المحتوى الرئيسى

درس من لبنان | المصري اليوم

11/24 03:01

أعتقد أن الدرس الأول فى أزمة رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى يحتمل عناوين كثيرة، إلا أن جميعها يصب فى معنى واحد هو السقوط. فى مقدمة هذه العناوين سقوط المجتمع الدولى، أو سقوط المنظمات الدولية، خاصة الأممية، ممثلة فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سقوط الأخلاق، سقوط الأقنعة، سقوط القوى الكبرى، حتى سقوط الشعارات، أما على المستوى الإقليمى فسوف تندرج بالدرجة الأولى تحت سقوط العروبة، سقوط جامعة الدول العربية، سقوط الأنظمة الإقليمية، سقوط العلاقات الثنائية بين الدول، السقوط إلى ما لا نهاية.

الأزمة أثبتت أن كل دولة من دول العالم يجب أن تعيش تحت عباءة دولة عظمى، لا يمكن لأى نظام أو شعب أن يعيش بمأمن عن الأطماع، إلا إذا كان تحت وصاية أحد فتوات الحارة، أو فتوات العالم، ممثلة فى الدول الكبرى، ولو أن لبنان لا يخضع عملياً لصيغة فرنسية من هذا النوع، ولو أن سعد الحريرى لا يحمل الجنسية الفرنسية لما كان أحد يسمع عنه الآن، أو لكانت أخباره قد انحصرت فى نوعية محددة من اتهامات لا شأن له بها.

الرجل تعرض لعملية قرصنة غريبة الشكل والمضمون، هى الأولى من نوعها فى العالم، على الأقل فى العصر الحديث، كل الشواهد أكدت منذ اللحظة الأولى لإعلان استقالته التليفزيونية أن الرجل فى مأزق، اللبنانيون كانوا على مستوى الحدث، قاموا بتحليل محتوى الاستقالة، التى لا تنتمى إلى الصياغة اللبنانية من قريب أو بعيد، قاموا بتحليل لغة الجسد، التى كانت بعيدة عن الإرادة الذاتية، قاموا بتحليل لغة الوجه الشاحب والغاضب والمجبر، قاموا بتحليل كل شىء وأى شىء، إلا أن «العين بصيرة واليد قصيرة» لا يملكون أكثر من التصريحات والتلويح باللجوء لمجلس الأمن والمحاكم الدولية.

بالفعل القضية كانت أكبر من لبنان، الدولتان الكبيرتان الولايات المتحدة وروسيا التزمتا الصمت، لغة المصالح والمال والأعمال ألقت بظلالها على كل دول العالم، باستثناء فرنسا، الدولة ذات المصلحة المباشرة مع لبنان، دولة الاستعمار السابق والنفوذ الحالى تدخلت بقوة، صحيفة «لوموند» الفرنسية، وهى الصحيفة الأولى هناك، نشرت تقارير مطولة أكدت فيها أن فرنسا استخدمت كل الأوراق حتى استطاعت الإفراج عن الحريرى. الصحيفة قالت إن الرئيس إيمانويل ماكرون «حفظ ماء وجه» السعودية، وأنقذها من حرج دبلوماسى، وأضافت أن فرنسا ساعدت فى إخراج الحريرى من الرياض إلى باريس، بعد أن كان أغلب اللبنانيين يرون أنه أسير، كما أن ماكرون منح السعودية الحماية من أى احتكاك دولى بسبب ما قامت به، وأن فرنسا كانت قلقة على مصير الحريرى، وعلى الرغم من حديث الرياض بأنه حر، فإن باريس كانت لا ترى ذلك، خاصة أنه لم يكن بالإمكان الوصول إليه فى الرياض.

كان ماكرون قد ذهب إلى العاصمة السعودية، والتقى بن سلمان، وتم الحديث عن لبنان ومصير الحريرى، بعد ذلك بقى ماكرون يهاتف بن سلمان حتى ظهر الحريرى على شاشة تليفزيون المستقبل، وتحدث عن أنه حر، لتبدأ بعد ذلك ضغوط فرنسية على السعودية بضرورة السماح له بالمغادرة، فى الوقت نفسه تسربت أنباء عن أن فرنسا حذرت إسرائيل من شن أى حرب على لبنان وحزب الله.

السؤال هو: ماذا لو لم تكن هناك فرنسا؟ ماذا لو لم تكن هناك هذه الصيغة الفرنسية فى العلاقات مع لبنان؟ ماذا لو لم يكن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على مستوى المسؤولية؟ بالتأكيد الإجابة واضحة فى غياب طرف عربى قادر على التدخل، أو منظومة عربية تستطيع فرض سلطتها. لن نستطيع إنكار التنسيق الفرنسى مع مصر فيما يتعلق بهذه الأزمة، زيارة الحريرى لمصر تحديداً من بين الدول العربية أكدت ذلك، زيارته المفاجئة إلى قبرص بعد مصر أكدت ذلك، كل الشواهد أكدت دوراً مهماً لمصر فى الأزمة، وإن كان صامتاً لأسباب نعلمها. أيضاً كل الشواهد تؤكد أن لا أحد غير مصر فى دول المنطقة يمكن أن يؤدى دور مصر، حتى وإن كان على استحياء.

درس الحريرى سوف يزيد من مخاوف الأنظمة الضعيفة، القائمة على ضرورة الاحتماء بالدول الكبرى، بمعنى أصح الارتماء فى أحضان الفتوات، دفع الإتاوات، السماح بالقواعد العسكرية، تغلغل النفوذ الأجنبى بالمنطقة، قد يجد أى مسؤول أو قيادى نفسه فى مثل هذا الموقف بين لحظة وأخرى، قد يذهب أى مسؤول فى زيارة إلى هنا أو هناك ولا يستطيع العودة، قد يجد نفسه فى غيابات الجُب، إنه عالم الغابة، عالم ما قبل التاريخ المتخم بالحروب العبثية القبلية والنرجسية، الغريب أن القبائل المتجاورة كان يناصر بعضها البعض حينذاك، كانت تنتفض للظلم أو العدوان، أما فى عالم الألفية الثالثة فلا أحد يتحرك، حتى الأصدقاء والأشقاء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل