المحتوى الرئيسى

المشاركة المصرية فى رأب صدع الجنوب | المصري اليوم

11/22 21:45

الحضور المصرى فى أزمة جنوب السودان يبعث على الارتياح، لأنه يعنى ببساطة تحركاً صحيحاً فى ملف شديد الأهمية بالنسبة لمصر، ليس فقط فى إطار معالجة مصر لموضوع الأزمة المائية المتوقعة بسبب سد النهضة، ولكن أيضا فى إطار تأكيد وترسيخ دور مصر المهم فى محيطها. وجنوب السودان إحدى المناطق المهمة لمصر لأسباب عديدة، وانفصالها عن شمال السودان كان نتيجة الإدارة الخاطئة لملف الجنوب فى تلك الفترة من قِبَل النظام فى الشمال، بل أعتقد أنه أمر تجاوز الخطأ بكثير.

عندما التقيت بالسيد سيلفا كير منذ عدة سنوات، كان ذلك عقب الانتخابات البرلمانية فى جنوب السودان، وقبيل الاستفتاء الذى نتج عنه انفصال دولة الجنوب. دار بينى وبينه حوار طويل باللغة العربية، قدرة سيلفا كير على التحدث باللغة العربية لا تختلف عن قدرة أى سودانى آخر على التعبير عن نفسه بالعربية، حوار طويل بيننا تحدث فيه عن ترحيبه بأى عربى أو مسلم فى جنوب السودان، لكنه تحدث أيضا عن الإحساس بالظلم والإهمال، الذى يشعر به أهل الجنوب من جانب أهل الشمال، وعندما بدأت فى إجراء الحوار التليفزيونى المسجل معه طلب «كير» أن يكون الحوار باللغة الإنجليزية، فطلبت منه أن يتحدث بالعربية، التى يجيدها تماما، لأنه سيخاطب عن طريق التليفزيون المصرى الجمهور المصرى، الذى يتحدث العربية، لكنه أصر أن يتحدث بالإنجليزية، لكنى طلبت منه بإلحاح أن يتحدث بالعربية، وإذا تعذر عليه إيصال معنى باللغة العربية يمكن فى هذه الحالة أن يجيب عن السؤال بالإنجليزية، فأبدى موافقته، ولكن ما إن بدأ الحوار حتى أجاب عن كل الأسئلة بالإنجليزية، ودار الأمر هكذا: أسأل باللغة العربية، ويجيب هو باللغة الإنجليزية، وعندما أنهى الحوار قال لى: عندما أحضر إلى القاهرة سوف أتحدث بالعربية.

دلالة ما حدث هى تلك الرغبة فى التأكيد على فصل هوية الجنوب عن الشمال، وفى إشارة مبكرة فى ذلك الوقت إلى الاتجاه الغالب للاستفتاء- الذى جرى بعد حوارنا بأسابيع- بأن الانفصال يبدو وكأنه النتيجة المتوقعة.

وقع الانفصال، وليس هناك مَن نلومه سوى كل الأطراف العربية، ومسؤولى حكومة الشمال على وجه الخصوص، الذين أهملوا الجنوب طوال الفترة الماضية، فلم يقوموا بما ينبغى أن يقوموا به من أجل الحفاظ على الجنوب.

ذهبت وقتها إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، بحثا عن عناصر تصب فى مصلحة وحدة السودان، ولكن خرجت منها مكتشفا أن عناصر الانفصال الحاضرة أكبر كثيرا من عناصر الوحدة.

الوصول إلى جوبا ليس بالأمر السهل من الخرطوم، المسافة برا حوالى 1600 كيلومتر، معظمها غير ممهد، تستغرق الرحلة- إذا قرر أحد المغامرة- حوالى أيام، قدرها البعض بتسعة، الطيران من عاصمة السودان إلى عاصمة جنوبه، وقتها، عبارة عن رحلة واحدة منتظمة، ولكن غير منضبطة فى مواعيدها، واثنتين فى مهب الريح، فى مقابل ثلاث رحلات يوميا من نيروبى، وثلاث رحلات من كينشاسا، وثلاث أسبوعيا من أديس أبابا.

الدلالات الانفصالية لم تقتصر على اللغة الإنجليزية، التى أصر السيد سيلفا كير على الإجابة بها، رغم إجادته التامة للعربية، ولكنها كانت ساطعة كشمس الجنوب الحارقة، واضحة وجلية مثل النيل، الذى يمر من هناك فى طريقه إلى مصر.

جوبا، عاصمة جنوب السودان، وعاصمة منطقة بحر الجبل، يتحدث سكانها العربية والإنجليزية واللهجات المحلية، لكن العربية هى اللغة الطاغية، على الرغم من دخول بعض قواعد الإنجليزية عليها، تعتمد على النقل النهرى، حيث نهر النيل يشكل خزانا مائيا، عانت طويلا من الحرب الأهلية والتهميش الذى يتهمون به الشمال.

رأيت هناك الكثير من عناصر الانفصال، وسمعت الكثير من السيد سيلفا كير، أثناء رحلتى إلى جوبا اكتشفت أن الأمر تخطى مرحلة الخلاف العرقى بين شمال السودان وجنوبه، بات خلافا بين رؤيتين لهوية دولة، دولة مدنية متعددة الثقافات والديانات، علمانية العاصمة، وهوية لدولة دينية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل