخصيًا.

وفى بلدان أخرى، يتم إخلاء ساحات الأضرحة، واعتبارها منطقة سياحية تخصص للكافيهات والمطاعم ومحال الهدايا التذكارية، ويكون دخولها بتذكرة، تتضاعف قيمتها فى أيام الاحتفال بمولد صاحب الضريح.

على العكس من ذلك بنسبة كبيرة مصر، حيث يتم إهمال الموالد والنظر إلى مريديها نظرة دونية تصل أحيانًا لحد تكفيرهم، والملاحظ أن هذه النظرة ليست فردية من بعض المتشددين بالمجتمع، بل إنه توجه عام لدى الحكومات المتعاقبة بات يرقى لدرجة العقيدة، ودلالة ذلك أن وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، أرسل، قبل عيد الأضحى الماضى، 10 أئمة لمولد «سيدى أبو الحسن الشاذلى» بالقرب من شلاتين والذى ينعقد بالتزامن مع وقفة عرفات، وكانت مهمة الأئمة دعوة الناس للامتناع عن الاحتفال بالموالد لأن ذلك «حرام»، وهذا مثال واضح على إهمال الموالد وعدم الاستفادة بها كحدث سياحى.

الأثرى سامح الزهار، المتخصص فى شئون الآثار الإسلامية، يحكى واقعة تؤكد تلك السياسة أيضا، فيقول إنه سبق وتلقى عرضا من شيخ الطريقة الرفاعية، التى تنظم عددا كبيرا من الموالد، يصل عدد مريدى الواحد منها أحيانًا الى 4 ملايين شخص من الإسكندرية إلى أسوان، وكان ملخص العرض أن يتم تنظيم الموالد بالتعاون مع وزارتى الثقافة والآثار على أن تتحمل الطريقة الرفاعية التكلفة وتباع التذكرة للحضور مدعمة بجنيه واحد أو جنيهين، وتخصص المبالغ التى سيتم تحصيلها لتطوير الأضرحة والمساجد والمقامات، لتتحول هذه الآثار إلى مزارات سياحية للجميع وليس للمهتمين بآل البيت فقط.

الزهار كشف لـ«اليوم الجديد» أنه حاول التواصل مع وزير الآثار الدكتور خالد عنانى لطرح العرض عليه، ولكن لم يتم الرد على هذا المقترح حتى الآن، على الرغم من أن هذه الطريقة ليست مبتكرة وإنما مطبقة فى كثير من الدول كتونس والمغرب وتركيا.

من جانبه، يشرح الدكتور عبد الله الناصر حلمى، أمين عام تجمع «آل البيت الشريف» واتحاد الطرق الصوفية، أن النظرة للموالد فيما مضى لم تكن بهذا الشكل، لكنها كانت عبارة عن حدث اجتماعى واقتصادى ضخم له أهداف أخرى بخلاف الهدف الدينى والروحانى، إذ كانت تضم سوقًا كبيرًا يعرض فيه التجار بضائعهم ويقصدها الجميع من كل أنحاء الجمهورية، فيتعارفون ويبيعون ويشترون، وكانت السيدات يحضرن أبنائهن من الصبيان لتنفيذ «عملية الطهارة» بالمولد، فقد كان بمثابة مهرجان اقتصادى اجتماعى كسوق القاهرة الدولى ولكن للطبقات الشعبية.

واستدرك حلمى، خلال حديثه لـ«اليوم الجديد» قائلا: «لكن بعد عام  1973 وبالتزامن مع ظهور الوهابية فى مصر ودخول ثقافة الصحراء وسياسة التحليل والتحريم، تحولت الموالد إلى ما هى عليه الآن».

وأوضح حلمى: «يعتقد البعض أن إحياء الموالد هو طقس دينى، وهذا اعتقاد خاطئ، فالصلاة والعبادات تمارس طوال العام وليست خاصة بمناسبات معينة، كما أننا نزور آل البيت فى أى وقت وليس عند حدث معين، أما الموالد فهى بمثابة أعياد الميلاد التى يحتفل فيها محبى آل البيت بالأولياء كما يحتفل الأشخاص العاديون بأعياد ميلاد محبيهم وذويهم»، مشددا على أنه كان من الممكن أن يتم استغلال هذا الحشد الضخم فى إنعاش السياحة الداخلية بالمحافظات وربما مع الوقت يصبح المولد حدثًا لتنشيط السياحة الخارجية أيضًا، خصوصا أن الصوفيون منتشرون فى كل أنحاء الأرض فى أوروبا وأمريكا وغيرها، ولكن هذا لم يحدث وهو ما جعل المولد مليئا بالسلبيات كانتشار المتسولين واللصوص.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل